( أولى الخــطـــوات )
مجموعة من الأسئلة
وجــهــت لــفارس القلم ومشرفنا العام
الــــوافـــــــي
ما بين حضن الأم وكنف الأب كانت هناك المدرسة الأولى فماذا كان :-
1 / الدرس الأول فيها؟
لم يكن درسا واحدا فحسب ، بل كانت مدرسة تعددت مناهجها وفصولها ومراحلها ، ومن الصعب بمكان أن أختار درسا واحدا لأجعله الأول من بين ذلك كله ، لكن بمجمل الأمر كانت قاعدة " احترام الكبير " أساسا تعلمناه من الدروس الأولى ، فقد كنا نبدأ برنامجنا اليومي بتقبيل كف الوالدة حفظها الله وجبين الوالد يرحمه الله وعلى ذلك تربينا ، وفي ذات الوقت تعلمنا أن لا نسابق من يكبروننا سنا إلى فعل ذلك إن وجدوا في نفس المكان ، وتلك قاعدة أخرى طبقناها ولازلنا في كل تعاملاتنا اليومية .
2 / الدرس اليومي؟
" من حسُنت صلاته حسُنت حياته "
هذه العبارة سمعناها مُنذ أن وعينا الكلام ، حتى أنها أصبحت لازمة عندنا نستغرب إن لم يُذكرنا بها أحد الوالدين أو كليهما ، فتكونت من خلالها في أعماقنا قاعدة صلبة ويقينية بصحة المضمون نشأت معنا ونشأنا معها ولم تتغيّر مع مرور الأيام وتبدل الأحوال ( بحمد الله ) ، ولم ندرك أن لتلك العبارة ارتباط بقول الله عز وجل : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ) إلا بعد أن سارت بنا مراكب الحياة في خضمّها لاحقا، عندها أدركنا حقيقة أن ( من حسُنت صلاته حسُنت حياته ) فكان ذلك درسا يوميا ولا يزال .
3 / هل كنت مرنا في تلقي هذه الدروس؟
إلى حد بعيد جدا " نعم " وخصوصا إن كانت من والداي ، وهذا لا يعني أنه لم تكن لي آرائي الخاصة فيما أراه وأسمعه ، ولكنني - بحمد الله - تربيت في حضن من كان يفتح قبله وعقله لي ليحاورني فيما أشكل علي ، وأذكر حينها أنني قد رفضت الذهاب إلى المدرسة في أحد الأيام لعدم قناعتي بذلك ، فما كان من والدي إلا أن وافقني على ما قررته ، بل وزاد على ذلك أن مكنني من أن أفعل ما أشاء في المنزل أو خارجه في غياب إخوتي بالمدارس ، كان ذلك مصحوبا بابتسامة رضا عجيبة لا أزال أذكرها حتى اليوم ، وفي مساء اليوم التالي طلب مني أن أدعو بن عم لي كان يدرس معي في ذات الصف ليتناول طعام العشاء معنا ، وأثناء ذلك سألني والدي عن ما أخذناه اليوم في المدرسة ، فنظرت إليه نظرة تعجب ودهشة !!؟ ، كيف يسمح لي أن أبقى في المنزل ويسألني ماذا أخذنا في الصف..!!؟ ، فقلت له ببساطة " لا أعرف " ، عندها توجه بذات السؤال إلى بن عمي : فأجاب والدي على سؤاله باستفاضة وتفصيل ، وكنت مع كل كلمة يقولها بن عمي لوالدي أتألم من الأعماق لأنني كنت أجهل ما علم هو ، وأيقنت حينها أن قراراتنا الخاصة ليس بالضرورة أن تكون صائبة دائما .
4 / هل رسمت هذه الدروس الخطوط الأساسية ووضع القواعد الأولية لقناعاتك الشخصية وطريقة تعاملك مع الآخرين فيما بعد؟
بالتأكيد نعم ، فتلك الدروس لم ترسم فقط الخطوط الأساسية للقناعات الشخصية وطريقة التعامل مع الآخرين عندي ، بل تعدتها لترسم منهج حياة كاملة أساسه منهج المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وهنا أشدد على دور ( الأسرة ) الكبير في تربية ( المجتمع ) ، لأنها اللبنة الأولى والأساسية التي إن نشأ الفرد فيها تحت مظلة تربوية سليمة وفي بيئة إسلامية معتدلة كان ذلك كمن يصقل جوهرة ثمينة ليضعها في واسطة عِقدِ يرتديه المجتمع على صدره فيتفاخر به بل ويفاخر به المجتمعات الأخرى ، وعليه فإنني - بحمد الله - أفتخر أنني كنت من نتاج تلك الأسر ونتاج ذلك المجتمع .
5 / هل ستعيد تلك الدروس لأبنائك أم أنك ستختار دروسا أخرى؟؟
لو قُدّر لي أن أنقل تلك الدروس كما هي لأبنائي لفعلت ، ليقيني التام بأنها مثالية لكل جيل مهما كان زمانه ومكانه ، مع إيماني التام أيضا أن من لا يتقدّم يتقادم ، وهذا لا يعني أن ننسف الثوابت لنبني من جديد ، ولكننا إن وثقنا في سلامة القواعد الأساسية ومتانتها استطعنا أن نزيد من عدد أدوار البناء عليها أكثر وأكثر لنصل به إلى السحاب دون أن نخشى انهياره ، لذلك أرى أنه من الضروري أن نتعايش مع الواقع الذي نعيشه كما ونوعا ، فنحن بذلك نستطيع – بعد مشيئة الله - أن نساعد أبنائنا على العبور بسفينتهم من خلال الأمواج العاتية في بحر الحياة المتلاطم ليصلوا إلى بر الأمان .