عرض مشاركة مفردة
  #27  
قديم 01-02-2001, 09:51 AM
المعتمد بن عباد المعتمد بن عباد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2000
المشاركات: 392
Post

&أمٌّ لهم لو رجوا أن تفتدى جعلوا *** فداءها كل أمٍ برةٍ وأبِ
ينتقل الشاعر بنا في هذه الأبيات للحديث عن عمورية ومكانتها في نفوس الروم ، بل ويشبهها بالأم لهم ثم يبالغ في وصف مكانتها حين يقول انهم لو استطاعوا فداءها لفدوها بكل غالٍ ونفيس حتى بآبائهم وأمهاتهم ولو كانوا بررةً بهم والتشخيص في البيت ظاهر لكل ذي عينين فعمورية أم . كما أن في البيت رداً للصدر على العجز في كلمتي ( أم) - لست متأكداً من تحقق هذا الأمر- .

& وبرزة الوجه قد أعيت رياضتها *** كسرى وصدت صدوداً عن أبي كربِ
برزة الوجه: أي ظاهرة المحاسن . يقول أحد الشراح في قوله: (وبرزة الوجه..) شبه المدينة بامرأة بارزة المحاسن رامها الملوك الفاتحون فامتنعت عليهم . ولا مماراة في صحة ما قصده ولكن كلمة (برزة الوجه) استوقفتني فإن الذي أعرفه أن العرب كانت تطلق لفظة البرزة على النساء اللواتي كن يبرزن للرجال ولا يجدن حرجاً في أن يغشى الرجال مجالسهن فكأنها ترى نفسها نداً للرجل (ومعلوم أن عكسها المخدّرة التي لا تفارق خدرها) والذي نرجحه أن هذا المعنى أقرب لأن فيه دلالة على منعة المدينة وقوتها أمام صمود الرجال إذ وقفت نداً لهم ومن هنا نرى اختلاف وجه الشبه بين ما ذهبت إليه وما ذهب إليه الشارح .
رياضتها : راض المهر وروضه أي ذلله وطوعه وعلمه السير .
وشبه في قوله (قد أعيت رياضتها..) المدينة بالمهر الصعب أو الناقة الصعبة التي لم يستطع ترويضها أحد فقد أتعبت كسرى بصمودها فلم يستطع تذليلها وصدت صدوداً عن أبي كرب ، وفي هذا تجسيم واضح حين جعل المدينة كالناقة . ولكن من هو أبو كرب الذي صدت المدينة عنه لا مراء في أنه أحد الذين غزوها فلم يفلحوا ولكن من هو وهل هي كنية لأحد الأكاسرة ؟ الله أعلم .؟المهم أنه لم يستطع فتحها .
& من عهد إسكندرٍ أو قبل ذلك قد *** شابت نواصي الليالي وهي لم تشبِ
يظل أبو تمام يحدثنا عن هذه المدينة العتيقة ذاكراً أن منعتها لازمتها من عهد الإسكندر المقدوني -بل ربما قبل ذلك-وهو عهد مغرق في القدم ، والعجيب أنها على الرغم من قدمها وكبر عمرها ما زالت محتفظة بشبابها وقوتها فالليالي شابت نواصي رأسها والناصية هي شعر مقدمة الرأس إذا طال . لكن هذه المدينة ما زال شعرها محتفظاً بسواده وفي البيت تشخيص لليالي إذ شبهها بالمرأة العجوز وتشخيص لعمورية فهي امرأة شابة ، وبين التشخيصين مقابلة فعمورية المدينة الشابة تقابل الليالي التي شابت نواصيها .
& حتى إذا مخض الله السنين لها *** مخض البخيلة كانت زبدة الحقبِ
مخض أي حرك اللبن في الممخضة(وعاء يوضع فيه اللبن ليستخرج بذلك زبدته) .
وقد بلغ تصوير أبي تمام في هذا البيت ، فهو يقول: كما أن المرأة الحريصة تمخض الحليب لتستخرج زبدته ، هكذا مخضت السنين المدينة مخضاشديدا فكانت عمورية أفضل ما خرج منها ، فشبه الأيام بالمرأة البخيلة التي تمخض المدن أو الأرض أو لنقل أرض عمورية ، وفي وصف المخض بمخض البخيلة ما فيه من دلالة على شدوة المخض حتى لا يذهب شيء يمكن الانتفاع به سدى ، ثم شبه عمورية بزبدة السنين فتعاقب السنين عليها لم يزدها إلا شدة ، وفي وصفها بالزبدة دلالة على طمع الناس ورغبتهم فيها للذتها ولكنها كانت ممتنعة على من يرسيدها ختاصةً وأن مالكتها امرأة بخيلة فلم يأتها المعتصم في وقت ضعف أو سوء بل في وقت هي كالزبدة طراوةً وحسناً.
-------------
ختاماً أرجو أن يثمر ما كتبته ولا أن يتمّ تجاهله كالسابق .. وأعلن أنني سأتوقف عن الشرح فقد أخذت نصيبي وزيادة .
المعتمد
الرد مع إقتباس