عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 02-01-2007, 06:47 PM
نواس2006 نواس2006 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2006
المشاركات: 123
إفتراضي

وفي رواية عند البخاريّ (9/140): (فلْيكن أوّلَ ما تدعوهم إلى أنْ يُوَحّدوا الله تعالى).
فكلّ الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام أَمَروا بعبادة الله وحده لا شريك له.والأمرُ بالتوحيد هو فاتحة دعوتهم.
وقال تعالى عن أهل الكهف (إنّهم فتيةٌ آمنوا بربّهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربّنا ربّ السموات والأرض لن ندعوَ مِن دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شَطَطاً هؤلاء قومنا اتّخذوا مِن دونه آلهةً لَوْلا يأتون عليهم بسلطانٍ بيّن فمَن أظلم ممّن افترى على الله كذباً) [ألكهف: 13ـ15].
فتبيّن أنّ التوحيد هو الغاية مِن الخلق والأمر كما ذكرنا، ولا يدخل الرجل في الإسلام إلا بهذا التوحيد.فلا تكفي الشهادة بتوحيد الربوبيّة، فقد شهد به المشركون فما أدخلهم في الإسلام.
قال الإمام ابن أبي العزّ رحمه الله في (شرح العقيدة الطحاويّة) (85):
(فَلَوْا أقرّ رجل بتوحيد الربوبيّة الذي يقرّ به هؤلاء النظّار، ويفنى فيه كثير مِن أهل التصوّف، ويجعلونه غاية السالكين، كما ذكره صاحب منازل السائرين وغيره، وهو مع ذلك إنْ لم يعبد الله وحده ويتبرّأ مِن عبادة ما سواه: كان مشركاً مِن جنس أمثاله مِن المشركين).
وقد بيّنا في الدرس الخامس أنّ توحيد الربوبيّة لا يكفي وحده في حصول الإسلام، فلْيُراجَع.
وقال تعالى عن المشركين: (أجَعَل الآلهة إلهاً واحداً إنّ هذا لَشَيءٌ عُجَاب) [ص:5].
وقال تعالى (وإذا ذكرتَ ربّك في القرآن وحده وَلَّوا على أدبارهم نُفُوراً) [ألإسراء:46].
وقال تعالى (وإذا ذُكِرَ الله وحده اشْمَأَزَّتْ قلوب الذين لا يُؤمنون بالآخرة وإذا ذُكِرَ الذين مِن دونه إذا هم يستبشرون) [ألزُمَر:45].
وقال تعالى (إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أَئِنّا لَتَارِكوا آلهتنا لِشاعرٍ مجنون) [الصافّات:35ـ36].
فهذه الآيات تبيّن حقيقة دعوة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأنّه أمر بإفراد الله تعالى بالعبادة ونهى عن الشرك بالله.


التوحيد هو الدين الذي لا يقبل الله عزّ وجلّ غيره

وهذا التوحيد العظيم هو الدين الذي لا يقبل الله مِن الأوّلين والآخِرين غيره، وهو الفارق بين الموحّدين والمشركين، وعليه يقع الجزاء والثواب في الأولى والآخرة.فمَن لم يأتِ به كان مِن المشركين الخالدين في النار، فإنّ الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لِمَن يشاء. وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفّار، وسُعَداء أهل الجنّة وأشقياء أهل النار، كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنّة) [ رواه أبو داود (2/207) والحاكم (1/351) وأحمد (5/233) وحسّنه الشيخ الألبانيّ رحمه الله في (إرواء الغليل) (3/149) ].
وقال عليه الصلاة والسلام (مَن مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنّة) [ رواه مسلم (1/218 ـ ألشرح) ].
وكما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (أُمِرْتُ أنْ أُقاتل الناس حتّى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله ويُقيموا الصلاة ويُؤتوا الزكاة فإذا فَعَلوا ذلك عصموا مِنّي دماءهم وأموالهم إلا بِحَقّ الإسلام وحسابهم على الله) [ رواه البخاريّ (1/13) ومسلم (1/212ـ ألشرح)].


التوحيد هو الدين الذي فَطَر الله عليه الناس

وهذا التوحيد هو الدين الذي فطر الله تعالى عليه الناس كلّهم.كما قال تعالى (فَأَقِمْ وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لِخَلْق الله ذلك الدين القَيِّم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون مُنِيْبِيْن إليه واتّقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا مِن المشركين مِن الذين فَرَّقوا دينهم وكانوا شِيَعاً كلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهم فَرِحون وإذا مَسَّ الناس ضرٌّ دَعَوا ربّهم مُنِيْبِيْن إليه ثمّ إذا أذاقهم مِنه رحمةً إذا فريقٌ مِنهم بِرَبّهم يُشركون لِيَكفروا بِما آتيناهم فتمتّعوا فسوف تعلمون أم أنزلنا عليهم سلطاناً فهو يتكلّم بِما كانوا به يُشركون) [ألروم:30ـ35].

وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (ما مِن مَوْلودٍ إلا يولَد على الفطرة، فأَبَواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه، كما تُنْتَج البهيمةُ بهيمةً جَمْعاء، هل تُحسّون فيها مِن جَدْعاء، حتّى تكونوا أنتم تَجْدَعونها) [ رواه البخاريّ (6/143) (8/153) ومسلم (16/207ـ ألشرح) (16/210) ].
وروى مسلم (16/210ـ ألشرح) عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (ما مِن مَولودٍ يولَد إلا وهو على المِلّة [ وفي رواية: إلا على هذه المِلّة ] حتّى يُبَيِّن عنه لسانه).
وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن الله عزّ وجلّ: (وإنّي خلقتُ عبادي حُنَفاء كلّهم وإنّهم أَتَتْهم الشياطين فاجْتَالَتْهم عن دينهم وحَرَّمَتْ عليهم ما أحْلَلْتُ لهم وأَمَرَتْهم أنْ يُشركوا بي ما لم أُنزل به سلطاناً) [ رواه مسلم (17/197ـ ألشرح) ].
واعلمْ أنّ معنى قوله تعالى (لا تبديل لِخَلْق الله) ما ذكره الإمام ابن القيّم فقال في (إغاثة اللهفان) (2/226ـ228):
(أيْ: نَفْسُ خَلْق الله لا تبديل له، فلا يخلق الخلق إلا على الفطرة، كما أنّ خلقه للأعضاء على السلامة مِن الشَّقِّ والقطع، ولا تبديل لِنفس هذا الخلق.ولكن يقع التغيير في المخلوق بعد خلقه، كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (كلُّ مَوْلودٍ يولَد على الفطرة، فأَبَواه يُهَوِّدانه ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانه، كما تُنْتَجُ البهيمة جَمْعاء، هل تُحسّون فيها مِن جَدْعاء، حتّى تكونوا أنتم تَجْدَعونها).
فالقلوب مفطورة على حُبّ إلهها وفاطرها وتأليهه.فصَرْف ذلك التأَلُّه والمحبّة إلى غيره تغييرٌ للفطرة.
ولمّا تغيّرتْ فِطَر الناس بعث الله الرسل بِصلاحها وردّها إلى حالتها التي خُلِقتْ عليها، فمَن استجاب لهم رجع إلى أصل الفطرة، ومَن لم يستجب لهم استمرّ على تغيير الفطرة وفسادها) انتهى كلام ابن القيّم رحمه الله.


التوحيد أعظم العدل وأعظم الحسنات وهو أصل صلاح الناس

ولا يرغب عنه إلا أَسْفَه الناس

وهذا التوحيد أعظم العدل.وضدّه وهو الشرك أعظم الظلم.كما قال تعالى (إنّ الشرك لظلمٌ عظيم) [لقمان: 13].
والتوحيد أعظم الحسنات.والشرك أعظم السيّئات.كما في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أيُّ الذنب أعظم عند الله ؟ قال: أن تجعل لله ندّاً وهو خَلَقَك.قال قلتُ له: إنّ ذلك لَعظيم) تتمّة الحديث.[ رواه البخاريّ (6/22) ومسلم (2/80ـ ألشرح) ].
والتوحيد أعظم الصلاح، وهو أصل صلاح الناس.والشرك أعظم الفساد، وهو أصل فساد الناس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (مجموع الفتاوى) (18/98):
(فأصل الصلاح: التوحيد والإيمان.وأصل الفساد: الشرك والكفر.كما قال عن المنافقين: (وإذا قيل لهم لا تُفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مُصلحون ألا إنّهم هم المُفسدون ولكن لا يشعرون) [ألبقرة:11ـ12].
وذلك أنّ صلاح كلّ شيء أن يكون بحيث يحصل له وبه المقصود الذي يُراد مِنه) ـ إلى أن قال ـ : (والله تعالى إنّما خلق الإنسان لعبادته.وبَدَنُه تَبَعٌ لقلبه، كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح: (ألا إنّ في الجسد مضغة إذا صلحتْ صلح لها سائر الجسد.وإذا فسدتْ فسد لها سائر الجسد.ألا وهي القلب) [ رواه البخاريّ (1/20) ومسلم (11/28ـ ألشرح).وصلاح القلب في أنْ يحصل له وبه المقصود الذي خُلق له مِن معرفة الله ومحبّته وتعظيمه.وفساده في ضدّ ذلك.فلا صلاح للقلوب بدون ذلك قطّ).