كنت أظن أن العقرب...ج1
قالت العرب "قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي".
وقالوا أيضا "فإذا هو إياها " و هذا هو الوجه الذي أنكره سيبويه لما سأله الكسائي، و كان من خبرهما أن سيبويه قدم على البرامكة ، فعزم يحي بن خالد على الجمع بينهما ، فجعل لذلك يوما ، فلما حضر سيبويه تقدم إليه الفراء و خلف ، فسأله خلف عن مسألة فأجاب فيها ، فقال له : أخطأت ، ثم سأله ثانية و ثالثة ، و هو يجيبه ن و يقول له : أخطأت ، فقال له سيبويه : هذا سوء أدب ، فأقبل عليه الفراء ، فقال له : إن في هذا الرجل حدة و عجلة ، و لكن ما تقول فيمن قال " هؤلاء أبُون و مررت بأبين " كيف نقول على مثال ذلك من وأيت أو أويت ، فأجابه ، فقال : أعد النظر ، فقال : لست أكلمكما حتى يحضر صاحبكما، فحضر الكسائي ، فقال له الكسائي : تسألني أو أسألك ؟ فقال له سيبويه : سل أنت ، فسأله عن هذا المثال ، فقال سيبويه " فإذا هو هي " و لا يجوز النصب ، و سأله عن أمثال ذلك نحو "خرجت فإذا عبد الله القائم (بالرفع)، أو القائم (بالنصب)" فقال له كل ذلك بالرفع ، فقال الكسائي : العرب ترفع كل ذلك و تنصب ، فقال يحي : قد اختلفتما ، و أنتما رئيسا بلديكما ، فمن يحكم بينكما ؟ فقال له الكسائي : هذه العرب ببابك ، قد سمع منهم أهل البلدين ، فيُحضرون و يُسألون ، فقال يحي و جعفر ، أنصت ، فأحضروا ، و فوافقوا الكسائي ، فاستكان سيبويه ، فأمر له يحي بعشرة آلف درهم ، فخرج إلى فارس ، فأقام بها حتى مات ، و لم يعد إلى البصرة ، فيقال : إن العرب قد رشوا على ذلك ؛ أو إنهم علموا منزلة الكسائي عند الرشيد.
و يقال : إنهم إنما قالوا : القول قول الكسائي ، و لم ينطقوا بالنصب ، و إن سيبويه قال ليحي : مُرهم أن ينطقوا بذلك ؛ فإن ألسنتهم لا تطوع به .
للحديث بقية شيقة
المصدر "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" جمال الدين ابن هشام
|