عرض مشاركة مفردة
  #19  
قديم 06-10-2000, 10:31 PM
العيدروسي العيدروسي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2000
المشاركات: 4
Post

وأما استدلاله على الفوقية المزعومة برفع سيدنا عيسى عليه السلام، فهو دليل على عدم فهمه للآيات والاحاديث كما ينبغي كما سيتضح لك، فمعنى قوله تعالى: (( ورافعك إلي)) إي إلى مكان كرامتي، فعيسى عليه السلام في السماء الثانية كما هو معلوم، وقد جاء صريحا في معراج النبي صلى الله عليه وسلم، فهل تقول بأن الله بذاته في السماء الثانية؟
وما أغرب استدلالك هذا على ما تزعم فقد قال الله تبارك وتعالى عن الظل في سورة الفرقان: (( ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا )) فقوله تعالى: (( الينا )) لا يعني أن الظل في الليل يذهب عند الله وان الله في مكان، فليتيقظ ألو الألباب.

أما استدلالك الفاسد على معتقدك الفاسد بقصة المعراج ففساده ظاهر لوجوه منها على سبيل المثال: أن الإسراء والمعراج كان لاطلاع الرسول على بعض عجائب المخلوقات ولتشريفه صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تبارك وتعالى: (( لتريه من ءاياتنا )) ولم يقل ليصل إلى مكان فيه ذاتنا، فمن أين لك هذا؟ ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته الكرام انه وصل إلى مكان فيه ذات الله فادعاؤك هذا فاسد. وقد سمع موسى عليه السلام كلام الله و موسى في الأرض كما أخبر تبارك وتعالى : (( إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني انست نارا لعلي اتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى )). فهل تقول بأن الله عز وجل بذاته في الأرض في المكان الذي كان فيه موسى استدلالا بهذه الآيات فينتقض معتقدك أنه في السماء بذاته أم ماذا تقول؟
ومن أغرب ما في أوراقك هذه قولك بأن موسى علم فرعون أن الله في السماء فأين وجدت هذا يا هذا هل أخبرك بهذا فرعون لعنه الله أم هو بوحي تدعيه ؟ من أين علمت هذا؟ وهذا خلاف القرءان الكريم فقد فقال تبارك وتعالى : (( قال فرعون وما رب العلمين )) فلم يقل له موسى عليه السلام هو الذي في السماء كما تدعي، بل قال له : (( قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين )) فموسى عليه السلام يقول: رب السموات والأرض )) وأنت تقول بأنه أخبره أن الله في السماء ! فهل تدعي نزول قرءان ءاخر عليك غير الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فهذا الصريح الذي جاءنا به النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما ادعاؤك على أبي حنيفة رحمه الله بأنه كفر من أنكر بأن الله في السماء. فانظر عمن نقلت هذا. فإنك نقلته عن أبي مطيع البلخي، ومن هو هذا الرجل الذي تنقل عنه؟ انظر ماذا قال عنه الذهبي في ميزانه: (( قال الإمام أحمد : لا ينبغي أن يروى عنه شئ وعن يحيى بن معين: ليس بشئ . اهـ. وختم الحافظ ابن حجر ترجمته في لسان الميزان بقوله : وقد جزم الذهبي بأنه قد وضع حديثا فينظر من ترجمة عثمان بن عبد الله الأموي. ا هـ.
فكيف تستدل على عقيدتك الفاسدة برجل وضاع يكذب على رسول صلى الله عليه وسلم، ويقول عنه إمامان جليلان عالمان بأحول الرجال، الإمام أحمد والإمام يحي بن معين: (( لا يروى عنه وليس بشئ )) ؟
وأما تكفير أبي حنيفة رحمه الله لمن يقول : لا أعرف ربي في السماء هو أم في الأرض )) وكذا من قال إنه على عرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض )) فلأن قائل هاتين العبارتين جعل الله تعالى مختصا بجهة وحيز ومكان . وإليك النقل الصحيح : (( قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في كتابه (( حل الرموز )) في بيان مراد أبي حنيفة ما نصه : (( لان هذا القول يوهم أن للحق مكانا، ومن توهم للحق مكانا فهو مشبه )). نقلها عنه علي القاري في شرحه على الفقه الأكبر وأيد كلام ابن عبد السلام بقوله : ولا شك أن ابن عبد السلام من أجل العلماء وأوثقهم، فيجب الإعتماد على نقله . ا هـ. وقال عنه النووي في (( تهذيب الأسماء واللغات )) ما نصه: قال الشيخ الإمام المجمع على إمامته وجلالته وتمكنه في أنواع العلوم وبراعته أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه . اهـ.
ونزيدك يقينا على أن ما ذهبنا إليه هو الصحيح بنقل بعض النصوص من كتب الإمام أبي حنيفة وهي مطبوعة . قال رحمه الله في الوصية ما نصه : ولقاء الله تعالى لأهل الجنة بلا كيف ولا تشبيه ولا جهة حق)) اهـ. وقال في الفقه الأبسط ما نصه قلت : أرأيت لو قيل أين الله تعالى؟ فقال أبو حنيفة يقال له كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خلق ولا شئ، وهو خالق كل شئ اهـ.

وأما قولك عن الإمام مالك رضي الله عنه بأنه قال الإستواء معلوم –أي وروده في القرآن– والكيف غير معقول – فما معنى غير معقول؟ وقد فسرتها بزعمك الفاسد: لا ندرك كيف استوى ) فأين هذا في كلام مالك؟ فقد قال رحمه الله: والكيف غير معقول. ومعنى غير معقول أي مستحيل، والكيف مستحيل على الله. فتعلم قبل أن تتكلم بما لا تعلم.
وقد نفى مالك الكيف عن الله تعالى بقوله أيضا: ولا يقال كيفٌ، وكيف عنه مرفوع .اهـ. كما رواه البيهقي في الأسماء والصفات.
وقل المحدث الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ج2 ص105 ما نصه: ذكر الإمام قاضي القضاة ناصر الدين بن المنير الإسكندري المالكي في كتابه ( المنتقى في شرف المصطفى)
لما تكلم على الجهة وقرر نفيها، قال : ولهذا أشار مالك رحمه الله تعالى في قوله صلى الله عليه سلم : (( لا تفضلوني على يونس بن متى )) فقال مالك : إنما خص يونس بالتنبيه على التنزيه لأنه صلى الله عليه وسلم رفع إلى العرش ويونس عليه السلام هبط إلى قاموس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحق جل جلاله نسبة واحدة، ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام أقرب من يونس بن متى وأفضل ولما نهى عن ذلك)). أي عن ذلك التفضيل.
وأما الاستواء الوارد في القرآن في نحو قوله تعالى: (( الرحمن على العرش استوى )) فقد قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في كتاب الوصية ما نصه: ونقر بأن الله سبحانه وتعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوقين، ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ).
وقال سيدنا علي رضي الله عنه: ( إن الله خلق العرش إظهارا لقدرته ولم يتخذه مكانا لذاته ). نقله الإمام أبو منصور البغدادي في الفرق بين الفرق.
وقال الإمام المجتهد السلفي ابن جرير الطبري رحمه الله عند تفسير قوله تعالى : (( ثم استوى إلى السماء)) ما نصه: فيقال له: زعمت أن تأويل قوله (( استوى )) أقبلَ، أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل، ولكنه إقبال تدبير،قيل له: فكذلك فقل: علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال.أ هـ
فهذان إمامان سلفيان مجتهدان بينا معنى العلو والاستواء، فهو علو ملك وسلطان، لا علو جهة ومكان، كما ظهر لك، وكن على ذكر من قول الإمام علي رضي الله عنه.
وأما الحديث الذي ذكرته وقد رواه مسلم ونصه: (( والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها)). فيحمل على الملائكة بدليل الرواية الثانية الصحيحة التي رواها ابن حبان وغيره والتي هي أشهر من هذه الرواية وهي: (( لعنتها الملائكة حتى تصبح )).
وأما حديث النـزول الذي استدللت به، والذي فيه (( ينـزل ربنا )) فتأويله بالرواية الصحيحة الأخرى التي صححها عبد الحق بلفظ: إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا ينادي … الخ. أي هو مؤوّل بنـزول الملك.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها, فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره, معناه تـنـزل رحمته وأمره وملائكته كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره, والثاني: أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف. انتهى
وقد روى البيهقي في مناقب أحمد عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه تأول قول الله تعالى: (وجاء ربك ) بمجيء ثوابه. انتهى ثم قال البيهقي: وهذا إسناد لا غبار عليه ونقل ذلك ابن كثير في البداية والنهاية.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ما نصه: استدل به من أثبت الجهة وقال هي جهة العلو وأنكر ذلك الجمهور, لان القول بذلك يفضي إلى التحيز تعالى الله عن ذلك, وقد اختلف الناس في معنى النـزول على أقوال: فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم. انتهى
أنظر من الذي حمل الحديث على ظاهره, هم المشبهة الذين يصورون صنما في السماء يسمونه الله والعياذ بالله من الكفر, أما اهل السنة والجماعة فعقيدتهم نظيفة والحمد لله على نعمة التـنـزيه0
ثم أكمل الحافظ قائلا: وقد حكى ابن فورك عن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي يـُنـزِل ملكاً ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد بلفظ: ( إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا يقول: هل من داع فيـُـستجاب له ) وفي حديث عثمان بن أبي العاص: ينادي مناد هل من داع يُـستجاب له … الحديث. انتهى
والجمع بين الأحاديث ما أمكن الجمع واجب لا يجوز العدول عنه كي لا تضرب الأحاديث ببعضها البعض بالتشهي, ثم إن الله تبارك وتعالى يقول ( وأنـزلنا الحديد فيه بأس شديد) فهل رأيت حديدا نازلا من السماء؟ إنما لها معنى ءاخر ذكره الإمام ابن الجوزي رضي الله عنه على خلاف ما تذهب إليه أنت وشيعتك.
وأما تكفيرك لنبي الله إبراهيم عليه السلام فوباله ينقلب عليك. ألا تعلم من هو إبراهيم؟ أما علمت أنه ثاني أفضل الأنبياء بعد سيدنا محمد عليه السلام؟ فهل يكون جاهلا بالله من يكون ثاني أفضل الأنبياء؟ وكأنك تتكلم في أوراقك هذه عن ملحد كافر لا يعرف أن له رباً فذهب يبحث عن إلهٍ له !!! ما هذا الكفر العجيب الذي تفوهت به ؟ تب إلى الله تعالى وتراجع عما قلت من التشبيه ونحوه ومن تكفير نبي الله إبراهيم عليه السلام. واعلم أن هذه العبارة كفرية لاتفاق العلماء على أن أنبياء الله يستحيل عليهم الكفر قبل النبوة وبعدها. وأما معنى قول سيدنا إبراهيم عن الكوكب والقمر والشمس (هذا ربي) أي هذا ربي كما تزعمون؟ وهذا يقول عنه العلماء استفهام إنكاري أي أهذا ربي كما تزعمون؟ وليس المعنى أن إبراهيم عليه السلام طلب معرفة ربه وخالقه ثم ذهب يطلبه مرة أخرى وأخرى كما زعمت. فقد قلت لك سابقا تعلم ثم تكلم. وزعمت أن هذا دليل لك على أن الله في السماء فأين هذا الدليل المزعوم فماذا تقول إذا في قول إبراهيم عليه السلام (إني ذاهب إلى ربي سيهدين) وذهب إلى بلاد الشام؟
فهل تحمل هذا على ظاهره أم تضطر إلى التأويل فتنقض ما بنيته؟

يتبع يتبع يتبع