عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 01-07-2000, 12:18 PM
عبدربه عبدربه غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
المشاركات: 282
Post كثرة الذكاء و قلة العقل

وتميزت المدينة ، بل والأرض كلها بالتناقض الأليم : كثرة الذكاء وقلة العقل وضمور الحكمة . و لا أضر ولا أسوأ من المزج بينهما لما تؤول إليه الأذهان من غرور الأذكياء إلى حد الشيطنة خلطا بين الذكاء والعقل .
فإن كان الذكاء مجملا هو القدرة على حل المشاكل البريئة ، فإنه بدون عقل ينقلب إلى شيطنة إلى حد المكر والخداع والماكيافيلية خصوصا في ميدان الاستبداد والاستغلال واستعباد الإنسان للإنسان والتفنن في طرق الغش والتزوير ، فيكون الذكاء في هذه الحالة بمثابة الغوص على الأباطيل .
أما العقل ، فهو طريق الحكمة الرامية إلى الغوص على الحقائق ونيل الصواب في الأحكام العقلية والسلوك الخلقي .
والعقل والذكاء لا يخفى أحدهما على الأنظار وشهادة الشاهدين وحكمهم على الناس ، فيقال فلان ذكي ولكنه شيطان وفلان عاقل يتبع طريق الحكمة والصواب.
ورأى حي بن يقظان أن الآلات وليدة الذكاء ، والإيمان والعدل والإحسان من دلائل العقل والحكمة . وأن المدينة المتناقضة الرافضة للجمع بين العقل والذكاء ذاهبة إلى ضنك المعيشة ولو مع الترف والبذخ والقوة والحول والطول .
فالسعادة حالة باطنية تنطلق من نور البصيرة ، وتأتي بالشعور بالاعتدال ، وتنتهي بمقام النفس المطمئنة راضية مرضية .
والشقاء عكسها اضطراب داخلي في المزاج من زوبعة الهيجانات الغريزية والانفعالية ، متدحرجة إلى الأزمات والفتن والحروب ، والعدوان الانتحاري على النفس ، والعدوان الإجرامي على الغير وأهل المدينة الشقية ((صم بكم عمي فهم لا يعقلون)) ولا يرجعون.
والذكاء متفاوت من البسيط إلى الثاقب على وجهين :
- إما أن يفضي إلى الإدراك الصحيح علما وعملا ، فهو عقل نير بعيد عن الطيش.
- وإما أن يفضي إلى التلاعب والتحايل الشرير ، فهو شيطاني النزعة .
أما العقل ، فهو دائما وأبدا أساس العلم الثابت والمعرفة الصحيحة والسلوك العاقل والتدبير الحكيم المعقول الراشد.
والأمم المرتبطة بنور العقل والعلم والأخلاق الحسنة ، فهي رشيدة . وإما مرتبطة بسياسة الغرور والكبر والظنون وسوء الأخلاق ،فهي فاسدة غاوية مضمحلة تدريجيا ، مهما كانت قوة صناعتها وإتقان تقنيتها وواسع نفوذها العالمي خارج حدودها.
وكلما تقدمت الآلات تضاعف الغرور ، واستفحل تفكيك الأسرة ، وشاعت الفاحشة ، وضعف الإيمان ، وزاغت القلوب ، وتعمق الشعور المأساوي بالشقاء . وكان الذكاء بلا عقل وبالا على ((الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )).
ومن وراء الستار جيش المفسدين في الأرض يمعنون في إفساد العقول والقلوب والأرواح ، فرادى وجماعات ، طمعا في بسط نفوذهم على سائر أركان المعمورة يبغونها عوجا لاهين مجرمين ومستهزئين بغيرهم ، محرضين الناس أو الأغبياء من الناس بعضهم على بعض على غرار أعداء البشر وأعداء الحق. يهدفون بهذه الحرب النفسية والفكرية والمذهبية إلى إضعاف القدرة على التفكير والقدرة على تقوية النفس والإرادة .كما يهدفون إلى تقويض أركان الأمم بزلزلة أسس الأسرة والأخلاق الحسنة .كل ذلك بوسائل شيطانية على رأسها:السمعية البصرية.
واتضح لحي بن يقظان أن التأمل العميق والتفكر الحكيم كاد يصير في خبر كان،وأن الإنسان الذي يتحلى بالجمع بين العقل و النقل والعلم والمعرفة والرشد والإرادة لابد له من تذكر بعض المعادلات منها :
الذكاء و العقل = حكمة و تدبير.
الذكاء و الهوى = شيطنة و تدمير.
ودليل ذلك أن سرعة الغوص على الحلول مصحوبة بمراقبة النفس وتجنب الأخطاء المنطقية وليدة الذكاء السليم في تعقل وتبصر واختبار واعتبار.
وأن كثرة الأفكار مع فساد المعرفة وفساد القصد وليدة طغيان الهوى حبا في الجاه والملذات وإرادة القوة دون قوة الإرادة إلى حد الاستبداد والظلم. فتتغلب شهوة الحكم والسيطرة على رغبة العدل والشورى و الاعتدال عند كل من جعل إلهه هواه وأضله على علم.
ورأى أن سلامة الجسم والنفس والعقل والدين والعرض والمال قائمة على رأس الحكمة،وهو مخافة الحق جلت أسماؤه وصفاته.
عودة حي بن يقظان - د. المهدي بن عبود
الرد مع إقتباس