الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله
و بعد، فهذه ملاحظات عل ما أوردSalaa7 :
أولا: في ولادة المسيح عليه السلام
نحن لا ننكر أن ميلاد المسيح كان مميزاً و لكن ننكر استدلالكم بذلك لإثبات ألوهيته، و نقول لكم كما أن الله خلق آدم بلا أب و لا أم فهو قادر على خلق المسيح بلا أب. فهل تنكر أن الله خلق المسيح! فإن قلت إن المسيح مخلوق لله فقد نفيت عنه كل صفات الألوهية و صرت إلى ما نقوله من انه عبد الله و رسوله. و إن قلت إن الله لم يخلقه فقد ناقضت نفسك إذ تقول هو مولود و لكن ليس بمخلوق، إذ كيف يكون المولود الحادث قديما؟
ثم إن ولادة المسيح بلا أب مزية لا تقتضي التفضيل، فإن يوسف عليه السلام قد أوتي شطر الحسن فهل يقتضي ذلك أنه أفضل من المسيح عيسى عليه السلام! إنما غاية ما في الأمر أن ما أيد به المسيح من المعجزات كان دليل صدق دعوته عليه السلام، و هو لم يدع أبدا إلى عبادته بل دعا إلى عبادة الله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد. قال تعالى: ( وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي و ربكم إنه من يشرك بالله فد حرم الله عليه الجنه و مأواه النار و ما للكافرين من أنصار). فمن أحب المسيح فليتبع دعوته.
ثانيا: في أن المسيح كلمة الله
نحن لا ننكر أن المسيح هو كلمة الله بمعنى انه البشارة التي بشر بها الوحي جبريل مريم عليها السلام إذ بشرها بأنها ستلد نبيا رسولا من غير أن يكون له أب. أما قولك إن المسيح يعبر عن فكر الله فهو في غاية الشناعة. إذ أن الفكر هو إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة المجهول، و يترتب عليه أن ثمة أشياء يجهلها الخالق و هذا ينافي الألوهية، فإن قيل لم أرد بالفكر ذلك وإنما أردت كلام الله، فإننا نقول: نسلم بان الله موصوف بالكلام الأزلي الذي ليس بلغة و لكن الذي يعبر عن ذلك هو الكتب المنزلة على الرسل، فالإنجيل الأصلي عبارات حادثة بالسريانية تعبر عن الكلام القديم الذي ليس بحادث ، فإذا قرأناه فهمنا جملة الأوامر التي أمر الله بها مثلا، أما على زعمكم فإن النظر إلى ذات المسيح يفهم جملة الأوامر تلك، و عليه فما معنى الإنجيل عندكم و هل تمتنعون من تسميته كلام الله إذ سميتم المسيح كلمة الله!
ثالثا: في أن المسيح روح من الله
نقر بان المسيح روح من الله بمعنى أنه روح صادرة من الله خلقا و تكوينا و ليس بمعنى الجزئية. أي أن المسيح روح مشرفة خلقها الله تعالى. قال تعالى: (و هو الذي سخر لكم ما في السماوات و ما في الأرض جميعا منه) أي أن جميع ما في السماوات والأرض من الله خلقا و تكوينا ليس المعنى أنها أجزاء منه تعالى. و قد قال تعالى في حق آدم عليه السلام : (فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)، ليس معناه إضافة جزئية جزما. و هذا مما تحتمله اللغة و يقره العقل. ألست تقول هذا قميصي فهل معنى ذلك أنه جزء منك! بل إن معناه أنك تملكه. أما قولك هذه يدي فعلى معنى الجزئية، فانظر كيف كانت الإضافة للملكية تارة و للجزئية تارة أخرى. فالتبعض و التجزؤ الذي هو من صفات الأجسام مستحيل على الله الذي ليس بجسم، إذ أن التبعض حدوث ينافي القدم. و لما ثبت ذلك اقتضى أن نفسر الآيات كما ذكرنا لا لما تركن إليه أهواؤكم.
أما سائر ما أوردته من الاستشهاد بنصوص من الكتاب و السنة، فأعجب لك تستدل بها و تمتنع من الإذعان لما نفهمه منها مما تحتمله اللغة و تؤيده سائر النصوص التي غابت عنك و يشهد به حكم العقل الذي أغفلته، و ليس هذا دأب طالبي الحق بل دأب الذين يبذرون بذور الشك بين المسلمين. قال تعالى: (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله و ما أنزل إلينا و ما أنزل من قبل و أن أكثركم فاسقون)
وليعلم القاصي و الداني أن النصارى و اليهود كفار ، وكل من لم يكفرهم أو شك في كفرهم أو توقف فهو كافر مثلهم. و أن الأنبياء جميعا على الإسلام و منهم أنبياء بني إسرائيل. قال تعالى: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى و نور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا و الربانيون بما استحفظوا من كتاب الله و كانوا عليه شهداء)
|