مقامة الحجام - الجزء الأخير
وكانت العادة جارية بعرض المحابيس على السلطان،في كل شهر رمضان،فأحضرت بعد سنة بين يديه،وسألني عن الأمر الذي حبست
عليه،فقلت لي قضية أذكرها بين يديك،فإذا أنهيتها فالأمر إلى الله ثم إليك،فأدناني،واستفهمني عن شأني،فذكرت له الحكاية على الوجه الصحيح، وأوضحت له الحال فلم يحتج إلى تصحيح،فعجب من حالي،وأمر برد مالي،وتبليغ آمالي،وأمر الخطيب أن يزوجني من بنته المذكورة،وقام بالصداق من عنده على أحسن صورة،وأحضر ذلك المدبر وسلمه إلي،وحكمني فيه عند وقوفه بين يدي،فذهبت به إلى داري،وصفت بتلك المحبوبة أكداري،فصلبته على الباب مرجوما،وأبقيته سبع ليال وثمانية أيام حسوما،وسمعت هاتفا يقول :
قضت نحبها نفس هذا اللعين
*****وفي صلبه نعمة مطلقة
فلا رحم الله تلك العظام
*****ولا برحت بلظى محرقة
وما مر به أحد إلا لعنه،واستظرفه على الخشب واستحسنه،وأنشدت :
نلت جبري بكسر قلبي وصبري
*****ورقيبي رأيته مشنوقا
رام نفعا فضر من غير قصد
*****(ومن البر ما يكون عقوقا)
وأقسمت لا قصصت شعر شاربي،ولو استرسل إلى ترائبي،فهذا سبب طولها،وقد رضيت بتطويلها،ثم أنشد :
أرى الإحسان عند الحر دينا
*****وعند النذل منقصة وشينا
كما النيسان في الأصداف در
*****وفي بطن الأفاعي صار سما
|