عرض مشاركة مفردة
  #23  
قديم 29-05-2007, 02:28 AM
جهراوي جهراوي غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 309
إفتراضي

إلى غوانتنامو
في أحد الأيام أخذت أنا وبعض الإخوة ليلاً من بين باقي المعتقلين، وبعد تقييدنا بشدة، تم نقلنا إلى معتقل آخر شبيه بالمعتقل الأول من حيث كونه منطقة محاطة بأسلاك شائكة حيث بقينا فيه حتى صباح اليوم الثاني. وفي الصباح تم تقييدنا من الخلف وأخذنا إلى داخل الخيام الملحقة بالسجن حيث تم حلق شعر رأسنا ولحانا ثم ألبسونا ملابس برتقالية بدلاً من الملابس الزرقاء. لم نعرف حتى تلك اللحظة ما الأمر أو إلى أين سيتم نقلنا. في هذا المكان تعرفت للمرة الأولى على أخي جمعة المرباطي الذي كان رفيق دربي إلى معسكر غوانتنامو وكنا أول البحرينيين الذين نقلنا إلى ذلك المعسكر، وثالث دفعة من المعتقلين الذين أرسلوا إلى معتقل غوانتنامو. تم إغماض أعيننا وآذاننا وأفواهنا، ثم قيدونا مرة أخرى ولكن هذه المرة بطريقة أشد حيث استخدموا قيوداً حديدية وأقفالاً، ثم ربطت أيدينا إلى بطوننا بسلاسل وأقفال، ثم وضعونا في ساحة خلفية من المطار، وبقينا جالسين في العراء من العصر وحتى منتصف الليل تقريباً ونحن معصوبي الأعين والآذان. أخذنا إلى إحدى طائرات الشحن العسكرية وكانت المقاعد على جانبي الطائرة، وتم تقييد أيدينا إلى المقاعد وأرجلنا إلى أرضية الطائرة، وفي هذه المرة قاموا بتكميم أفواهنا بكمامات. أقلعت الطائرة مدة ثلاث ساعات ثم حطت في أحد المطارات، حيث نقلنا إلى طائرة شحن عسكرية أخرى دون أن يرفعوا الغطاء عن أعيننا أو يفكوا قيودنا. تم تقييدنا من جديد كالمرة الأولى ولكن بطريقة أشد، وكانت المقاعد في هذه الطائرة أسوأ من المرة الماضية فهي عبارة عن قماش فقط، انتظرنا في الطائرة قرابة الست ساعات وحتى الفجر حسب اعتقادي، فصلينا الفجر ثم أحسست بشروق الشمس. أقلعت الطائرة في رحلة طويلة ومرهقة استغرقت قرابة الأربع والعشرين ساعة أو أكثر لم نتمكن خلالها من استخدام دورات المياه ولم يقدم لنا الماء أو الطعام ولم يسمح لنا بالكلام أو الحركة، كان التعب والإعياء قد بلغ مني مبلغه وانتفخت يداي ورجلاي من شدة الربط وطول مدة القيد، كانت وجهة الطائرة هي معتقل غوانتنامو. أنزلونا من الطائرة، وتم ضربنا ضربا مبرحا ونحن معصوبي الأعين والأذن والفم واليدين والرجلين. ثم وضعنا في باصات وأجلسنا على أرضية الباص حيث لم تكن هناك مقاعد. تم أخذنا بالباصات إلى معتقل X-RAY.
معتقل X-RAY
كما هو واضح من اسم المعسكر فهو يعني أنه مكشوف تماماً من جميع الجهات، فلا مجال للاختباء فضلاً عن الهرب. يقع المعسكر في جزء من جزيرة كوبا قبالة ولاية فلوريدا الأمريكية. وقد تم تشييد المعسكر قريباً من ساحل البحر، وهذا الساحل عبارة عن شواطئ صخرية مرتفعة ومطلة على المحيط الأطلسي. وكانت دوريات خفر السواحل الأمريكية تطوف المياه روحة وإياباً، هذا فضلا عن أبراج المراقبة الكثيرة والتي تحرس المعتقل طوال اليوم. والمعتقل عبارة عن عدد من الزنازين مقسمة إلى ستة عنابر، وكل عنبر به ستون زنزانة. والمعتقل مبني في أرض فضاء ليس فيه ما يقي من برد الشتاء والمطر أو من حر الصيف والشمس. والزنزانة مشيدة من الشبك من الجهات الأربع ومن السقف، أما الأرضية فمبنية من الخرسانة. مساحة الزنزانة حوالي مترين في متر وثمانين سنتيمتراً. للزنزانة باب من حديد وشبك. تحتوي الزنزانة على حصيرة من الإسفنج الرقيق جدا سمكه حوالي نصف سنتيمتر، وقد وضع كل معتقل في زنزانة لوحده وأعطي بطانيتين خفيفتين وشرشف ومنشفة ونعل بلاستك وسطلان أحدهما للماء الذي نستخدمه لكل شيء من الشرب والوضوء والاغتسال والآخر للخلاء وقضاء الحاجة. وقد كان من أشد الأمور التي تضايقنا، هي أننا لا نستطيع أن نختلي لقضاء الحاجة. بقينا طوال سنوات الاعتقال بالملابس البرتقالية التي كانت تغسل من حين لآخر وبشكل متقطع. يمكن اعتبار المعسكر حقل للتجارب النفسية والبدنية على البشر لاختبار قوة التحمل عندهم ولعمل التجارب والاختبارات التي تريد القوات الأمريكية تعميمها في حالة ثبت نجاح التجربة على معتقلي غوانتنامو. في بداية إيداعنا المعتقل المذكور قام الجنود بضربنا بشدة، ثم عرضنا على الطبيب، وتم تصويرنا وأخذ بصماتنا وتغيير ملابسنا، ثم وضعنا في الزنازين قبيل المغرب. لقد حمدت الله على الطمأنينة والشعور بالثبات والذي كنت أشعر به في ذلك الوقت، والذي كنت في أمس الحاجة له، فليس من السهل أن تتصور نفسك وقد تعرضت لكل هذا الغدر والخيانة ممن تظنهم إخوانك في الدين ثم تجد نفسك في أقصى الأرض بين يدي أعدائك وفي هذه الزنازين القاسية ولا يدري عنك أحد من البشر وما تتعرض له من التعذيب والإهانة طوال الوقت، وأنت بين يدي الجلاد إن شاء قتلك وإن شاء عذبك وإن شاء فعل بك الأفاعيل على غفلة من البشر، ولكن الله شرح صدري وأسبغ علي الثبات والسكينة فحمدت الله منذ اللحظة الأولى على ما أصابني، وتذكرت نبي الله يوسف عليه السلام وقلت في نفسي ربي السجن أحب إلي مما يدعونني إليه من الزيغ عن ديني. ويكثر في المعتقل وجود الزواحف والثعابين والعقارب والفئران والحشرات التي تزورنا في الزنازين. وكانت الأنوار القوية المسلطة والمضاءة طوال الليل لا تمنعنا من القدرة على النوم فحسب، بل وتجلب البعوض الذي يمنعنا من النوم أيضا. لقد تم تصميم المعسكر بطريقة تهدف إلى زيادة الضغط النفسي على المعتقلين وإضعاف عزائمهم وكسر معنوياتهم، وفوق كل ذلك فقد كان الجنود يتعمدون إزعاجنا وتشغيل مكبرات الصوت العالية لمنعنا من النوم، ولكننا مع الوقت اكتسبنا مناعة ضد كل ما مر ولم نعد نلقي لها بالاً.
محققو FBI و CIA
بدأ المحققون منذ اليوم الأول في استخدام شتى أساليب الضغط النفسي معنا، فلم يسمح لنا بالوقوف أو المشي أو الانبطاح، ولم يسمح لنا بالحديث مع المعتقلين في الزنازين المجاورة ولا حتى النظر إليهم أو الالتفات لهم إلا بعد مرور خمسة أيام تقريباً من وضعنا في الزنازين، عندها شعرنا بالطمأنينة والراحة النفسية، فبدأنا بالتبسم والسرور النفسي. وقد أخبرنا المعتقلون الذين أحضروا إلى هذا المعتقل قبلنا، فإنهم لم يسمح لهم بالكلام إلا بعد مرور أسبوعين على اعتقالهم. ولما رأى الجنود هذه الروح العجيبة، كانوا يسألوننا كيف تضحكون وأنتم في هذه الحال، ثم بدؤوا يتشددون في معاملتنا من جديد ويأمروننا بعدم الإكثار من الكلام. في بداية الأمر كان أمر الاعتقال والسجن شديداً جداً على نفسي، حيث كانت المرة الأولى في حياتي التي أدخل فيها السجن، وكنت أشعر بشيء من التوجس من المجهول، ولكن هذا الخوف والتردد زال بعد ذلك. تم أخذي عدة مرات للتحقيق ولم تختلف الأسئلة عن السابق حيث كانوا يسألونني عن السبب والكيفية التي ذهبت بها إلى أفغانستان، وكنت أجيبهم على قدر السؤال. وقد تم التحقيق معي من قبل عملاء FBI و CIA، كان المترجم الذي يترجم خلال جلسات التحقيق من أصل عربي واسمه علي. أذكر أن المحققين وعددهم أربعة عندما أخبروني بأنهم من FBI و CIA قلت لهم وما يدريني أنكم كذلك، وطلبت منهم أن يخرجوا هوياتهم لكي أتأكد من الأسماء والصور، فتعجبوا من طلبي ومن ثقتي بنفسي رغم أنني في قبضتهم وبين مخالبهم، وقد استجابوا لطلبي وأخرجوا بطاقاتهم الرسمية. ولأنني كنت موثوق اليدين والرجلين ولم أستطع مسك هوياتهم، قام المترجم علي بإطلاعي على البطاقات الواحدة تلو الأخرى وتعريفي على صاحبها فكنت أتأكد من الاسم والصورة وكان العمل. كان الهدف من التحقيق هو إقناعي بأنني إرهابي مجرم، وأنني قد ارتكبت جرماً عظيماً بحق أمريكا والإنسانية. وكنت أسألهم عن التهمة الرسمية الموجهة إلي، فكانوا لا يجيبون على هذا السؤال بل يقولون بأنني من تنظيم القاعدة ومن أتباع أسامة بن لادن، فقلت لهم أنني لا أعرف القاعدة ولا أسامة بن لادن وأنكم لم تقبضوا علي في أفغانستان ولم يكن بحوزتي أي سلاح لحظة القبض علي في باكستان، وكانوا يقولون بأن لديهم أدلة سرية على إدانتي وأنهم لا يستطيعون البوح بها، وأن من واجبي أن أدافع عن نفسي وأن أدفع التهمة الموجهة إلي، فقلت لهم بأنني لا أعرف التهمة بالتحديد وأنكم ترفضون البوح بالأدلة السرية التي تدعون أنكم تملكونها. عند ذلك بدأت بالشد والصراخ عليهم مما اضطرهم إلى إلغاء جلسة الاستجواب وإعادتي إلى الزنزانة.