إلى المتباكين على المرأة (4)
د. خالد الحليبي
أتمنى أن يصدق المتباكون على المرأة في بلادنا معها، فيعالجوا ما يعنيها، وليس ما يعنيهم، أن يتحسسوا همومها، لا أن تكون مهمتهم تفتيق هموم جديدة في كيانها، وإشغالها بها، لتلتفت يوما ما فتجد أن ما تلهت عنه قد أصبح خرقا لا يرقع، وأن عليها أن تنفق بقية حياتها ثمنا لاستجابتها لما سموه لها (حرية).
بعيدا عن نتائج كل الأبحاث العلمية التي تثبت قيمة الفروق بين الجنسين، في رقي الجنس البشري، وسعادته، جاءت نداءات المؤتمرات العالمية الموجهة للمرأة، فمن مؤتمر بكين، إلى مؤتمر السكان في القاهرة إلى اتفاقية سيداو، كلها تناديها: أيها الرجل!
كيف ترضى المرأة أن تطمر أنوثتها، وتستنبت في غددها الأنثوية الذكورة، لتصبح رجلا؟! إنها مخالفة للفطرة لا تستقيم بها النفس ولا تهدأ.
ولذلك لن تستطيع هذه المحاولات أن تلغي الفروق الجوهرية بين الرجل والمرأة؛ لأنها موجودة في أصل الخلق، {وليس الذكر كالأنثى}. وسوف ترفض الأنثى كل هذه المحاولات الذكورية لمسخها، وإخراجها من حلتها الرقيقة إلى خشونته. سوف ندافع عن المرأة أمام الرجل المستبد الذي سلبها حقها في الميراث، وحقها في اختيار الزوج، وحقها في الخروج للتعلم، وحقها في الحوار والمشورة، وحقها في العمل فيما يناسبها، وحقها في الترفيه، وحقها في التعبير عن مشاعرها أو ممارسة فنها المباح، وحقها في البيع والشراء والتملك والهبة، ونحو ذلك.
وفي الوقت نفسه سوف ندافع عن المرأة أمام الرجل الذي يستغل دعاوى التحرير ليدمر مملكتها في بيتها، ويخرب علاقاتها المشروعة؛ لينشئ معها علاقة أخرى غير مشروعة ثم يذرها قاعا صفصفا، تتحسر على أطلال عزها المنهار.
لقد ركزت عدد من الفضائيات المشبوهة والمجلات الموجهة على المرأة السعودية بالذات؛ ليقنعوها بأنها لا تكون عصرية إلا إذا خلعت حجابها، ولا تكون أكثر من امرأة إلا إذا تبرمت بعباءتها، التي لا تناسب جوها الحار!! بينما تتخلع المرأة الأوربية في شتائها الثلجي، ولا أحد يرق لها، فيطلب منها أن تلبس ما يدفئها!! هل في هذا الخطاب الطفولي احترام لمعتقد المرأة السعودية وعقلها وشخصيتها؟
أتمنى أن يصدُقُوها بأن تلك البرامج جاءت ضمن مخطط واضح القسمات؛ لتبدأ القصة التي مرت بها أختها في بلاد أخرى، فنقلتها من طمأنينتها في بيتها وعملها المناسب لأنوثتها، إلى ضجيج الحياة، واختلاط الأنساب، وتحطم تاج الحرية المزور فوق رأسها؛ لتنقاد أمة في يد الرجل الذي خطط لهذه النهاية بدهاء حتى وصل، وليس كل رجل بالطبع، لأن الرجل السوي هو الذي يعلم أن خسارته بلا حدود حين تسلك المرأة غير الطريق التي رسمها لها خالقها عز وجل.
إن القصة هناك تراجعت إلى نقطة البداية في مصر والشام وبلاد المغرب العربي، حيث عاد الحجاب بقوة، حتى أصبح هو سمة الشارع والجامعة، عادت المرأة إلى عزها الحقيقي بعد رحلة الشتات التي عانتها أكثر من نصف قرن، إلى المقر الذي تستثمر فيه كل مواهبها الربانية، من حنان وحب وتربية ورعاية وبناء وإنجاز. دون أن يكون ذلك عائقا أمام مشاركتها في بناء الحياة العامة، بل إن مناشطها العامة تتمحور حول خصوصيتها الأنثوية، وما أوسع آفاق هذا الجانب.
إني لأعجب من أولئك المتباكين على المرأة، حين يعلنون بأن نصف المجتمع معطل، مشيرين إلى أعداد النساء اللاتي لم يجدن وظائف، وهن غير مكلفات بالنفقة، وهم يعلمون بأن مثلهن أو ضعفهن من الرجال المؤهلين لم يجدوا لهم مكانا في ميدان العمل أيضا، وهم المكلفون بالنفقة كاملة!! ثم يفتحون أبواب الوظائف الرجالية للنساء؟!
كيف توظف امرأة في موقع رجل، في بيئة تضع مسؤولية النفقة على كاهل الرجل؟! نعم يجب أن نجد حلا لتوظيف آلاف الخريجات ليشاركن في بناء المجتمع، ولكن ليس على حساب مواقع عمل يمكن أن يقوم بها الرجال. ولا أظن أن هناك امرأة تحب أن تعمل وزوجها مضطجع على أريكته في المنزل يلوك فراغه النفسي القاتل؟
أليس كذلك يا معشر النساء؟
انتهت المقالات الأربع إلى المتباكين على المرأة،،