أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الغلابي عن عبد الرحمن التيمي عن هشام بن سليمان المخزومي: أن الأخطل قدم على عبد الملك، فنزل على ابن سرحون كاتبه. فقال عبد الملك: على من نزلت? قال: على فلان. قال: قاتلك الله ما أعلمك بصالح المنازل فما تريد أن ينزلك? قال: درمك من درمككم هذا ولحم وخمر من بيت رأس. فضحك عبد الملك ثم قال له: ويلك وعلى أي شيء اقتتلنا إلا على هذا. ثم قال: ألا تسلم فنفرض لك في الفيء ونعطيك عشرة آلاف? قال: فكيف بالخمر? فال: وما تصنع بها وإن أولها لمر وإن آخرها لسكر فقال: أما إذ قلت ذلك فإن فيما بين هاتين لمنزلة ما ملكك فيها إلا كعلقة ماء من الفرات بالإصبع. فضحك ثم قال: ألا تزور الحجاج فإنه كتب يستزيرك. فقال: أطائع أم كاره? قال: بل طائع. قال: ما كنت لأختار نواله على نوالك ولا قربه على قربك، إنني إذا لكما فال الشاعر:
كمبتاع ليركبه حـمـارا *** تخيره من الفرس الكبير
فأمر له بعشرة آلاف درهم وأمره بمدح الحجاج? فمدحه بقوله:
صرمت حبالك زينب ورعوم *** وبدا المجمجم منهما المكتوم
ووجه بالقصيدة مع ابنه إليه وليست من جيد شعره.
وقال هارون بن الزيات حدثني محمد بن إسماعيل عن أبي غسان قال: ذكروا الفرزدق وجريرا في حلقة المدائني، فقلت لصباح بن خاقان: أنشدك بيتين للأخطل وتجيء لجرير والفرزدق بمثلهما? قال: هات، فأنشدته:
ألم يأتها أن الأراقـم فـلـقـت *** جماجم قيس بين راذان والحضر
جماجم قوم لم يعافـوا ظـلامة *** ولم يعرفوا أين الوفاء من الغدر
قال: فسكت.
قال إسحاق وحدثني أبو عبيدة أن يونس سئل عن جرير والفرزدق والأخطل: أيهم أشعر? قال: أجمعت العلماء على الأخطل. فقلت لرجل إلى جنبه: سله ومن هم? فقال: من شئت، ابن أبي إسحاق وأبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر وعنبسة الفيل وميمون الأقرن، هؤلاء طرقوا الكلام وماشوه لا كمن تحكمون عنه لا بدويين ولا نحويين. فقلت لرجل: سله: وبأي شيء فضل على هؤلاء? قال: بأنه كان أكثرهم عدد قصائد طوال جياد ليس فيها فحش ولا سفط. قال أبو عبيدة: فنظرنا في ذلك فوجدنا للأخطل عشرا بهذه الصفة وإلى جانبها عشرا إن لم تكن مثلها فليست بدونها، ووجدنا لجرير بهذه الصفة ثلاثا. قال إسحاق: فسألت أبا عبيدة عن العشر فقال:
عفا واسط من آل رضوى فنبتل
وتأبد الربع من سلمى بأحفار
وخف القطين فراحوا منك وابتكروا
وكذبتك عينك أم رأيت بواسط
ودع المعمر لا تسأل بمصرعه
ولمن الديار بحائل فوعال
قال إسحاق: ولم أحفظ بقية العشر. قال: وقصائد جرير:
حي الهدملة من ذات المواعيس
وألا طرقتك وأهلي هجود
وأهوى أراك برامتين وقودا
قال وقال أبو عبيدة: الأخطل أشبه بالجاهلية وأشدهم أسر شعر وأقلهم سقطا وأخبرنا الجوهري عن عمر بن شبة عن أبي عبيدة مثله. وفي بعض هذه القصائد التي ذكرت للأخطل أغان هذا موضع ذكرها.
منها:
تأبد الربع من سلمى بأحـفـار *** وأقفرت من سليمى دمنة الدار
وقد تحل بها سلمى تجاذبـنـي *** تساقط الحلي حاجاتي وأسراري
خف القطين فراحوا منك وابتكروا *** وأزعجتهم نوى في صرفها غير
كأنني شارب يوم استـبـد بـهـم *** من قهوة ضمنتها حمص أو جدر
جادت بها من ذوات القار مترعة *** كلفاء ينحت عن خرطومها المدر
وقال هارون بن الزيات حدثني ابن النطاح عن أبي عمرو الشيباني عن رجل من كلب يقال له مهوش عن أبيه: أن عمر بن الوليد بن عبد الملك سأل الأخطل عن أشعر الناس، قال: الذي كان إذا مدح رفع، وإذا هجا وضع. قال: ومن هو? قال: الأعشى. قال: ثم من? قال: ابن العشرين يعني طرفة. قال: ثم من? قال: أنا.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال أخبرنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو بكر العليمي قال حدثنا أبو قحافة المري عن أبيه قال: دخل الأخطل على بشر بن مروان وعنده الراعي، فقال له بشر: أنت أشعر أم هذا? قال: أنا أشعر منه وأكرم.
فقال للراعي: ما تقول قال: أما أشعر مني فعسى، وأما أكرم فإن كان في أمهاته من ولدت مثل الأمير فنعم. فلما خرج الأخطل قال له رجل: أتقول لخال الأمير أنا أكرم منك. قال: ويلك إن أبا نسطوس وضع في رأسي كؤسا ثلاثا، فوالله ما أعقل معها.
قال: ودخل الأخطل على عبد الملك بن مروان، فاستنشده، فقال: قد يبس حلقي، فمر من يسقيني. فقال: اسقوه ماء. فقال: شراب الحمار، وهو عندنا كثير. قال: فاسقوه لبنا. قال: عن اللبن فطمت. قال: فاسقوه عسلا. قال: شراب المريض. قال: فتريد ماذا? قال: خمرا يا أمير المؤمنين. قال: أو عهدتني أسقي الخمر لا أم لك لولا حرمتك بنا لفعلت بك وفعلت. فخرج فلقي فراشا لعبد الملك فقال: ويلك إن أمير المؤمنين استنشدني وقد صحل صوتي، فاسقني شربة خمر فسقاه، فقال: اعدله بآخر فسقاه آخر. فقال: تركتهما يعتركان في بطني، إسقني ثالثا فسقاه ثالثا. فقال: تركتني أمشي على واحدة، إعدل ميلي برابع فسقاه رابعا، فدخل على عبد الملك فأنشده:
خف القطين فراحوا منك وابتكروا *** وأزعجتهم نوى في صرفها غير
فقال عبد الملك: خذ بيده يا غلام فأخرجه، ثم ألق عليه من الخلع ما يغمره، وأحسن جائزته، وقال: إن لكل قوم شاعرا وإن شاعر بني أمية الأخطل.
أخبرني أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلام قال قال أبان بن عثمان حدثني سماك بن حرب عن ضوء بن اللجلاج قال: دخلت حماما بالكوفة وفيه الأخطل، قال فقال: ممن الرجل? قلت: من بني ذهل. قال: أتروي للفرزدق شيئا? قلت نعم. قال: ما أشعر خليلي على أنه ما أسرع ما رجع في هبته. قلت: وما ذاك? قال قوله:
أبنى غدانة إنني حررتـكـم *** فوهبتكم لعطية بن جـعـال
لولا عطية لاجتدعت أنوفكم *** من بين ألام آنف وسـبـال
وهبهم في الأول ورجع في الآخر. فقلت: لو أنكر الناس كلهم هذا ما كان ينبغي أن تنكره أنت. قال: كيف? قلت: هجوت زفر بن الحارث ثم خوفت الخليفة منه فقلت:
بني أمية إني ناصح لـكـم *** فلا يبيتن فيكم آمنـا زفـر
مفترشا كافتراش الليث كلكله *** لوقعة كائن فيها له جـزر
ومدحت عكرمة بن ربعي فقلت:
قد كنت أحسبه قينا وأخبـره *** فاليوم طير عن أثوابه الشرر
قال: لو أردت المبالغة في هجائه ما زدت على هذا. فقال له الأخطل: والله لولا أنك من قوم سبق لي منهم ما سبق لهجوتك هجاء يدخل معك قبرك. ثم قال:
ما كنت هاجي قوم بعد مدحهم *** ولا تكدر نعمى بعد ما تجب
أخرج عني.