الموضوع: شاعر وداعية
عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 16-04-2007, 04:30 AM
السيد عبد الرازق السيد عبد الرازق غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 1,254
إفتراضي



ويسأل الشاعر عن الأمير/الحلم والأمل الزائر في موكب كبير يملأ الطريق بالعطور والزهور ويختال فوق صهوة الجواد، ويسأل كذلك عن غناء الشاعر الذي تلاشى بسبب القهر، ويسأل عن عاشق أو يمين عاشق أقسم بحب الوطن، كل هذه المفردات تكوِّن صورة حالمة يتمناها الشاعر لوطنه؛ لكن انقلبت هذه الصورة المشرقة إلى النقيض، فكان الخداع والبكاء:


خُدعت يا حبيبتي
بكت بكفك الجراح..
وارتوت بدمعك السفوح والجبال
ناحت رمالها
في ليلة الحداد حين زارها دمك
شكت سهولها
لوطأة البغي يستبيح حرمتك
نسيت في موائد الثناء
سيدًا تعشق الفداء
الموت عنده حياة
أحب دائمًا أن ترفع الجباه
وكفة الكلام عنده
نصف كفة العمل
أحب أن يراك مسجدًا
مقدسًا ثراه
لا ينال تربه
نسيته مقيدًا
شغلت عنه بالبريق
من سيطفئ الحريق غيره
ومن سيمسح الجراح إن جهلت سرَّهُ
الرعب يسبق الخطا لخصمه
وألف سهم للصدور
تقتدي بسهمه
وحفنة الرمال من يديه
تملأ العيون بالعمى
وسيفه بريقه صواعق
ستحفظ الحمى


نحن إذن أمام صورتين متقابلتين، أو قيمتين متناقضتين: قيمة الزيف وما يمتلكه من أدوات القهر والإرهاب والبطش والجبروت، وقيمة الصدق وما يمتلكه من حب فياض ومشاعر مخلصة.


وإذا جاز لنا أن نبحث عن معادلات هذه الصور في الواقع فإننا نقول: "إن الثورة بشرت بآمال عريضة تفاءل الناس بها خيرًا، لكن هذه الآمال لم تلبث أن تلاشت بعدما انحرفت الثورة عن أهدافها، وتحكَّم في الوطن بعض المنتفعين فأذاقوه من الويلات الكثير، وقد صدق الناس كثيرًا من زيف هؤلاء؛ وهو ما يمكن أن نفهمه من قول الشاعر:


خُدعت يا حبيبتي
بكت بكفك الجراح..
نسيت في موائد الثناء
سيدًا تعشق الفداء


وفي الجانب الآخر من المعادلة، أو الوجه الآخر من الصورة يرى الشاعر نفسه وإخوانه من أفراد الحركة الإسلامية محبين مخلصين لهذا الوطن، لكنه تنكر لهم أو تنكر حاكموه لهم، ورغم ذلك فإن الشاعر لا يستسلم لهذه الأهوال، بل يقابلها بالرجاء والأمل الذي يراه في الأفق مطلاً باسمًا:


حبيبتي
ولم تزل في أفقنا بَقيَّةٌ من الرجاء
حطِّمي قيوده
لتحتمي بسربه
لتصنعي حياتنا به
لتسمعي دعاءه.. بكاءه
يستمطر السماء زَادَهُ.. ونَصْرَهُ
ويستغيث ربَّهُ
فحطِّمي قيوده


وفي قصيدة أخرى بعنوان (اليوم عيد) يقيم الشاعر مفارقة بين صورتين متقابلتين تجعلنا نتعاطف معه ونشاركه أحزانه وآلامه؛ فالمناسبة المشتركة بين الصورتين هي يوم العيد، وهو يوم الفرحة والرحمة والودّ والتسامح والسلام والأمان، وكلّ هذه المعاني المشرقة عاشها الشاعر، ويحكيها لنا فيما يشبه الارتداد أو الـ"فلاش باك":


اليوم عيد
قد عشت فيه ألف قصة حبيبة السماء
أردد الأذان في البكور
أراقب الصغار يمرحون في الطريق كالزهور
وهذه تحية الصباح
وهذه ابتسامة الصديق للصديق
والسلام
يبسط اليدين يرسل الندى
ويملأ الحياة بالأمان
وخضرة الزروع غضة الجنى
تجمعت أمام مسجد الإمام
وأطيب الثمار تطلب الكبار
هدية يحبها الصغار
تحبها صغيرتي
ما أطيب الزمان يا أحبتي
إن عانق الأمان
زماننا ربيعه الأمان

لكن الوضع الحقيقي في حاضر الشاعر على خلاف هذه اللوحة الجميلة الوادعة لأن:

الكل عائد بفرحة تطل مشرقة
من الشفاه والعيون
ودارنا ستنتظر
صغيرتي ستنتظر
والشرفة التي على الطريق تسمع الصدور
تعزف الأشواق تعصر الأسى
هشام لن ينام
قد كان نومه على ذراع والده
نهادُ لن تذوق زادها
لأنها تعودت أن تبدأ الطعام من يد الأسير
شريكة الأسى بدا جناحها الكسير
تخبّئ الدموع عن صغارها
وحينما يلفها السكون
سترتدي الصقيع..
كي تقدم الحياة للرضيع



في هذه اللوحة لا نشعر بالأمان الذي ظلل اللوحة الأولى؛ حيث يسيطر على هذه اللوحة عنصر الفقد والبعد؛ وهو ما ينعكس على دار الشاعر وصغاره، الذين لن يناموا ترقبًا لعودة الأسير الذي غيبته الأسوار، ورغم قسوة هذه المفارقة بلوحتيها المتقابلتين، فإنّ الشاعر يفتش في ذات نفسه عما يجدد الأمل لديه، فيجد حب أهله وأولاده في قلبه فيصر على أنه:


ما زال يومنا ويومهم
لأننا نحبهم
اليوم عيد


قد لا تسمح هذه العجالة بالحديث عن شعر "إبراهيم عزت" بالتفصيل الذي يستحقه، لكن يمكننا أن نقول: "إنه بحق شاعر متميز، امتلك أدوات الشعر ووظفها بمهارة ما كان منها من أصيل تراثنا أو من حديث ثقافتنا، وكانت تجاربه الشعرية نابعة من معاناة حقيقية أكسبت أشعاره الصدقين: الصدق الفني، والصدق الواقعي".
__________________
السيد عبد الرازق
الرد مع إقتباس