عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 17-09-2001, 04:14 AM
سعود صلف سعود صلف غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2001
المشاركات: 56
Post

تكملة....
من سب بعضهم سبا يطعن في دينهم

كأن يتهمهم بالكفر أو الفسق ، وكان ممن تواترت النصوص بفضله . ( بعض العلماء يقيد ذلك بالخلفاء ، والبعض يقتصر على الشيخين ، ومن العلماء من يفرق باعتبار تواتر النصوص بفضله او عدم تواترها ، ولعله الأقرب والله اعلم ، وكذلك بعض من يكفر ساب الخلفاء يقصر ذلك على رميهم بالكفر ، والآخرون يعممون بكل سب فيه طعن في الدين ) :

فذلك كفر على الصحيح ، لأن في هذا تكذيبا لامر متواتر .
روى ابو محمد بن ابي زيد عن سحنون ، قال : (( من قال في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، أنهم كانوا على ضلال وكفر ، قتل ، ومن شتم غيرهم من الصحابة بمثل ذلك نكل النكال الشديد )) . ( الشفا للقاضي عياض 2/ 1109 ) .

وقال هشام بن عمار : (( سمعت مالكا يقول : من سب ابا بكر وعمر ، قتل ، ومن سب عائشة رضي الله عنها ، قتل ، لأن الله تعالى يقول فيها : { يعظكم الله أن تعودوا لمثله ابدا إن كنتم مؤمنين } فمن رماها فقد خالف القرآن ، ومن خالف القرآن قتل )) . ( الصواعق المحرقة ص384 ) .

أما قول مالك رحمه الله في الرواية الأخرى : (( ومن سب أبا بكر ، جلد ، ومن سب عائشة ، قتل . قيل له : لم ؟ . قال : من رماها فقد خالف القرآن )) .
فالظاهر - والله اعلم - أن مقصود مالك رحمه الله هنا في سب أبي بكر رضي الله عنه فيما هو دون الكفر ، ويوضحه بقية كلامه عن عائشة رضي اللع عنها ، حيث قال : (( من رماها فقد خالف القرآن )) فهذا سب مخصوص يكفر صاحبه - ولا يشمل كل سب - وذلك لأنه ورد عن مالك القول بالقتل فيمن كفر من هو دون أبي بكر . ( الشفا 2 / 1109 ) .

قال الهيثمي مشيرا إلى ما يقارب ذلك عند كلامه عن حكم سب أبي بكر : (( فيتلخص ان سب أبي بكر كفر عند الحنفية ، وعلى أحد الوجهين عند الشافعية ، ومشهور مذهب مالك أنه يجب به الجلد ، فليس بكفر . نعم قد يخرج عنه ما مر عنه في الخوارج أنه كفر ، فتكون المسألة عنده على حالين : إن اقتصر على السب من غير تكفير لم يكفره وإلا كفره )) .( الصواعق 386 ) .

وقال أيضا : (( وأما تكفير أبي بكر ونظرائه ممن شهد لهم النبي صلىالله عليه وسلم بالجنة ، فلم يتكلم فيها أصحاب الشافعي ، والذي أراه الكفر فيها قطعا )) . ( الصواعق 385 ) .

وقال الخرشي : (( من رمى عائشة بما برأها الله منه . . . أو أنكر صحبة أبي بكر ، أو إسلام العشرة ، أو إسلام جميع الصحابة ، أو كفر الأربعة ، أو واحدا منهم ، كفر )) . (الخرشي على مختصر خليل 8 / 74 ) .

وقال البغدادي : (( وقالوا بتكفير كل من أكفر واحدا من العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ، وقالوا بموالاة جميع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكفروا من أكفرهن ، أو أكفر بعضهن )) . ( الفرق بين الفرق ص 360 ) .

والمسألة فيها خلاف مشهور ، ولعل الراجح ما تقدم ، وأما القائلون بعدم تكفير من هذه حاله ، فقد اجمعوا على أنه فاسق ، لارتكابه كبيرة من كبائر الذنوب ، يستحق عليه التعزير والتأديب ، على حسب منزلة الصحابي ، ونوعية السب .

وإليك بيان ذلك :

قال الهيثمي : (( أجمع القائلون بعدم تكفير من سب الصحابة على أنهم فساق )) . ( الصواعق المحرقة ص383 ) .

وقال ابن تيمية : (( قال ابراهيم النخعي : كان يقال : شتم أبي بكر وعمر من الكبائر ، وكذلك قال أبو اسحاق السبيعي : شتم أبي بكر وعمر من الكبائر التي قال الله تعالى فيها : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } . وإذا كان شتمهم بهذه المثابة ، فأقل مافيه التعزير ، لأنه مشروع في كل معصية ليس فيها حد أو كفارة . وهذا مما لا نعلم فيه خلافا بين أهل الفقه والعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين بأحسان ، وسائر أهل السنة والجماعة ، فإنهم مجمعون على أن الواجب الثناء عليهم والاستغفار لهم والترحم عليهم . . . وعقوبة من اساء فيهم القول )) . ( اللالكائي 8 / 1262 -1266 ) .

وقال القاضي عياض : ((وسب أحدهم من المعاصي الكبائر ، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يعزر ولا يقتل )) . ( مسلم بشرح النووي 16 / 93 ) .

وقال عبد الملك بن حبيب : (( من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراء منه أدب أدبا شديدا ، وإن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر ، فالعقوبة عليه اشد ، ويكرر ضربه ويطال سجنه حتى يموت )) . ( الشفا 2 / 1108 ) .

فلا يقتصر في السب أبي بكر رضي الله عنه على الجلد الذي يقتصر عليه في غيره ، لأن ذلك الجلد لمجرد حق الصحبة ، فإذا انضاف إلى الصحبة غيرها مما يقضي الاخترام ، لنصرة الدين وجماعة المسلمين وما حصل على يده من الفتوح وخلافة النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك ، كان كل واحدة من هذه الأمور تقتضي مزيد حق موجب لزيادة العقوبة عند الاجتراء عليه . ( الصواعق المحرقة 387 ) .

وعقوبة التعزير المشار إليها لا خيار للإمام فيها ، بل يجب عليه فعل ذلك .
قال الإمام أحمد رحمه الله : (( لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساوئهم ، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا بنقص ، فمن فعل ذلك وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ، ليس له أن يعفو عنه ، بل يعاقبه ويستتيبه ، فإن تاب قبل منه ، وإن ثبت عاد عليه بالعقوبة ، وخلده الحبس ختى يموت أو يرجع )) . ( طبقات الحنابلة 1 /24 ، والصارم المسلول 568 ) .

فانظر أخي المسلم إلى قول إمام اهل السنة فيمن يعيب أو يطعن بواحد منهم ، ووجوب عقوبته وتأديبه .
ولما كان سبهم المذكور من كبائر الذنوب عند بعض العلماء فحكم فاعله حكم أهل الكبائر من جهة كفر مستحلها .

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، مبينا حكم استحلال سب الصحابة : (( ومن خص بعضهم بالسب ، فإن كان ممن تواتر النقل في فضله وكماله كالخلفاء ، فإن اعتقد حقية سبه أو اباحته فقد كفر ، لتكذيبه ما ثبت قطعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومكذبه كافر ، وإن سبه من غير اعتقاد حقية سبه أو إباحته فقد تفسق، لأن سباب المسلم فسوق ، وقد حكم البعض فيمن سب الشيخين بالكفر مطلقا ، والله أعلم )) . ( الرد على الرافضة ص19 ) .

وقال القاضي أبو يعلي - تعليقا على قول الإمام أحمد رحمه الله حين سئل عن شتم الصحابة، فقال : "ما أراه على الإسلام " ، قال أبو يعلي : (( فيحتمل أن يحمل قوله : ما أراه على الإسلام ،إذا استحل سبهم ، فإنه يكفر بلا خلاف ، ويحمل إسقاط القتل على من لم يستحل ذلك مع اعتقاده تحريمه ، كمن يأتي بالمعاصي . . . )) ثم ذكر بقية الاحتمالات . ( الصارم المسلول ص 571 وما قبلها ).

يتلخص مما سبق فيمن سب بعضهم سبا يطعن في دينه وعدالته ، وكان ممن تواترت النصوص بفضله ، انه يكفر - على الراجح - لتكذيبه امرا متواترا .
أما من لم يكفره من العلماء ، فاجمعوا على أنه من أهل الكبائر ، ويستحق التعزير والتأديب ، ولا يجوز للإمام أن يعفو عنه ، ويزاد في العقوبة على حسب منزلة الصحابي . ولا يكفر عندهم إلا إذا استحل السب .
أما من زاد على الاستحلال ، كأن يتعبد الله عز وجل بالسب والشتم ، فكفر مثل هذا مما لا خلاف فيه ، ونصوص العلماء السابقة واضحة في مثل ذلك .

وباتضاح هذا النوع بإذن الله ، يتضح ما بعده بكل يسر وسهولة ، ولذلك اطلنا القول فيه .


--------------------------------------------------------------------------------

أما من سب صحابي لم يتواتر النقل بفضله

فقد بينا فيما سبق رجحان تكفير من سب صحابيا تواترت النصوص بفضله من جهة دينه ، أما من لم تتوانر النصوص بفضله ، فقول جمهور العلماء بعدم كفر من سبه ، وذلك لعدم إنكاره معلوما من الدين بالضرورة ، إلا أن يسبه من حيث الصحبة .

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب : (( وإن كان ممن لم يتواتر النقل بفضله وكماله ، فالظاهر أن سابه فاسق ، إلا أن يسبه من حيث صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يكفر )) . ( الرد على الرافضة ص19 ) .
_________________________

أما سب بعضهم سبا لا يطعن في دينهم وعدالتهم

فلا شك أن فاعل ذلك يستحق التعزير والتأديب ، ولكن من مطالعتي لأقوال العلماء في المراجع المذكورة ، لم أر أحدا منهم يكفر فاعل ذلك ، ولا فرق عندهم بين كبار الصحابة وصغارهم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( واما إن سبهم سبا لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم ، مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك ، فهو الذي يستحق التأديب والتعزير ، ولا يحكم بكفره بمجرد ذلك ، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من العلماء )) . ( الصارم المسلول ص 586 ) .

وذكر أبو يعلي من الأمثلة على ذلك اتهامهم بقلة المعرفة بالسياسة . ( الصارم المسلول ص 571 ) .

ومما يشبه ذلك اتهامهم بضعف الرأي ، وضعف الشخصية ، والغفلة ، وحب الدنيا ، ونحو ذلك .

وهذا النوع من الطعن تطفح به كتب التاريخ ، وكذلك الدراسات المعاصرة لبعض المنسوبين لأهل السنة ، باسم الموضوعية والمنهج العلمي .
وللمستشرقين أثر في غالب الدرسات التي من هذا النوع .

يتبع...
__________________
حايل بعد حيي