عرض مشاركة مفردة
  #38  
قديم 20-01-2007, 01:35 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

اعتراف حماس بإسرائيل بين الفتوي والسياسة

GMT 21:30:00 2007 الأربعاء 17 يناير

الاهرام المصرية



د‏.‏ سمير غطاس


شهد يوم الأربعاء الماضي‏2007/1/10‏ إعلانا مدويا للسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس‏,‏ كان قد أصدره من دمشق ـ عاصمة الأمويين العتيدة وسوريا الحديثة‏.‏

كان مشعل قد قال في تصريحاته‏,‏ إن إسرائيل حقيقة وأنه ستبقي هناك دولة اسمها إسرائيل‏,‏ وقال‏:‏ أنا كفلسطيني أتحدث اليوم عن مطلب فلسطيني عربي بأن تكون عندي دولة علي حدود‏67,‏ صحيح أن النتيجة بالأمر الواقع تعني أن هناك كيانا أو دولة اسمها إسرائيل علي بقية الأراضي الفلسطينية‏..‏ هذا أمر واقع‏.‏

واستطرد مشعل قائلا‏:‏ إن حماس ستتحدي الشروط الغربية بأن نعترف رسميا بإسرائيل لحين تلبية المطلب الخاص بإقامة دولة فلسطينية علي حدود‏1967,‏ ثم اضاف قوله‏:‏ إن إسرائيل حقيقة قائمة والفشل هو فشلنا اننا لم ننجح في اقامة دولة فلسطينية الي جانب دولة إسرائيل‏.‏

وحقيقة الأمر أن المتابعين عن كثب للواقع الفلسطيني الداخلي‏,‏ وللتطورات‏,‏ خاصة داخل حركة حماس‏,‏ لم تفاجئهم تصريحات مشعل الأخيرة‏,‏ التي أعلن فيها علي نحو قاطع اعتراف حماس بالأمر الواقع الذي تمثله إسرائيل‏,‏ وكانت هذه التصريحات متوقعة في اطار العديد من الأسباب التي ربما كان من أبرزها الأسباب الثلاثة التالية‏:‏

أولا‏:‏ أن حركة حماس‏,‏ باعتبارها فرعا من حركة الاخوان المسلمين‏,‏ هي حركة سياسية‏,‏ وككل حركة سياسية‏,‏ بحكم طموحها للاستيلاء علي السلطة ستكون مضطرة لملاءمة سياساتها وبرامجها ومواقفها بما يتناسب وحجم الأوضاع والتحديات التي تواجهها في كل مرحلة‏,‏ ولهذا من الخطأ أن ينجر الناس وراء الخلط المتعمد بين ما هو ديني وما هو سياسي‏,‏ فالاخوان وحماس هما حركة سياسية واحدة ليس لها أي حصانة أو قداسة دينية‏.‏

ثانيا‏:‏ لان المسار التاريخي لحركة حماس نفسه يبرهن تماما علي كل ذلك‏,‏ بدءا من انبثاقها عن حركة الاخوان المسلمين في السبعينيات تحت اسم المجمع الاسلامي‏,‏ والدور الذي لعبته آنذاك‏,‏ في ظل الاحتلال‏,‏ لمواجهة التيار الغالب لمنظمة التحرير‏,‏ ثم تحولها في نهاية الثمانينيات الي حركة مقاومة مسلحة‏,‏ ورفضها دعوة عرفات للمشاركة في الانتخابات‏,‏ أو في أي حكومة من الحكومات المتعاقبة للسلطة الفلسطينية‏,‏ بدعوي تأسيس هذه السلطة علي اتفاق أوسلو الباطل شرعا‏,‏ ومن ثم تحولها في المرحلة الأخيرة الي إعلان التهدئة والتمسك به منذ مارس‏2005‏ وحتي الآن‏,‏ وانخراطها بكل زخم في العملية السياسية والانتخابات العامة‏,‏ والتشبث بالحكومة التي شكلتها بدعوي الدفاع عن خيار الديمقراطية‏,‏ التي لم تكن بالنسبة لحماس نفسها‏,‏ قبل عدة سنوات‏,‏ سوي بدعة غربية وحلقة في المخطط الامبريالي الصهيوني الذي يستهدف إلهاء الشعب وصرف نضاله عن مقاومة الاحتلال‏.‏

ثالثا‏:‏ لان تصريحات مشعل الأخيرة ليست جديدة تماما‏,‏ كان الشيخ أحمد ياسين نفسه قد أصدر تصريحات مماثلة تماما لما قاله مشعل عن قبول حماس لاقامة دولة في حدود‏1967.‏

ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار هذه العناصر الثلاثة وما يتفرع عنها‏,‏ فإنه مع ذلك يبقي للمراقبين كل الحق في النظر الي التصريحات الأخيرة لمشعل عن الاعتراف بإسرائيل بكل الأهمية والجدية‏.‏

وفي تقديرنا‏,‏ فإن اعتراف مشعل يندرج في سياق عدد من العوامل المهمة التي تساعدنا علي فهم هذه التصريحات وأبعادها وأهدافها ومن أبرز وأهم هذه العوامل ما يلي‏:‏

‏1‏ ـ ان إعلان مشعل عن الاعتراف الواقعي بإسرائيل صدر في هذا التوقيت علي الأخص من دمشق‏,‏ وهذا العامل له دلالته المهمة في ظل اعلان سوريا الرسمي عن رغبتها الملحة للعودة الي مائدة المفاوضات المباشرة مع الجانب الاسرائيلي من دون أي شروط مسبقة‏,‏ كما كان الأمر في السابق‏,‏ وقد أدي هذا الموقف السوري الرسمي الي ارباك الحكومة الإسرائيلية وانقسام مواقفها وآراء أقطابها‏,‏ مما اضطر أولمرت للقول مؤخرا بأنه يمانع في الاستجابة لهذا الإلحاح السوري لأن أمريكا تعارض بقوة السماح لإسرائيل بإجراء أي مفاوضات مباشرة مع سوريا‏.‏

ويأتي تصريح مشعل عن الاعتراف الواقعي بإسرائيل من دمشق بالذات‏,‏ كنوع من الرسائل الاضافية التي تؤكد هذا الموقف السوري‏,‏ ولإلمام كل من أمريكا واسرائيل بأن ورقة حماس الفلسطينية هي بحوزة دمشق‏,‏ وأن المفاوضات مع اسرائيل يمكن ألا تقتصر فقط علي بحث مستقبل الجولان‏,‏ وانما يمكنها أن تتسع لصفقة أكبر وأهم للطرفين معا‏.‏

‏2‏ ـ ومن جهة ثانية‏,‏ يبدو أن تصريحات مشعل قد وضعت حدا قاطعا للتردد والتكهنات‏,‏ فحماس‏,‏ حسب مشعل‏,‏ تعترف بإسرائيل علي أنها أمر واقع‏,‏ وهي مستعدة للاعتراف الرسمي بإسرائيل فقط بعد اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة حتي يكون الاعتراف الرسمي متبادلا بين دولتين‏.‏

وهذا الموقف المعلن من مشعل وحماس يعني بشكل قاطع لا لبس فيه‏,‏ أن الاعتراف بإسرائيل هو ضرورة سياسية‏,‏ ولا يقوم أبدا علي أساس أي فتوي شرعية أو دينية‏.‏

‏3‏ ـ ومن الوجهة السياسية‏,‏ يندرج إعلان مشعل عن الاعتراف الواقعي بإسرائيل في سياق متصل بعدد من التطورات والتحركات السياسية المهمة لحماس علي الساحة الدولية والأوروبية بشكل خاص‏.‏

ومن جهة أخري‏,‏ كانت المصادر الأوروبية نفسها قد كشفت النقاب يوم‏2006/12/24‏ عما يسمي بـ وثيقة يوسف‏,‏ نسبة الي أحمد يوسف المستشار السياسي لاسماعيل هنية رئيس حكومة حماس‏.‏

وملخص هذه الوثيقة يتوافق مع خطة أولمرت ومشروع كوندوليزا رايس الذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية بعد انسحاب اسرائيل من الضفة الغربية إلي خط متفق عليه‏,‏ كما تقول الوثيقة‏,‏ مقابل هدنة تعلنها حماس لمدة‏5‏ سنوات‏.‏ كانت حماس من جهتها قد نفت علاقتها بهذه الوثيقة‏,‏ برغم أن يوسف نفسه لم ينف أبدا زيارته لبريطانيا ولا لقاءاته مع رجل المخابرات البريطانية هناك‏,‏ كما لم ينف ما ورد من بنود في هذه الوثيقة لكنه قال إنها مجرد صياغة لأفكار أوروبية وليست اتفاقا مع حماس‏,‏ وأيا كانت الحقيقة في هذا الأمر‏,‏ فإن الثابت الأكيد هو أن حماس تمارس حقها‏,‏ كحركة سياسية في التعامل الايجابي مع الواقع الدولي من حولها‏.‏

وهناك أخيرا من يري أن إعلان مشعل الأخير عن الاعتراف الواقعي بإسرائيل يمكنه أن يفك عقدة اتفاق الأطراف الفلسطينية علي البرنامج السياسي لحكومة الوحدة الوطنية‏,‏ خاصة بعد أن أعادت حماس حساباتها بعد أن برهنت حركة فتح‏,‏ برغم خلافاتها الداخلية‏,‏ عن قدرتها علي حشد أكثر من ربع مليون مواطن في احتفالاتها في غزة بالذكري‏42‏ لانطلاقتها عام‏1965,‏ وأيضا في ظل استمرار أبومازن في التلويح لحماس بالتوجه الي انتخابات عامة مبكرة‏.‏

وقد يشير ذلك كله الي ضرورة أخذ اعلان مشعل الاعتراف بإسرائيل واقعيا علي محمل الجد‏,‏ ربما لأن هذا الاعتراف لم يكن المفاجأة الأولي في جراب مشعل‏,‏ كما أنه لن يكون بالطبع الكلمة الأخيرة في خطاب حماس‏.‏
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }