أستغرب!
الأعزاء في الخيمة الغراء، راسخة الأطناب، عالية الأعمدة، لا حرمكم الله فصاحة اللسان ولا بلاغة البيان
تحية معطرة وبعد،،
في عشرينيات القرن الفائت، فجع العرب بنازك الملائكة والسياب، يطلان عليهم بفن حديث لا أستقر له على اسم، فمنهم من قال إنه الشعر الحر، وآخرون قالوا إنه شعر التفعيلة، وفئة أخرى تحاملت عليه وسمته الشعر المنثور.
وقد عدت هذه الصرعة، إن جازت لي تسميتها هكذا، ثورة قلبت مفاهيم شعرية، مرت على تقعيدها سنون طوال، فلم نعد نلمح قافية أو رويّا، ومؤخرا، في حقبة ما بعد الحداثة، لم نعد نلمح وزنا.
وقد أتت هذه الثورة، فيما أتت عليه، مما سبق ذكره، على المعنى، فغاب ترتيب القصيدة الذي عهدناه، مثلا، فلم نشهد أطلالا أو فخرا أو تغزلا، ومن ثم خلوصا إلى الموضوع، بهذا الترتيب أو غيره، بالإضافة إلى ذلك، غاب التناول الصريح للمضامين، واستبدل هذا الجديدُ الرمزَ والأسطورةَ بالوضوح والصراحة.
لست هنا في معرض شرح الشعر الحر أو الحديث، أو سموه ما شئتم، فتسميته تؤرقني وتقض مضجعي، حتى صرت عند الوقوف على اسم، جاءني خاطر يدعوني إلى استعمال آخر، وهكذا دواليك، فصرت كالمستغيث من الرمضاء بالنار، لست هنا لأشرح، فكلكم أعلم مني بخفاياه وخباياه، ولكن..
رأيت الجميع ينكر على شاعرنا أنه تحدث بقسوة مع معشوقته، فليكن، فليفقأ عينها، لم لا؟!، ليس لنا أن نحكم على المعنى بهذه الآلية، ولو كان شاعرنا نظم معانيه عموديا، لأبيناها ورفضناها، فلذلك النمط هيبته وهالته، ولا يقبل إلا المنطق من الكلام، وما اعتدناه في الغزل من تودد ولطف أحيانا وتذلل أحايين أخرى، أما والحال كذلك، وقد نظم حرا، فليخرج عن كل مألوف، وليكسر الأصنام في أذهاننا كما فعل الشعر الحر.
اعذروني إن أطلت، فما يواسيني سعة صدركم ورحابة أفقكم، وإن أخطأت فمن نفسي، وإن أصبت فمن الله.
|