عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 25-04-2001, 11:31 AM
عمر مطر عمر مطر غير متصل
خرج ولم يعد
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2000
المشاركات: 2,620
Post

من أدب الجن

قال ابن المروزي: حدثني أبي قال: خرجت على بعير لي صعب، يمر بي لا يملكني من أمر نفسي شيئا، حتى مرّ على جماعة ظباء في سفح جبل على قـُلـّـته رجل عليه أطمار له، فلما رأتني الظباء هربت، فقال: ما أردت إلى ما صنعت؟ إنكم لتعرضون بمن لو شاء قدعكم (أي منعكم) عن ذلك، قال: فدخلني عليه من الغيظ ما لم أقدر حمله، فقلت: إن تفعل بي ذلك لا أرضى لك، فضحك، ثم قال: امض عافاك الله لبالك، قال: فجعلت أردد البعير في مراعي الظباء لاغضبه، فنهض وهو يقول: إنك لجليد القلب، ثم أتاني فصاح ببعيري صيحة ضرب بجرانه (الجران مقدم عنق البعير من مذبحه إلى منحره) الأرض، ووثبت عنه إلى الأرض، وعلمت أنه جان، فقلت: أبها الشيخ، إنك لأسوأ مني صنيعا. فقال: بل أنت أظلم وألأم، بدأتَ بالظلم ثم لؤمت في ترك المضي، فقلت: أجل، عرفت خطئي. قال: فاذر الله فقد رعناك، وبذكر الله تطمئن القلوب، فذكرت الله تعالى، ثم قلت دهشا: أتروي من أشعار العرب شيئا؟ فقال: نعم، أروي وأقول قولا فائقا مبرّزا. فقلت: فأرني من قولك ما أحببت، فأنشأ يقول:

طاف الخيال علينا ليلة الوادي
.................................... من آل سلمى ولم يلمم بميعادِ
أنى اهتديت إلى من طال ليلهم
...................................... في سبسبٍ ذا دكداكٍ وأعقادِ (1)
يكلفون فلاها كل يعملةٍ
................................. مثل المهاة، إذا ما حثـّها الهادي (2)
أبلِغ أبا كربٍ عنه وأسرته
.................................... قولا سيذهب غورا بعد إنجادِ
لا أعرفنـّـك بعد اليوم تندبني
.................................... وفي حياتي ما زودتني زادي
أما حِمامك يوما أنت مدركه
....................................... لا حاضرٌ مفلت منه ولا بادِ

فلما فرغ من إنشاده قلت: لهذا الشعر أشهر من معد بن عدنان من ولد الفرس الأبلق في الدهم العِراب (3) هذا لعبيد بن الأبرص الأسدي، فقال: ومن عبيد لولا هبيد، فقلت: ومن هبيد؟ فأنشأ يقول:

أنا ابن الصلادم أدعى الهبيد
...................... حبوت القوفيَ قرميْ أسدْ (5)
عبيدا حبوت بمأثورة
...................... وأنطقت بشرا على غير كدْ (6)
ولاقي بمدركَ رهط الكميت
....................... ملاذا عزيزا ومجدا وجدْ
منحناهم الشعر عن قدرة
....................... فهل تشكر اليوم هذا معدْ

فقلت: أما عن نفسك فقد أخبرتني، فأخبرني عن مدرك، فقال: هو مدرك بن واغم، صاحب الكميت(7)، وهو ابن عمي، وكان الصلادم وواغم من أشعر الجن، ثم قال: لو أنك أصبت من لبنٍ عندنا؟ فقلت: هات، أريد الأنس به، فذهب فأتاني بعسٍّ في لبن ظبي، فكرهته لزهومته (8) فقلت: إليك، ومججت ما كان في فمي منه، فأخذه ثم قال: امض راشدا مصاحَبا ، فوليت منصرفا فصاح بي من خلفي، أما إنك لو كرعت في بطنك العس لأصبحت أشعر قومك. قال أبي: فندمت أن لا أكون كرعت عسه في جوفي على ما كان من زهومته، وأنشأت أقول في طريقي:

أسفت على عس الهبيد وشربه
......................... لقد حرمتنيه صروف المقادرِ
ولو أنني إذ ذاك كنت شربته
.................. لأصبحت في قومي لهم خير شاعر

(1) السبسب: المفازة، والدكداك: أرض فيها غلظ، والأعقاد: ما تعقد وتراك من الرمال
(2) اليعملة: الناقة النجيبة، اسم ولا تستعمل صفة
(3) خيل عراب: أي كرائم سالمة من الهجنة
(5) هبيد، من أسماء الجن، وهو صاحب عبيد بن الأبرص
(6) بشر بن أبي خازم
(7) الكميت الأكبر وهو ابن ثعلبة بن نوفل بن نضلة الفقعسي
(8) زهومته: ريحه النتن

النص في جمهرة أشعار العرب، لأبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي.
الرد مع إقتباس