بسم الله الرحمن الرحيم
أخي المعتمد
بارك الله فيك على نقلك هذا، وعلى إتاحة الفرصة للتحاور في هذا الموضوع الذي يراه الكثير شائكا.
هذه ليست أول مرة أطلع فيها على الآراء المختلفة في أمر المجاز، ولكني في الماضي كنت أعزي نفسي بأن الفكرة واحدة.
فقد كنت أقول أن من قال -وهم أهل المجاز- أن المعاني المختلفة للألفاظ، يكون أحدها حقيقيا والباقي مجازيا، يقول نفس ما قال منكر المجاز في أن المعاني كلها حقيقية، ولكن أحدها الأصل والباقي فروع.
ولا بد لمنكر المجاز أن يقول بأن أحد المعاني هو المعنى الأصلي والباقي فروع، بدليل أني لو قلت: " رأيت أسدا"، فهمت -وفهم العرب- أني أقصد الحيوان لا الرجل الشجاع، هذا مع غياب القرينة، فنقول أن الأسد بمعنى الحيوان هو المعنى الأصلي وباقي المعاني هي الفروع، فمن هنا ارتأيت أن الفكرة واحدة لدى الجماعتين.
واستطرد هنا لأنوه إلى أمرين: الاول أن قول المؤلف: "إذ أن اللفظ المطلق عن جميع القيود محال" لا يصح له، فإنه بإمكاني أن أكتب قصة قصيرة أقول فيها: "ودخلت سوق المدينة، فرأيت فيها رجالا يلعبون بالنار، وقرودا، ورجلا جبانا يخاف من ظله، وامرأة حسناء، وأسدا، ثم تركت السوق وذهبت إلى المسجد"، فهل بإمكانك أن تدلني على القرينة التي تخبرك أن كلمة (أسد) تعني الحيوان أم الرجل الشجاع؟ ومن هنا قلت أن منكر المجاز لا بد له أن يعين معنى من المعاني يكون أصليا للفظ يرد إليه المعنى إن امتنعت القرينة.
الأمر الثاني هو أن من قال: "أن المعاني المختلفة للفظ هي من استخدامات العرب للفظ وليست مجازا"، فإنه ينكر أن يكون في المعاني شيئا لم يستخدمه العرب، ومن هنا فإني إذا جئت بمعنى جديد لم يعهده العرب، فإن هذا المعنى يكون مردودا علي عند منكر المجاز، بينما يكون مقبولا مني عند أهل المجاز، وأنا لا أرى كيف يمكن لأحد أن يرد علي معنى جديدا، فإن الشعراء والكتاب يجيئون بمعانٍ جديدة كثيرة لم يعهدها العرب.
فمن هنا وجدت أني وإن حاولت أن أجمع الآراء في تفسيرها للمعاني المختلفة، فإني أفشل أن أجمع بين تطبيقاتها المختلفة، فكيف أقول أن كل الكلام حقيقة في القرآن وأقف أمام آية في كتاب الله تقول: "ومَن كان في هذه أَعْمَى فهُو في الآخرة أَعْمَى وأَضَلُّ سبيلاً"، وليس أمامي قرينة تنفي المعنى الحقيقي (أو الأصلي)، إلا ما اصطلح عليها أهل المجاز بأنها قرينة معنوية؟ بمعنى آخر إنه يستحيل أن يدخل الله جميع العميان في النار.
ولا شك أني أوافق الكاتب في أنه ليس كل ما جاز في اللغة جاز في القرآن: كالرجوع، وحسن التعليل، والإغراق في المبالغة، ولكن هذا ليس من باب استحالة المجاز في القرآن ولكن من باب ما هو أهم من المجاز وهو ما نعلمه من مبادئ العقيدة السلمية في أنه لا يجوز نسبة النقص -أي عدم الكمال- إلى الله، والظلم أو النسيان أو الكذب كلها صفات نقص، لا تصح بحق الله.
أما القول بأنه لم يرد عن الصحابة قول في المجاز، فمنذ متى عهدنا من الصحابة الكلام في تفصيل العلوم، سواء كانت علوم اللغة أم الحديث أم غيرها، ولكننا نرى ذلك في التطبيق من خلال تفسيرهم لبعض الآيات، كتفسير ابن عباس وغيره، والذي أعرفه أن هذه الروايات صحيحة، إلا أن بأتي أحد أهل الحديث ويثبت عدم صحتها.
وفي النهاية، أريد أن أفصل حوارنا هذا عن جميع الحوارات الأخرى التي تدور في الإسلامية -من كلام في صفات الله- فإن هذا لا علاقة له بباقي الخلافات بين المذاهب الإسلامية، فإن الكثير من أهل السنة لا يقولون أن المجاز مستحيل في القرآن، ومنهم أمير المؤمنين في الحديث، الحافظ ابن حجر العسقلاني.
وأنا قابل للمناقشة في جميع الأفكار التي عرضتها هنا، فلعل الحق خفي علي، فرحم الله امرءا نبهني إلى أخطائي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عمر مطر
|