دُروسٌ في العَقِيدَة
(مِنْهَاجٌ مُعَدٌّ للمُجَاهِدينَ في سَبِيلِ الله في أرض العراق)
أعدّ هذه الدروس/ عبد العزيز بن محمّد (أبو أسامة العراقي)
الدرس السابع (ذو الحجّة 1427 للهجرة)
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيّئات أعمالنا.مَن يهده الله فلا مُضلّ له،ومَن يُضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم.
أمّا بعد.
بيّنا في الدرس السابق أنّ التوحيد هو ملّة الناس كلّهم قبل أن يختلفوا.ثمّ حدث الشرك بسبب الغلوّ في الصالحين.فلمّا فسد دين بعض الناس وتغيّرتْ فطرتهم بعث الله تعالى الرسل بصلاحها وردّها إلى ما خُلقت عليه، فكان نوح عليه الصلاة والسلام أوّل رسول بعثه الله تعالى بالدعوة إلى التوحيد.
توحيد الإلهيّة هو أوّل الدين وآخِره
وهو الغاية المطلوبة مِن الخَلْق والأمْر
إعلمْ رحمك الله أنّ التوحيد هو أوّل الدين وآخره، وباطنه وظاهره، وهو إثبات الإلهيّة لله تعالى وحده، بأنْ يُشْهَد أنْ لا إله إلا الله، لا يُعبد إلا إيّاه، ولا يُتَوكّل إلا عليه، ولا يُوالى إلا له، ولا يُعادى إلا فيه، ولا يعمل إلا لأجله، وذلك يتضمّن إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه مِن الأسماء والصفات.
قال تعالى (وإلهُكُم إلهٌ واحدٌ لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) [ألبقرة:163].
وقال تعالى (وقال الله لا تتّخذوا إلهَيْن اثنين إنّما هو إلهٌ واحدٌ فإيّايَ فارْهَبون) [ألنَّحْل:51].
وقال تعالى (ومَن يَدْعُ مع الله إلهاً آخَرَ لا برهان له به فإنّما حسابه عند ربّه إنّه لا يُفلِح الكافرون) [ألمؤمنون:117].
والتوحيد هو الغاية التي خلق الله تعالى لها الخلق كما قال الله تعالى (وما خلقتُ الجنّ والإنس إلا لِيَعبدون) [ألذاريات:56].
وهو دين الأنبياء والرسل جميعاً عليهم الصلاة والسلام كما قال تعالى (وما أرسلنا مِن قبلك مِن رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون) [ألأنبياء:25].
قال ابن تيمية رحمه الله في (مجموع الفتاوى) (2/165):
(فأخبر سبحانه أنّه يوحي إلى كلّ رسول بِنَفي الألوهيّة عمّا سواه وإثباتها له وحده).
وهو أوّل دعوتهم عليهم الصلاة والسلام، فكلّ رسول يفتتح دعوته لقومه بقوله: أُعبدوا الله ما لكم مِن إلهٍ غيره.كما في سورة الأعراف وهود وغيرهما.
ومقصود دعوة الرسل مِن أوّلهم إلى آخرهم هو الدعوة إلى التوحيد، وليكون الدين كلّه لله، ولتكون كلمة الله هي العليا.فالتوحيد هو الغاية المطلوبة مِن إرْسال الرسل وإنزال الكتب، كما قال تعالى (واْسْأَلْ مَن أرسلنا مِن قبلك مِن رسلنا أَجَعَلْنا مِن دون الرحمن آلهةً يُعْبَدون) [ألزخرف:45].
وقال تعالى (ولقد بعثنا في كلّ أُمّةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمِنهم مَن هدى الله ومِنهم مَن حَقّتْ عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين) [ألنَّحْل:36].
وقال تعالى (شَرَع لكم مِن الدين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أنْ أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه كَبُرَ على المشركين ما تدعوهم إليه) [ألشورى:13].
وقال تعالى (إنّ هذه أُمّتكم أُمّةً واحدةً وأنا ربّكم فاعبدون) [ألأنبياء:92].
وقال تعالى (يا أيّها الرسل كُلُوا مِن الطيّبات واعملوا صالحاً إنّي بما تعملون عليم وإنّ هذه أُمّتكم أُمّةً واحدةً وأنا ربّكم فاتّقون) [ألمؤمنون:51ـ52].
قال ابن عبّاس رضي الله عنهما في قوله تعالى (وإنّ هذه أُمّتكم أُمّةً واحدةً) أي: دينكم دين واحد.
وقال قتادة: أي دينكم دين واحد.وربّكم ربٌّ واحد.
وقال الحسن: بيّن لهم ما يتّقون وما يأتون، ثمّ قال: إنّ هذه سنّتكم سنّة واحدة.
نقله عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (مجموع الفتاوى) (14/184،185).
فالتوحيد هو دين جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو الدين الذي أرسلهم الله به إلى جميع الأُمم.
فجميع الكتب السماويّة وجميع الرسل دَعَوا إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ونَهَوا عن الشرك والتنديد، وخصوصاً نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم.وهذا القرآن العظيم فإنّه أمر به وفرضه وقرّره أعظم تقرير، وبيّنه أعظم بيان، وأخبر أنّه لا نجاة ولا فلاح ولا سعادة إلا بهذا التوحيد.وجميع الأدلّة النقليّة والعقليّة والأفقيّة والنفسيّة والفطريّة هي براهين على الأمر بهذا التوحيد ووجوبه.فالتوحيد هو حقّ الله الواجب على العبيد، وهو أصل الأصول، وأساس الأعمال.
قال الله تعالى (لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم مِن إلهٍ غيره) [ألأعراف:59].
فالأمر بإفراد الله تعالى وحده بالعبادة هو دعوة أوّل رسول بعد حدوث الشرك في بني آدم كما مرّ معنا في الدرس السابق.
وقال هود عليه الصلاة والسلام لقومه: (اعبدوا الله ما لكم مِن إلهٍ غيره) [ألأعراف:65] [هود:50].
وقال صالح عليه الصلاة والسلام لقومه: (اعبدوا الله ما لكم مِن إلهٍ غيره) [ألأعراف:73] [هود:61].
وقال شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه: (اعبدوا الله ما لكم مِن إلهٍ غيره) [ألأعراف:85] [هود:84].
وقال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه: (إنّي وَجَّهْتُ وجهيَ للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا مِن المشركين) [ألأنعام:79].
وقال تعالى عن إبراهيم الخليل (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنّني بَراءٌ مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنّه سيهدين وجعلها كلمةً باقيةً في عَقِبِه لعلّهم يرجعون) [ألزخرف:26ـ28].
وقال تعالى عنه (قال أَفَرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقْدَمون فإنّهم عدوٌّ لي إلا ربّ العالمين) [ألشعراء:75ـ77].
وقال تعالى (قد كانت لكم أُسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا بُرَءاؤُاْ مِنكم ومما تعبدون مِن دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتّى تُؤمنوا بالله وحده) [ألممتحَنة:4].
وقال تعالى لِلنبيّ صلّى الله عليه وسلّم (قل إنّي أُمِرتُ أنْ أعبد الله مخلصاً له الدين وأُمِرتُ لأنْ أكون أوّل المسلمين قل إنّي أخاف إنْ عصيتُ ربّي عذاب يومٍ عظيم قل اللهَ أعبدُ مخلصاً له ديني فاعبدوا ما شئتم مِن دونه) [ألزُمَر:11ـ15].
وقال تعالى (قل يا أيّها الناس إنْ كنتم في شكٍّ مِن ديني فلا أعبد الذين تعبدون مِن دون الله ولكنْ أعبدُ الله الذي يَتَوَفّاكم وأُمِرتُ أنْ أكون مِن المؤمنين) [يونس:104].
وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (أُمِرْتُ أنْ أُقاتل الناس حتّى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله ويُقيموا الصلاة ويُؤتوا الزكاة فإذا فَعَلوا ذلك عصموا مِنّي دماءهم وأموالهم إلا بِحَقّ الإسلام وحسابهم على الله).[ رواه البخاريّ (1/13) ومسلم (1/212ـ ألشرح) ].
وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (بُعِثْتُ بين يدي الساعة بالسيف حتّى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظلّ رمحي، وجُعل الذلّ والصغار على مَن خالف أمري، ومَن تشبّه بِقومٍ فهو مِنهم).[ رواه الإمام أحمد في المسند (2/92،50) وحسّنه الشيخ الألباني رحمه الله في (إرواء الغليل) (5/109) وهو في صحيح الجامع برقم (2831) ].
ولمّا سأل هِرَقْلُ أبا سفيان عن دعوة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: (ماذا يأمركم ؟ فقال له أبو سفيان: يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشركُ به شيئاً، وينهانا عمّا كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصَّدَقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة.[ وفي رواية عند البخاريّ 1/6 : يقول اعبدوا الله وحده ولا تُشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصِّدْق والعفاف والصِّلة ].
ثمّ قال له هِرَقْل: وسألتك بماذا يأمركم ؟ فزعمتَ أنّه يأمركم أنْ تعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئاً، وينهاكم عمّا كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصلاة والصِّدْق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة.قال ـ يعني هِرَقْل ـ : وهذه صفة النبيّ).[ رواه البخاريّ (4/56،57) ].
وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا بَعَث معاذاً رضي الله عنه على اليمن قال: (إنّك تَقْدَم على قومٍ أهل كتاب فلْيكن أوّلَ ما تدعوهم إليه عبادة الله) تتمّة الحديث.[ رواه البخاريّ (2/147) ومسلم (1/199) ].
وفي رواية عند البخاريّ (2/130) ومسلم (1/196ـ197ـ الشرح): (أُدعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله).
FONT][/b][/center]