[اليمامة]

" إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين"



في أول يوم في رمضان كتب الله لي الافطار وإقامة صلاة التراويح في المسجد الحرام .. ذهابي لبيت الله دائماً.. ولكن الاحساس هذه المرة كان مختلفاً ...

سابقاً كنت أذهب للعمرة أو للصلاة فقط .. وحتى أن جلست فيكون في الفندق القريب من الحرم .. دون جلسة حكاوي مع ضيوف الرحمن .

مقابلة المعتمرين في الفندق تختلف عن مقابلتهم في الساحات المحيطة في الحرم .. فخامة تفتقد الألفة هناك .. وألفة تفتقد الفخامة في الساحات ..

في الساحات على البلاط بين الحاجات ومعي صديقتي وقفت أبحث لي عن مكان لأنتظر وقت الافطار قبل الصلاة ..
رن هاتفي .. وكنت أعتقد أنه الاتصال السابع والخمسون من والدتي " في زمن ساعة ونصف" وهي تتصل وصلتوا ؟ هاااااا وينكم ؟ اتصلي لما توصلين ؟ <-- تم اختيار والدتي حفظها الله ..العميل المتميز من شركة الاتصالات
ولكن كان الاتصال من صديقتي بنت الأسرة الكبيرة ثراءً وسلطة .. واذا بها تقول أنا أراكِ الآن التفتي يميناً على مسافة 10 أمتار فأنا هناك !!
ذهبت لها وسألتها وش جابك هنا وتركتِ عز العمات والأعمام .. !؟ وبلهجة ماكرة قلت : ضاقت !! حتى هنا تزاحموننا ؟

كانت رؤيتها تتفق معي في أنها جاءت تبحث عن الألفة والراحة .. انطلقنا في فلسفة نحاول أن نعيش فيها بمشاعرالمسلمين الذين أتوا من كل مكان ومنهم من رأى الحرم لأول مرة .. فنحن في السعودية وخاصة سكان مدينة جدة ألفنا منظر الحرم بسبب قرب المسافة .. وهي وان كانت ميزة إلا أن غيرنا من المعتمرين من الدول العربية والاسلامية تتملكهم مشاعر جميلة تظل عالقة في أذهانهم بسبب ندرة النظر للكعبة .. وندرة السعي والطواف وتقبيل الحجر الأسود .. وهذه المشاعر الجميلة نراها نحن ميزة لهم .

تكلمنا عن الآية الكريمة (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ) وكيف أننا كبشر ولسنا كجنسيات اجتمعنا فيه لأنه وضع لنا جميعاً .. هو بيتنا الذي وضعه الله لنا وهو السبب في شعورنا بالانتماء والتآلف والتعاون .. وكيف أن هذا البيت هو رمز للوحدة وللعائلة الكبيرة مثله مثل المنزل للعائلة الصغيرة .
تحدثنا عن خط الطول لمكة المكرمة وكيف أنه لا يوجد أي انحراف مغناطيسي علي خط طول مكة المكرمة‏.. وكيف أن الكعبة المشرفة بُنيت بزوايا تمثل الاتجاهات الأربعة الأصلية للأرض .. فالركن اليماني في الاتجاه الجنوبي .. والركن الشامي في اتجاه الشمال ..والحجر الأسود في اتجاه الشرق .. والركن المصري في اتجاه الغرب .. وكيف أن تلك الاتجاهات محددة بدقة لا يمكن أن تكون بفعل البشر وانما هي معجرة الهية .



تحدثنا كثيراً وواجهنا مواقف جميلة .. فكنا مرشدات ومترجمات .. ومفتيات للسائلات .. وحارسات مرمى نصد الهدف بالرأس لبقايا عظام الدجاج التي تُقذف علينا المهاجمات النيجيريات اللاتي كن خلفنا ..


صلينا التراويح خلف أجمل الأصوات التي تجعل الخشوع هو خيارك الوحيد .. والرهبة احساس جميل .. والخوف سعادة .. والبكاء أحلى من العسل .. في اختلافات تجتمع عند بيت الله الحرام فقط .. حيث يطمئن القلب وتسكن النفس .

مفاجأة مابعد الصلاة :

منار ابنة الطبيبة المصرية وصديقة الطفولة .. كانت تأتي للبيات عندنا في المنزل دائماً عندما يكون عمل والدتها في الليل .. ولأننا ممنوعات من اشعال البوتجاز خوفاً علينا من النار ولأن كل ممنوع مرغوب .. فكنا ننتظر والدتي حتى تنام فننزل للمطبخ .. ونطبخ ونسخن الأكل ثم نرمي كل القدور والصحون والملاعق في الزبالة خوفاً من اكتشاف آثار الجريمة ..

والمشكلة اننا نقوم بذلك ليس لجوع فلم نكن نأكل الا القليل مما نسخن ونطبخ .. ولكن كنا نعتبرها مغامرة لكسر حاجز الممنوعات .. وبطولة التمرد .. وكنا نواصل السهر ونذهب للمدرسة ونحن على وشك النوم .. وكان لذلك تأثيره في عدم الاستيعاب وانخفاض المستوى الدراسي بعد التفوق

وكم دارت المناقشات معنا في الموضوع بدون أن يحصلوا منا على أي اعتراف .. ورحلت منار مع والدتها وافترقنا .. وكانت هنالك اتصالات توقفت فترة .. وعندما أرادت والدتي السؤال عنهم وجدت أن رقم هاتفهم تغير .. ونحن انتقلنا لمسكن جديد وغيرنا كل المعلومات .. ولكن باسم شقيقي الكبير

وفي ساحات الحرم كانت منار تصلي بجواري ولا يفصلني عنها الا ثلاث مصليات .. وبعد أن انتهينا من الصلاة ونحن مازلنا جالسات نظرت في وجهها وأنا غير مصدقة أن هذا هو وجه منار الذي تضخم بعض الشئ ولم يتغير .. فقلت بصوت عال : منار !!
نظرت الي وسكتت ثم قالت : يخرب بيتك .. يمااااااااااااااامة ؟ وبعد سلام وكلام وعتاب وأحاديث سريعة وسلام على والدتها افترقنا بعد أن اتفقنا على الافطار اليوم .. وكانت منار ووالدتها وشقيقها ضيوفنا في الافطار .. وبعد الافطار اعترفت أنا وهي بكل الجرائم التي ارتكبناها سابقاً ... وصُدقت اعترافاتنا شرعاً .. ونظرنا لانتهاء المدة فقد تم اسقاط الحكم .. والحكم مع وقف التنفيذ ..