الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله،
و بعد فإني قد نظرت فيما انتاب الشمالي من شبهة قديمة، فعملت جاهداً على جمع الأدلة لنقض عراها من صدره سائلا المولى جل و علا أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه مبرأ من كل رياء أو شهرة.
نقول و بالله التوفيق:
قال أهل الحق: الله ذات موصوف بالصفات الأزلية الأبدية القائمة بذاته و هي ليست عين الذات و لا غير الذات. فبقولنا إن الصفات ليست غير الذات ينتفي ما تقوله المعتزلة: لو كان لله صفات لكانت أزلية و لو كانت أزلية لتعدد القدماء فبطل التوحيد. وبقولنا إن الصفات هي ليست عين الذات ينتفي قول القائلين: إن الله هو عين القدرة و السمع و البصر و سائر الصفات. فيتبين من ذلك أن قول أهل الحق: الله حي و حياته أزلية لا يستلزم تعدد القدماء كما توهم الشمالي إذ أن صفة الحياة ليست غير الذات كما أنها ليست عين الذات.
فإن قال قائل: لا أتصور صفات غير الذات و لا عين الذات، قلنا: منشأ الخبط هاهنا. إذ أن قوله (لا أتصور) مبني على قياسه على الأجسام، إذ أن صفاتنا نحن هي غير الذات لأن وجود ذواتنا بدونها متصور معقول لان الإنسان أول ما يوجد يكون على صفات ثم يتطور و الذات هو هو. فظن ذلك القائل أن كل موجود كذلك و هو فاسد ، إذ أن واجب الوجود لا يقاس على جائز الوجود. و لو تأملت لوجدت أن كثيراً ممن ضل من الفرق إنما ضل بهذا القياس، ألا ترى أن أقواماً ذهبوا إلى اعتقاد أن الله متمكن في مكان، و ما هذا منهم إلا قياس لواجب الوجود على جائز الوجود، إذ نظروا في الأجسام فقالوا: إن قلنا بخلوها عن الأمكنة لزمنا القول بعدمها ثم قاسوا بعد ذلك فقالوا إن قلنا بخلو ذات الله عن المكان لزمنا القول بعدمه فأثبتوا له التحيز سبحانه و تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وما قولهم هذا إلا إفصاح عن معتقدهم الفاسد بأن الله جسم و إن كانوا لا يصرحون بذلك. و كل من قاس الواجب على الممكن وقع في التشبيه و إن كان لا يدري. وقد كان يكفي أولئك المتنطعين أن يعتصموا بقوله تعالى (ليس كمثله شيء) و لكن أبوا إلا أن يقتحموا هذه اللجة ، و الله يفعل ما يشاء. فالحذر كل الحذر من التفوه بكلمات مؤداها تجسيم الخالق جلا و علا، و لا يسقطن أقوام من أبناء المسلمين فيما سقط فيه يهود من ميلهم إلى التجسيم ، و من قرأ القرآن متدبراً تجلت له الحقائق. ألا ترى كثيراً من بني إسرائيل قد أشربوا في قلوبهم التشبيه، فما إن عبر بهم موسى عليه السلام البحر حتى قالوا إجعل لنا آلهة كما لهم، و ما إن رجع من الميقات حتى وجدهم قد اتخذوا عجلا يعبدونه، وما إن لبثوا حتى قالوا أرنا الله جهرة، و كل ذلك بما اطمأنت له أفئدتهم من هوى التجسيم و ما زالوا كذلك، فتأمل من نقاتل، و الحذر أن تستوي معهم في الاعتقاد فتهلك. جعلنا الله ممن يتسربل بدمائه على ثرى القدس ..آمين
فيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت
..................... على شرجع يعلى بدكن المطارف
و لكن شهيداً ثاوياً في عصابة
..................... يصابون في فج من الأرض خائف
إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى
................... و صاروا إلى موعود ما في الصحائف
ثم ليعلم أن قولنا إن الله موصوف بحياة لا تشبه حياتنا ظاهر غير مبهم و هو مما تحتمله اللغة فالمعنى أن هذا اللفظ لا يطلق على غير الله تعالى إلا من حيث اتفاق اللفظ أما المعنى فلا، و كم من كلمة في اللغة شأنها كذلك.
يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على الإيمان.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|