عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 22-10-2001, 08:06 AM
GaNNaS GaNNaS غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2001
المشاركات: 62
إرسال رسالة عبر ICQ إلى GaNNaS
Lightbulb الفرق بين العقيدة والحكم الشرعي

الفرق بين العقيدة والحكم الشرعي


أخوتي الأحبة
السلام عليكم
لـمـا للموضوع من أهمية لكل مسلم عامي أم متبع أم مقلد أم متخصص كان ، أحببت نشره . . .
وعذراً إن كان هناك أية أخطاء طباعية مني

الحكم الشرعي

الحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد ، وهو إما أن يكون قطعي الثبوت كالقرآن الكريم والحديث المتواتر : فإن كان قطعي الثبوت ينظر ، فإن كان قطعي الدلالة يكون الحكم الذي تضمنه قطعياً كركعات الفرائض كلها ، فإنها في الحديث المتواتر ، وكتحريم الربا وقطع يد السارق وجلد الزاني ، فإنها أحكام قطعية ، والصواب فيها متعين ، وليس فيها إلا رأي واحد قطعي .

وإن كان خطاب الشارع قطعي الثبوت ظني الدلالة فإن الحكم الذي تضمنه ظني مثل آية الجزية ، فإنها قطعية الثبوت ولكنها ظنية الدلالة في التفصيل ، فالحنفية يشترطون أن تسمى جزية ، وأن يظهر الذل على معطيها حين إعطائها . والشافعية لا يشترطون تسميتها جزية ، بل يصح أن تؤخذ باسم زكاة مضاعفة ، ولا ضرورة لإظهار الذل ، بل يكفي الخضوع لأحكام الإسلام .

أما إذا كان خطاب الشارع ظني الثبوت كالحديث غير المتواتر ، فيكون الحكم الذي تضمنه ظنياً ، سواء أكان قطعي الدلالة كصيام ستة أيام من شوال فإنها ثبتت بالسنة ، أو ظني الدلالة كمنع إجارة الأرض فإنه ثبت بالسنة .

وخطاب الشارع يفهم منه الحكم الشرعي باجتهاد صحيح ، ولذلك كان اجتهاد المجتهدين هو الذي يظهر الحكم الشرعي ، وعلى ذلك فحكم الله في حق كل مجتهد هو ما أدى إليه اجتهاده وغلب على ظنه .


الاستدلال بالسنة

من المعروف أن السنّة هي كلام الرسول ( ص ) وأفعاله وسكوته ، وهي واجبة الاتباع كالقرآن. غير أنه لا بد أن يثبت أن الرسول هو الذي قال هذا الكلام ، أو سكت عن هذا الكلام ، أو هذا الفعل . وإذا ثبتت السنة صح الاستدلال بها على الأحكام الشرعية وعلى العقائد ، وكانت حجة على أن هذا الثابت بالسنة حكم شرعي ، أو عقيدة من العقائد . إلا أن ثبوت السنة إما أن يكون ثبوتاً قطعياً ، كأن يرويها جمع من تابعي التابعين عن جمع من التابيعن عن جمع من الصحابة عن النبي ( ص ) ، بشرط أن يكون كل جمع يتكون من عدد كافي ، بحيث يؤمن تواطئهم على الكذب . وهذه هي السنة المتواترة أو الخبر المتواتر . وإما أن يكون ثبوت السنة ثبوتاً ظنياً كأن يرويه واحد أو آحاد متفرقون من تابعي التابعين عم واحد أو آحاد من التابعين ، عن واحد أو آحاد من الصحابة ، عن النبي عليه السلام ، وهذا هو حديث الآحاد أو خبر الآحاد . ومن هنا كانت السنة من حيث الاستدلال قسمين اثنين هما الخبر المتواتر وخبر الآحاد . أما الخبر المشهور أو المستفيض وهو الذي يروي بطريق الآحاد عن النبي ( ص ) ثم يشتهر في عصر التابعين أو تابعي التابعين فإنه من خبر الآحاد وليس قسماً ثالثا . لأنه لا يرتفع في الاستدلال عن مرتبة خبر الآحاد ، فلا يصل الى مرتبة المتواتر مطلقاً . وما دامت الرواية قد تطرق إاليها وجود آحاد في أي مرتية من المراتب سواء أكان في الصحابة أم التابعين أم تابعي التابعين فإنه يعتبر آحاداً ولو كانت المرتبتان الأخريان جمعاً . فالسنة إما متواترة أو آحاد ولا ثالث لهما . وخبر الآحاد إذا كان صحيحاً أو حسناً ، يعتبر حجة في الأحكام الشرعية كلها ويجب العمل به ، سواء أكانت أحكام عبادات أم معاملات أم عقوبات . والاستدلال به هو الحق . فإن الاحتجاج بخبر الآحاد في اثبات الأحكام الشرعي هو الثابت ، وهو ما أجمه عليه الصحابة رضوان الله عليهم . والدليل على ذلك أن الشرع قد اعتبر الشهادة في إثبات الدعوة ، وهي خبر آحاد ، فيقاس قبول رواية السنة وقبول الآحاد على قبول الشهادة ، ذلك أنه ثبت بنص القرآن الكريم أنه يقضى بشهادة شاهدين رجيلن أو رجل وامرأتين في الأموال ، وبشهادة أربعة من الرجال في الزنا ، وبشهادة رجلين في الحدود والقصاص ، وقضى رسول الله ( ص ) بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق ، وقبل شهادة امرأة واحدة في الرضاع ، وهذا كله خبر آحاد . وقد سارع على ذلك الصحابة كلهم ولم يروى عنهم مخالف . والقضاء إلزام بترجيح جانب الصدق على جانب الكذب ما دامت الشبهات التي تجعل الخبر مظنة الكذب قد انتفت وغير ثابتة . وهذا الإلزام ليس إلا عملاً بخبر الآحاد . فوجب بالقياس أن يعمل بخبر الآحاد المروي عن النبي ( ص ) لترجيح جانب الصدق ما دام الراوي عدلاً ثقة ضابطاً قد التقى بمن روى ، قد انتفت شبهة مظنة الكذب ولم تثبت عليه هذه الشبهة . فكان قبول خبر الآحاد عن الرسول ( ص ) والاستدلال به على الحكم مثل قبول الشهادة والحكم . فموجبها على الأمر المقضي به . وعلى ذلك يكون خبر الآحاد حجة بدليل ما أرشد إليه القرآن .
على أن الرسول ( صلى الله عيه وسلم ) قال : ( نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها عني وأداها فرُبَّ حامل فقه غير فقيه ، ورُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) . فاقلرسول يقول نضَّر الله عبداً ولم عبيداً ، وعبداً جنس يصدق على الواحد وعلى الأكثر فمعناه أنه يمدح الواحد والآحاد في نقل حديثه .
وفوق ذلك فإن النبي عليه السلام يدعو إالى حفظ قوله وأدائه فكان فرضاً على كل من يسمعه واحداً أو جمعاً ، أن يؤديه ولا يكون لأدائه ونقله أئر من حمله لغيره إلا إذا كان كلامه مقبولاً . فالدعوة من النبي ( صلى الله عيه وسلم ) إلى نقل أقواله ، هي الدعوة إلى قبولها ما دام المنقول إليه قد صدَّق أن هذا كلام الرسول ، أي ما دام الناقل ثقةً أميناً تقياَ ضابطاً يعرف ما يحمل وما يدع ، حتى تنتفي عنه مظنة الكذب ويترجح فيه جانب الصدق . وهذا يدل على أن خبر الآحاد حجة بصريح السنة وبما دلت عليه السنة .
وعلاوة على هذا ، فإن النبي ( صلى الله عيه وسلم ) بعث في وقت واحد اثني عشر رسولاً إلى اثني عشر ملكاً يدعوهم إلى الإسلام ، وكان كل رسول واحداً في الجهة التي أرسل إليها . فلو لم يكن تبليغ الدعوة واجب الاتباع بخبر الواحد لما اكتفي الرسول بإرسال واحد لتبليغ الإسلام . فكان هذا دليلاً صريحاً من عمل الرسول ، على أن خبر الواحد حجة في التبليغ . وكان الرسول يرسل الكتب إلى الولاة على يد الآحاد من الرسل ولم يخطر لواحد من ولاته ترك إنفاذ أمره لأن الرسول واحد ، بل كان يلتزم بما جاء به الرسول من عند النبي عليه السلام من أحكام وأوامر ، فكان ذلك دليلاً صريحاً أيضاً من عمل الرسول على أن خبر الآحاد حجة في وجوب العمل بالأحكام الشرعية وفي أوامر الرسول ونواهيه ، وإلا لما اكتفى الرسول بإرسال واحد إلى الوالي .
والثابت عن الصحابة فيما اشتهر بينهم واستفاض عنهم أنهم كانوا يأخذون بخبر الآحاد إذا وثقوا بالراوي . والوقائع الثابتة في ذلك تخرج عن الحد والحصر ولم يرد عن واحد منهم أنه ردَّ خبر الواحد لأنه قد رواه واحد ، وإنما كانوا يردونه لعدم ثقتهم براويه . وعلى ذلك يكون خبر الواحد حجة في الأحكام الشرعية وفي تبليغ الإسلام بدليل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم .


خبر الآحاد ليس بحجة في العقائد

إن الإيمان بالرسول محمد ( صلى الله عيه وسلم ) يوجب طاعته واتباعه ، ويوجب الاستدلال بسنته على الإسلام عقيدة وأحكاماً ، قال الله تعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسولُهُ أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسولُهُ فقد ضل ضلالاً مبيناً ) وقال تعالى : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) وقال ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) .
إلا أن هذا الاستدلال باسنة يختلف شأنه بالنسبة لما يستدل به عليه . فإن كان ما يستدل عليه يكفي فيه أن يغلب الظن عليه ، فإنه يستدل به بما يغلب الظن على الشخص أن الرسول قاله ، ويستدل به بما يتيقن الشخص أن الرسول قاله من باب أولى . أما ما يجب الجزم واليقين ، فإنه يجب أن يستدل به بما يتيقن الشخص أن الرسول قاله ، ولا يستدل عليه بما غلب الظن على الشخص أن الرسول قاله ، لأن الظن لا يصلح دليلاً لليقين ، إذ ما يتطلب فيه الجزم واليقين لا يكفي فيه إلا اليقين .
والحكم الشرعي يكفي فيه ما غلب على ظن الشخص أنه حكم الله فيجب عليه اتباعه ، ومن هنا جاز أن يكون دليله ظنيا ; سواء كان ظنياً من حيث الثبوت أم ظنياً من حيث الدلالة . ومن هنا صلح خبر الآحاد لأن يكون دليلاً على الحكم الشرعي . وقد قبله الرسول في القضاء ودعا إلى قبوله في رواية حديثه ، وقبله الصحابة في الأحكام الشرعية. أما العقيدة فإنها التصديق الجازم المطابق للزاقع عن دليل. وما دامت هذه هي حقيقة العقيدة، وهذا هو واقعها، فلا بد أن يكون دليلها محدثاً التصديق الجازم. وهذا لا يتأتى مطلقا إلا إذا كان هذا الدليل نفسه دليلاً مجزوماً به حتى يصلح دليلاً للجزم. لأن الظني يستحيل أن يحدث جزماً فلا يصلح دليلاً للجزم. ولذلك لا يصلح خبر الآحاد دليلاً على العقيدة لأنه ظني، والقيدة يجب أن تكون يقينية. وقد ذم الله تعالى في القرآن الكريم اتباع الظن فقال : ( ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ) وقال : ( وما يتبع أكثرُهُم إلا ظناً إن الظن لا يُغني من الحق شيئاً ) وقال : ( وإن تطع أكثرَ من في الأرض يُضلوك عن سبيل الله إن يتّبعون إلا الظن ) وقال : ( إن يتّبعون إلا الظن وما تهوى الأنفُس ) وقال: ( وما لهم به من علم إن يتّبعون إلا الظن وإن الظن لا يُغني من الحق شيئاً ) فهذه الآيات وغيرها صريح في ذم من يتبع الظن في العقائد، وذمهم والتنديد بهم دليل على النهي عن اتباع الظن. وخبر الآحاد ظني، فالاستدلال به على العقيدة اتباع للظن في العقائد، وهذا ما ورد ذمه في القرآن صريحاً. فالدليل الشرعي، وواقع العقيدة، يدل كل ذلك على أن ىالاستدلال بالدليل الظني على العقائد لا يوجب الاعتقاد بما جاء في هذا الدليل. وعلى ذلك فإن خبر الآحاد ليس بحجة في العقائد.
وإنما حصرت هذه الآيات خاصة في العقائد دون الأحكام الشرعية لأن الله اعتبر اتباع الظن في العقيدة ضلالاً، وأوردها في موضوع العقائد، فنعى نعياً واضحاً على من يتبعون الظن في العقائد قال تعالى : ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفُس ) قالها عقب قوله : ( أفرأيتم اللآت والعز * ومناة الثالثة الأخرى * ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذاً قسمة ضيزى * إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن ) الآية. فدل ذلك على أن موضوع الكلام هو العقائد. وقال تعالى: ( وإن تُطع أكثر من في الأرض يُضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن ). فاعتبر الضلال وهو الكفر أنه قد حصل من اتباع الظن. فدل ذلك على أن موضوع الآيات هو العقائد. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه ثبت أن الرسول ( صى الله عليه وسلم ) حكم بخبر الآحاد، وأن المسلمين في أيامه أخذوا الحكم الشرعي بخبر الآحاد وأقرهم عاى ذلك، فكان حديث الرسول مخصصاً للآيات في غير الحكم الشرعي أي في العقائد، أي استثنى الحكم الشرعي منها، على فرض أن بعض الآيات عامة.
أما ما ورد من أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعث رسولاً واحداً إلى الملوك ورسولاً واحداً إلى عماله، وما ورد بأن الصحابة كانوا يقبلون قول الرسول الواحد فس إخبارهم عن حكم شرعي، كأمر استقبال الكعبة، وأمر تحريم الخمر، وإرسال الرسول عليه السلام لعلي رضي الله عنه إلى الناس يقرأ عليهم سورة (التوبة) وهو واحد إلى غير ذلك، فإن هذا لا يدل على خبر الواحد في العقيدة، بل يدل على خبر الواحد في التبليغ، سواء أكان تبليغ الأحكام الشرعية، أو تبليغ الإسلام. ولا يقال أن قبول تبليغ الإسلام هو قبول للعقيدة، لأن قبول تبليغ الإسلام قبول لخبر وليس قبولاً لعقيدة، بدليل أن على المبلّغ أن يُعمل عقله فيما بلغه، فإذا قام الدليل اليقيني عليه اعتقده وحوسب على الكفر به. فرفض خبر عن الإسلام لا يعتبر كفراً، ولكن رفض الإسلام الذي قام الدليل اليقيني عليه هو الذي يعتبر كفراً، وعلى ذلك فتبليغ الإسلام لا يعتبر من العقيدة. وقبول خبر الواحد في التبليغ لا خلاف فيه، والحوادث المرورية كلها تدل على التبليغ، إما تبليغ الإسلام أو تبليغ القرآن أو تبليغ الأحكام. أما تبليغ العقيدةفلم يرد دليل واحد على الاستدلال عليه بخبر الآحاد.
وعلى هذا فلا بد أن يكون دليل العقيدة يقينياً أي دليلاً قطعياً، لأن العقيدة قطع وجزم ويقين، ولا يفيد القطع والجزم واليقين إلا الدليل القطعي. ولهذا لا بدّ أن يكون قرآناً أو حديثاً متواتراً على أن يكون كل منهما قطعي الدلالة. ويجب أخذه في العقائد وفي الأحكام الشرعية، ويكفر منكره، ومنكر ما دل عليه، سواء أكان عقيدة، أم حكماً شرعياً.
أما إذا كان الدليل خبر آحاد فإنه لا يكون قطعياً، فإن كان صحيحاً فإنه يفيد غلبة الظن، فتُصدق العقائد التي جاء بها تصديقاً ظنياً، لا تصديقاً جازماً، ولهذا لا يجوز أن تُعتقد، ولا أن يُجزم بها. لأن العقيدة قطع وجزم، وخبر الآحاد لا يفيد قطعاً ولا جزماً، وإنما يفيد ظناً، ولا يكفر منكره، ولكن لا يجوز أن يكذب، لأنه لو جاز تكذيبه لجاز تكذيب جميع الأحكام الشرعية المأخوذة من الأدلة الظنية، ولم يقل بذلك أحد من المسلمين.
ومثله في هذه الناحية مثل القرآن سواء بسواء. فالقرآن قد نقل إلينا نقلاً بطريق التواتر فيجب الاعتقاد به ويكفر منكره. وما نقل من آيات بطريق خبر الآحاد على أنها قرآن مثل قوله : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) فإنها لا تعتبر من القرآن ولا يجب الاعتقاد بها، لأنه وإن رويت على أنها قرآن، ولكن كون روايتها كانت بطريق الآحاد نفى عنها وجوب اعتبارها من القرآن ، ونفى وجوب الاعتقاد بها. وكذلك خبر الآحاد، فإنه وإن روي على أنه حديث، ولكن كون روايته كانت بطريق الآحاد نفى عنه وجوب اعتقاده حديثاً، ونفى عنه وجوب الاعتقاد بما جاء به إلا أنه يصدق ويعتبر حديثاً، ويجب الأخذ به في الأحكام الشرعية.

الفرق بين العقيدة والحكم الشرعي

العقيدة في اللغة ما عقد عليه القلب. ومعنى عقد عليه أي جزم به، أي صدقه يقينياً، وهذا عام يشمل التصديق بكل شيء. غير أن التصديق بالشيء ينظر فيه إلى الشيء الذي يصدق به، فإن كان أمراً أساسياً أو متفرعاً عن أمر أساسي فإنه يصح أن يسمى عقيدة لأنه يصح أن يتخذ مقياساً أساسياً لغيره، فيكون لانعقاد القلب عليه أثر ظاهر. وإن كان هذا الشيء الذي يصدق به ليس أمراً أساسياً ولا متفرعاً عن أمر أساسي فإنه لا يكون من العقائد، لأن انعقاد القلب عليه لا يكون له أي أثر، فلا يوجد في الاعتقاد به أي واقع أو أي فائدة. أما إن كان لانعقاد القلب عليه أثر يدفع لتعيين موقف تجاهه من التصديق والتكذيب فيكون من العقيدة.
والعقيدة عي الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وما قبل الحياة الدنيا وما بعدها، وعلاقتها بما قبلها وما بعدها. وهذا تعريف لكل عقيدة وينطبق على العقيدة الإسلامية، وتدخل فيها المغيبات. فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى هو القيدة الإسلامية. والإيمان بالجنة والنار والملائكة والشياطين وما شاكل ذلك هو من العقيدة الإسلامية والأفكار وما يتعلق بها. والأخبار وما يتعلق بها من المغيبات التي لا يقع عليها الحس يعتبر من العقيدة.
أما الأحكام الشرعية فهي خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد. وبعبارة أخرى هي الأفكار المتعلقة بفعل من أفعال الإنسان، أو بصفة من صفاته باعتبارها من أفعاله. فالإجارة، والبيع والربا والكفالة والوكالة والصلاة وإقامة خليفة وإقامة حدود الله، وكون الخليفة مسلماً، وكون الشاهد عدلاً، وكون الحاكم رجلاً، وما شاكل ذلك، تعتبر كلها من الأحكام الشرعية، والتوحيد، والرسالة، والبعث وصدق الرسول، وعصمة الأنبياء، وكون القرآن كلام الله، والحساب والعذاب، وما شاكل ذلكـ تعتبر كلها من العقيدة. فالعقائد أفكار تصدق، والأحكام الشرعية خطاب يتعلق بفعل الإنسان. فركعتا سنة الفجر حكم شرعي من حيث صلاتهما، والتصديق بكونهما من الله عقيدة. فصلاة ركعتي سنة الفجر سنة لو لم يصلّها لا شيء عيه، ولو صلاها له ثواب مثل ركعتي سنة المغرب سواء بسواء من حيث الحكم الشرعي، أما من حيث العقيدة، فالتصديق بركعتي سنة الفجر أمر حتمي وإنكارهما كفر، لأنهما ثبتا بطريق التواتر. أما التصديق بركعتي سنة المغرب فمطلوب، ولكن إنكارهما لا يعتبر كفراً، لأنهما ثبتا بدليل ظني وهو خبر آحاد، وخبر الآحاد ليس بحجة في العقائد. وقطع يد السارق حكم شرعي، وكون ذلك من الله والتصديق به عقيدة، وتحريم الربا حكم شرعي، والتصديق بكونه حكماً من الله تعالى عقيدة، وهكذا ...
وعليه فهنالك فرق بين العقيدة والحكم الشرعي. فالعقيدة هي الإيمان وهو التصديق الجازم المطابق للولقع عن دليل، والمطلوب فيه هو القطع واليقين. والحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد، ويكفي فيه الظن. فإدراك الفكر والتصديق بوجود واقعه أو عدم وجوده هو عقيدة. وإدراك الفكر واعتباره معالجة لفعل من أفعال الإنسان أو عدم اعتباره معالجة، هو حكم شرعي. فلأجل اعتبار الفكر معالجة يكفي الدليل الظني. أما لأجل التصديق بوجود واقع الفكر فلا بد من الدليل القطعي.

* نقلاً عن كتاب ( نظام الإسلام ) وكتاب ( الشخصية الإسلامية ج1 ) لعلامة العصر الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -

الخلاصة :

قطعي الثبوت : هو ما ثبت وروده إلينا قطعيا ، كأن يرويه جمع من تابعي التابعين عن جمع من التابعين عن جمع من الصحابة عن النبي ( ص ) ، بشرط أن يكون كل جمع يتكون من عدد كافي ، بحيث يؤمن تواطؤهم على الكذب ، وبذلك فهو قطعي الثبوت لا محالة ، وهذا هو القرآن أو الحديث المتواتر.
ظني الثبوت : كأن يرويه واحد أو آحاد متفرقون من تابعي التابعين عن واحد أو آحاد من التابعين ، عن واحد أو آحاد من الصحابه عن النبي عليه السلام ، وهذا هو حديث الآحاد.
قطعي الدلالة : وهو آيات القرآن أو أحايث النبي عليه السلام التي لها معنى واحد في اللغة ، ولاتفسر إلا تفسيراً واحداً.
ظني الدلالة : وهو آيات القرآن أو أحايث النبي عليه السلام التي لها عدة معاني في اللغة ، وتفسر بعدة تفاسير ، لأن القرآن نزل باللغة العربية ، واللغة العربية لها عدة معاني ، ويكون أحيانا للكلمة الواحدة عدة معاني ، ولذلك يكون للآية أو الحديث عدة معاني .

من حيث الاستدلال على الأحكام الشرعية أو العقائد :

القطعي الثبوت القطعي الدلالة : يصح الاستدلال به في حكم شرعي من الأحكام الشرعية ، أو في عقيدة من العقائد .
القطعي الثبوت الظني الدلالة : يصح الاستدلال به في حكم شرعي من الأحكام الشرعية ، ولا يصح الاستدلال به في العقائد .
الظني الثبوت القطعي الدلالة : يصح الاستدلال به في حكم شرعي من الأحكام الشرعية ، ولا يصح الاستدلال به في العقائد .
الظني الثبوت الظني الدلالة : يصح الاستدلال به في حكم شرعي من الأحكام الشرعية ، ولا يصح الاستدلال به في العقائد .

أي :

القطعي الثبوت القطعي الدلالة : يصح الاستدلال به في حكم شرعي من الأحكام الشرعية ، أو في عقيدة من العقائد ،
القطعي الثبوت الظني الدلالة : ح الاستدلال به في حكم شرعي من الأحكام الشرعية ، ولا يصح في عقيدة من العقائد ، فتصدق العقائد التي جاء بها تصديقاً ظنياً ، لا تصديقاً جازماً ، ولهذا لا يجوز أن تعتفد ، ولا أن يجزم بها لأن العقيدة قطع وجزم .
الظني الثبوت القطعي الدلالة ، أو الظني الثبوت الظني الدلالة : يصح الاستدلال به في حكم شرعي من الأحكام الشرعية ، ولا يصح في عقيدة من العقائد ، فتصدق العقائد التي جاء بها تصديقاً ظنياً ، لا تصديقاً جازماً ، ولهذا لا يجوز أن تعتفد ، ولا أن يجزم بها لأن العقيدة قطع وجزم ، وخبر الآحاد لا يفيد قطعاً ولا جزماً ، وإنما يفيد ظناً ، ولا يكفر منكره ، ولكن لا يجوز أن يكذب ، لأنه لو جاز تكذيبه لجاز تكذيب جميع الأحكام الشرعية المأخوذة من الأدلة الظنية ، ولم يقل بذلك أحد من المسلمين.

من حيث اجتهاد المجتهدين وبالتالي الاختلاف بين المسلمين في الأحكام الشرعية ( أي من حيث الدلالة ):

آيات القرآن القطعية الدلالة ( الآيات المحكمة ) أو أحاديث النبي عليه السلام القطعية الدلالة : فهي تدل على معنى واحد في اللغة والتفسير ، وليس فيها إلا رأي واحد قطعي ، ولا يجوز اجتهاد المجتهدين فيها ، ولا خلاف بينهم عليها.
آيات القرآن الظنية الدلالة ( الآيات المتشابهات ) أو أحاديث النبي عليه السلام الظنية الدلالة : فهي تدل على عدة معاني في اللغة والتفسير ، وفيها عدة آراء ، ويجوز اجتهاد المجتهدين فيها ، وفيها خلاف بينهم عليها.

والله من وراء القصد
__________________
المسلمون أمة واحدة من دون الناس
يجـب عليهم أن يكونوا دولة واحدة
تحـت رايــة خـلـيـفـــة واحـــد