يقول سيد قطب رحمه الله في كتابه معالم في الطريق ما معناه أن توحيد الله يكون في ثلاث (العقيدة والشعائر والشرائع)، وسبقه إلى هذا سيدنا يوسف عليه السلام :" يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار، ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه". وحاشا لله أن يكون إلها في بعض هذه الثلاث ويتخلى عن ألوهيته في بعضها الآخر.
إن كثيرا من المسلمين قد اختلط عليهم الأمر عندما سموا الشعائر من صلاة وصوم وزكاة وحج عبادات وما هي إلا شعائر لأن مفهوم العبادة في الإسلام المنطلق من (لا إله إلا الله) يشمل الحياة بكامل أنشطتها ، بما فيها تلك الشعائر، "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" ولعدم الوعي على دلالات هذه الألفاظ ومفاهيمها صرنا نرى فلانا المتدين الذي يأكل الربا، أو فلانا الحاكم الذي يؤدي الحج والعمرة ويعترف بإسرائيل، أو يستقدم القواعد الأجنبية، أو يبدد ثروة الأمة، أو يصلي ثم يبني الكازينو ويلعب مع اليهود فيه القمار ويتجسس لهم باسم التنسيق الأمني، أو أمير المؤمنين الذي يبني مسجدا ويقتـتحه رابين وبيريز، دون شعور الكثيرين من المسلمين بوجود تناقض ، وذلك نتيجة لتنحية مفهوم تطبيق الإسلام كدين وعبادة في مجال السياسة والحكم .
وليس الأمر كذلك في مفهوم النصارى من العرب، الذين لا يخصهم من الإسلام سوى الجانب التطبيقي الذي عاشوا بفضله هذه القرون بين ظهراني المسلمين محفوظي الحرية والكرامة، ولا يعنيهم من الإسلام جوانب الطهارة مثلا التي تتصدر كتب الفقه بشكل يطمس معالم الأحكام المتعلقة بشؤون الحكم والسياسة التي لا تجد عنها في كتب فقه أغلب شيوخنا إلا السطر أو السطرين. ولهذا تجيء هذه المواقف من بعض النصارى العرب منسجمة مع الإسلام الذي لم يعرفوه أو يتعاملوا معه إلا في جانبه التطبيقي بينما تجيء مواقف بعض الشيوخ مناقضة له.
وإنك لتعجب من قول بعضهم إن الشيخ الفلاني أصاب في تسعة وتسعين اجتهادا -كلها في أحكام الطهارة - فله على كل منها أجران، ولم يخطئ إلا في اجتهاد واحد - وهو بالصدفة في السياسة - فله عليه أجر، ومن الصدف العجيبة أن كل علماء الحكام لديهم نفس النسبة من الإصابة ونفس موضع الخطأ. ويغضب هؤلاء إذا أبرزت لهم ضرورة الدعوة للخلافة وسيادة شرع الله في الأرض، بحجة أن الإسلام غير محصور في هذا الأمر، فتجيب أنك تقبل أن يعطى للخلافة نصف الاهتمام لما يخرج من الإنسان من ريح. وقد حوقل أحدهم عندما حوصر على التلفاز من السائلين عن هذا الأمر. فهمهم ما يسمونه فقه الواقع الذي لا يقتصر فقط على التعامل مع الواقع بل وتكريسه وإعطائه الشرعية، ورفض كل شرعية سواها، وإن قالوا نحن مع الخلافة ولكن..............
فهل نعجب بعد هذا عندما تجد أن أيا من الآتية أسماؤهم ممن تصدروا العمل الإسلامي ليس خريج جامعة (دينية) وهم حسن البنا، سيد قطب، عباسي مدني، تقي الدين النبهاني، راشد الغنوشي.فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
|