الربوبية والألوهية كلاهما بالمعنى واحد ولا فرق بينهما
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
ورضي الله عن أصحابه أجمعين .... وبعد:-
إن من يعتقد بربوبية الله عز وجل فهو يعتقد بألوهيته كذلك لأن الشريعة الإسلامية لا تفرق بينهما، وأن الله تعالى هو الإله الواحد رب العالمين، حيث أن الرب والإله من جهة المعنى في الشريعة الإسلامية واحدٌ ولا فرق بينهما، فمعناهما أنه تعالى هو المؤثر في العالم إيجادا وإعداما المستحق للعبادة، هذا هو المعنى الحقيقي بالضبط فالإله ليس له معنى زائد على الرب ويهديك لذلك قوله تعالى في سورة الصافات حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ* إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.
وإطلاق الشارع الحكيم بلفظ ( الإله ) بأنه المؤثر في العالم إيجادا وإعداما وأما ( الرب ) هو المعبود أي المقصود به هو الله تعالى رب العالمين.
إذا كان من يعتقد بربوبية الله تعالى فهو ناجٍ من الخلود في النار لأن الربوبية والألوهية واحد من حيث المعنى ويدلك على ذلك قول الله تعالى في كتابه الكريم في سورة الأعراف: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } .
تجد هنا عند قوله تعالى : { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } فكيف يأتون يوم القيامة بعدما شهدوا على أنفسهم أنه ربهم بأنهم كانوا غافلين؟؟ كما قال تعالى: { أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـذَا غَافِلِينَ } فهذا الكلام غير مقبول منهم فهم غفلوا عن الربوبية فلا بد أن يرسل الله تعالى لهم الرسل كي يعلموهم أن ربهم هو الله تعالى والله تعالى يخبرهم بأنه هو رب العالمين ومالهم ربٌ سواه.
وإن قال المعددون في التوحيد أن المقصود هنا أي ألست بإلهكم؟ نقول قد بطل ما تحتجون به بأن هناك فرق بين الرب والإله، فقد بحّت أصواتنا ونحن نقول لا فرق بينهما.
ثم تجد قولهم كما أخبر الله تعالى عنهم {إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ }
وأتباع مدرسة ابن تيمية همالسلفية يقولون بأن المشركين أشركوا بالألوهية أي العبودية فقط!! فنقول لماذا يتعذّر المشركون يوم القيامة بأن آبائهم قد أشركوا بالربوبية والله تعالى ينذرهم يوم القيامة أن يقولوا كنا غافلين أو أن آباءهم أشركوا وكانوا ذرية من بعدهم.
فهذا دليل على أن الربوبية والألوهية بالمعنى واحد، ولو كانوا يعتقدون بربوبيته دون الألوهيته وأن الشريعة الإسلامية تفرّق بينهما من حيث المعنى لما كان سؤال الله تعالى لهم ألست بربكم؟ وإن كانوا معتقدين بذلك لما أنكر الله تعالى اعتذارهم يوم القيامة أن يقولوا كنَّا عن هذا غافلين، أو أن آبائهم قد أشركوا بربوبيته، فبسبب غفلتهم بعث الله تعالى أنبيائه كل منهم إلى قومه يدعونهم إلى الله تعالى وأنه رب العالمين دون هذه الأصنام والأوثان التي أغواهم بها الشيطان.
وإلى كل من يدعي بأنه الرب بيده كل شيء كمثل فرعون وكمثل الذي حآج سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقال له بأنه يحي ويميت!! فكان سيدنا إبراهيم يقول له إن كنت إلهًا وبيدك ملكوت كل شيء تحيي وتميت كما تزعم فإن الله تعالى يشرق الشمس من المشرق وأريدك أن تشرقها من المغرب إن كنت إلهًا متصرف في هذا الكون إيجادا وإعداما، عندها بهت الذي كفر، وعرف عجزه عن ذلك!!
وإن كانت للألوهية معنى زايد على الربوبية لما اكتفى الله تعالى بسؤاله حيث قال { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } بل يقول ألست بربكم وإلهكم؟!!
وإن كان هناك فرق بين الأولوهية والربوبية في الشريعة الإسلامية لما كان سؤال المنكر والنكير لأصحاب القبور حيث يسألان الأموات بهذا السؤال: من ربك؟؟! وأصحاب القبور ما بين مؤمن ومشرك، بل المفروض ألا يكتفيان بهذا السؤال حسب فهم من يقول بتقسيم التوحيد لأن توحيد الربوبية ليس كافيا – حسب من يقول بتقسيم التوحيد – بل على الملكين أن يسألان عن توحيد الألوهية ويقولان للميت المشرك هذا: من إلهك؟
وإذا قلتم بل إن معنى من ربك؟ هو المقصود من إلهك؟ نقول لكم قد سقط تقسيمكم لمعانيها وتفريقكم لها!! فلا تتعالموا وتهرفوا بمالا تعرفوا!!
وإن كنتم مقرين بهذا التقسيم ومصرين عليه يكون المشركين ناجون من عذاب القبر لأنهم سيجيبون على أحد أسئلة منكر ونكير في القبر مع العلم أن الحديث الصحيح يقول بأن المشركين لا يستطيعون الجواب على أحد هذه الأسئلة!!!
ودليل آخر بأنه لا يوجد فرق بين الرب والإله في المعنى عند الشريعة الإسلامية وأن المشركين غير مقرين بالربوبية على من يقول بالتقسيم هو قوله تعالى في سورة فصلت حيث قال تعالى في محكم كتابه {إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ} الآية : 30
لو أن هناك فرق بين الرب والإله في الشريعة الإسلامية لقال تعالى إن الذين قالوا إلهنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة، ولكن هذا الأمر لم يكن كما هو واضح في الكتاب الكريم، فيسقط حينئذٍ من يقول بالتقسيم في التوحيد مقلدًا لابن بطة العكبري المجسم ومن قلده ممن جاء من بعده حتى يومنا هذا ممن كان على مشربه!! فتأمل!!
وكذلك في قوله تعالى في سورة الأحقاف {إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} الآية 13.
وإن فتشوا في تفسير وشرح هذه الآيات يجدوا بأنه لا فرق بين الرب والإله في الشريعة الإسلامية فلم يفرِّقونها تقليدًا لابن بطة العكبري وابن تيمية الحرّاني؟!!
وفي سورة القصص الآية 71 -72 {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ}.
وهذه الآية صريحة بأن الإله هو الرب حيث قال تعالى {مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ} وكذلك قوله {مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ} .
وفي سورة المؤمنون الآية 91 حيث قال تعالى {مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}.
انظر إلى قوله {إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ} ولم يقل لذهب كل ربٍ بما خلق وذلك لأنه لا فرق بين الإله والرب إلا عند من يقول بتقسيم التوحيد.
قال تعالى: { قُلْ يَـٰۤأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْا۴ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآء۠ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَڑ نَعْبُدَ إِڑ ٱللَّهَ وَڈ نُشْرِكَ بِهِۦ شَيْـًٔا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوْا۴ فَقُولُوا۴ ٱشْهَدُوا۴ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }
وقوله : { وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا } فإنَّ اتـخاذ بعضهم بعضا، هو ما كان بطاعة الأتبـاع الرؤساء فـيـما أمروهم به من معاصي الله وتركهم ما نهوهم عنه من طاعة الله تعالى فهذه عبادتهم لهم واتخاذهم أربابا.
وكذلك قوله تعالى:
{ ٱتَّخَذُوۤا۴ أَحْبَـارَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤا۴ إِلا لِيَعْبُدُوۤا۴ إِلَـٰهًا وَٰحِدًاۖ لا إِلَـٰهَ إِلا هُوَۚ سُبْحَـٰنَهُۥ عَمَّا يُشْرِكُونَ } (التوبة: 31)
وكذلك قوله تعالى:
{ وَلا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا۴ ٱلْمَلائكةَ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ أَرْبَابًاۗ أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ } .
|