عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 29-06-2000, 09:25 PM
عبدربه عبدربه غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
المشاركات: 282
Post إشكالية الفنون التشكيلية

في لحظة مشرقة من لحظات الزمن العربي السعيد،صارت كلمة السر عند جميع الرعايا العرب هي "الإشكالية" حيث يتعارك الطفل مع ابن الجيران،وتكبر القصية،يقول عنه أبوه : "إنه خلق لي إشكالية مع الجيران". ويقول الشخص الذاهب إلى إدارة معينة من أجل ورقة تهمه :إنه على أهبة الولوج إلى إحدى الإشكاليات. كما يقف المريض أمام الطبيب قائلا : وهو يضع يده على بطنه : "لدي إشكالية في هذا المكان بالذات".
وفي هذا العصر الإشكالي السعيد عينه ، إنما صار يطلق على الفنون الجميلة (سابقا) اسم "الفنون التشكيلية". واكتسبت بالتالي ،بعدا إشكاليا لا مراء فيه.
وحقيقة الأمر أن الرسام المنتمي للمرحلة ما قبل الإشكالية (أو ما قبل التشكيلية) كان متخلفا جدا. يكتفي –بعد سنوات طويلة من التعلم والتمرين- برسم البورتريهات والمشاهد المشخصة و "الطبيعات" الميتة. مما يجعل عمله شبيها،على أحسن تقدير،بعمل المصور الفوتوغرافي. أما الفنان الإشكالي فقد خرج بفنه من هذه النخبوية الضيقة،وجعله –لأول مرة في تاريخ كوكب الأرض- ملكا كشاعا لملك الجمهور في عصر ديمقراطية الفن والثقافة. لقد صار بإمكان لأي كان أن يصبح فنانا تشكيليا، سواء هب ودب أو لم يهب ولم يدب،وتبين لكل ذي عينين أن الموهبة والدراسة والتجربة لا دور لها على الإطلاق في تحويل الإنسان حيوان ناطق إلى حيوان تشكيلي. مادام المطلوب منه هو وضع مجموعة من الخطوط والألوان كما اتفق ،مع التحليق في عالم التجريد و الابتعاد (خشية الانفضاح) عن التشخيص،حتى أن عددا من المواطنين الشعبيين باتوا يظنون بان اللوحات تسمى "تشكيلية" فقط لأنها "ف شي شكل" (أي في شكل ما).
فهذا شخص ذهب إلى أوروبا (بدون أي زاد ثقافي فني) قصد البحث عن عمل يدوي. فإذا به يكتشف في نفسه موهبة العلاقات العامة،فشرع يربط هذا بذاك وهاته بتلك،وبحثا عن تغطية لجأ إلى التشكيل،فلم يخب ظنه. و "جاب الله التيسير" حتى أن ألبومه "الفني" أصبح يتوفر اليوم على مئات الصور التي يقف فيها مبتسما جنبا إلى جنب مع كبار ساسة هذا العالم،الذين يرجونه من أجل أن يرسم لهم ولو نصف لوحة يمهرها بتوقيعها السحري. بل إنه حتى المشكل الذي تطرحه لوحاته،وهو أنها تبهت وتتقشر بعد ستة أشهر من شرائها،وجد له حلا ثوريا،هو تعهده بضمان وتعهد لوحته بعد البيع ما دام حيا.
للمقال بقية
يا أمة ضحكت ! – مصطفى المسناوي
الرد مع إقتباس