عرض مشاركة مفردة
  #25  
قديم 26-01-2001, 05:54 PM
سلاف سلاف غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 2,181
Post

معتمِدٌ ومعتمَد، بارك الله فيك.
لدي كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي للدكتور شوقي ضيف، يتكلم فيه عن ابي تمام في الصفحات 219-262 ومما قاله فيه عن هذه القصيدة:"- وذكرني به أسلوب أخي المعتمد .

"لعل أروع نموذج في شعر أبي تمام يمثل هذا المزج الواسع بين ألوان التصنيع العقلية وألوان التصنيع الحسية هو قصيدة عمورية، فقد تجلت فيها مقدرة ابي تمام في المزج بين الألوان الثقافية القاتمة والألوان الفنية الزاهية، إذ تدور تدور مجموعة الألوان الأولى في أوعية المجموعة الثانية، فإذا هي تتحول إلى ألوان فنية جديدة، وكأنما أبو تمام شاعر الألوان والأضواء في اللغة العربية وهي ألوان وأضواء قاتمة، بل هو شاعر الرسم والزخرف والتنميق، فقصائده حلَى ووشي وأناقة خالصة،ولكن لا تظن أنه شاعر حسي، أو أن زخرفه مادة وحس فقط بل إن زخرفه- قبل كل شيء- فكر وفلسفة وعقل وكشف عن حقائق الحياة في أعماقها وأغوارها.
كان أبو تمام يزاوج بين اعقل والحس، وكان يعبر تعبيرا زخرفيا، ولكنه تعبير يفضي بالإنسان إلى فكر عميق ظهر في شكل زخرف أنيق .وإن الباحث ليعجب كيف استطاع أبو تمام أن ينهض بفنه إلى هذا المدى من التعبير عن الفكر والزخرف جميعاً ،بل إننا لا ندقق في التعبير ،فليس هناك من فارق عنده بين الفكر والزخرف ،إن الفكر نفسه يصبح زخرفاً يزخرف به نماذجه ،وانظر إليه يستهل قصيدة عمُّروية على هذا النمط :
السيف أصــدقُ إنباءً من الكُتُبِ في حَدِّهِ الحدُّ بين الجدِّ واللعبِ
بيض الصَّفائح لا سودُ الصَّحائف في متونهنَّ جلاءُ الشـك والرِّيبِ
فإنك تراه يؤمن بتفوق السيف على الكتب ألم تقل الكتب ويقل معها المنجمون إن المعتصم لا يفتح عمورية في الوقت الذي اختاره لمهاجمتها ،ولكنه لم يستمع لقولهم وهاجمها وانتهى هجومه بفتحه العظيم ؟ ويأتي أبو تمام فيتحدث عن علم التنجيم هذا الحديث الساخر الذي يفضل فيه السيف على الكتب والقوة على العقل ،ويستمر فيهزأ بما يذكره المنجمون من أيام السعد والنحس ،وما يذهبون إليه من تقسيم الأبراج إلى ثابتة ومنقلبة وتحكيمها في طوالع الناس والأحداث ،وهنا نتبين أثر ثقافته الفارسية ،وهو يعرضها هذا العرض الطريف إذ تدور في أوعية الطباق والجناس والتصوير ،وظهرت في هذه القصيدة آثار أخرى مختلفة للثقافات الإسلامية والعربية واليونانية."
وبعد أن يورد أبيات من القصيدة يضيف:" وعلى هذه يستمر أبو تمام في هذه القصيدة فيجعلك تحس باستعلائه على الشعراء، إذ يمزج بين الثقافات وألوان الشعر مزجا طريفا ، فأنت تراه في البيت الأول - يا يوم وقعة عمورية انصرفت - يعمد إلى عنصر قديم هو عنصر الحلب، فيحوره تحويرا جديدا إذ يضيف إليه العسل فيعطيه طعما طريفا. وتراه يخرج من ذلك إلى الحديث عن الصراع بين الإسلام والمسيحية وهو في أثناء ذلك يغمس الشعر في الطباق بين الصّعد والصّبب، ثم لا يلبث أن يخرج إلى وعاء التشخيص ."
وأكتفي هنا بهذا القدر . وإن توفر لي الوقت فسأورد - إن شاء الله - ملخصا لرأيه في شر أبي تمام بعامة في نهاية هذه القصيدة.

الرد مع إقتباس