جاء في كتاب علم البيان للدكتور عبدالعزيز عتيق، في باب غرائب التشبيه وبديعه:
[ما بين الأقواس المربعة هو من تعليقاتي]
فمنهم [أي الشعراء] من شبه شيئين بشيئين في بيت واحد، كقول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا
..................... لدى وكرها العناب والحشف البالي
فقد شبه الرطب من قلوب الطير بالعناب، واليابس بالحشف البالي، فجاء التشبيه في غاية الجودة ...
وكقول البحتري في وصف الندى تحمله شقائق النعمان:
شقائق يحملن الندى فكأنه
............... دموع التصابي في خدود الخرائد
فقطرات الندى مشبهة بدموع التصابي، وشقائق النعمان بخدود الحسان.
وكقول بشار بن برد:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
............. وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
شبه مثار النقع والغبار فوق الرؤوس بظلمة الليل، وشبه السيوف بالكواكب وقد كثر تشبيههم شيئين بشيئين حتى لم يصر عجبا.
[قرأت في مكان آخر أن بشار لا زال يقلب بيت امرئ القيس، ويعجب من تشبيهه اثنين باثنين حتى حصل له البيت المذكور أعلاه، وما ذكره المؤلف من كثرة
هذا التشبيه فهو ما بعد بشار وليس قبله، وقد كان القوم لا يزالون ينظرون إلى بيت امرئ القيس من الإبداع في مكان]
ومنهم من شبه ثلاثة بثلاثة، كقول البحتري أيضا:
وتراه في ظلم الوغى فتخاله
.............. قمرا يكرّ على الرجال بكوكبِ
شبه وغى الحرب وعجاجها بالليل وجلبة أصواتها بالظلم، وشبه الممدوح بالقمر، والسنان بالكواكب.
وكقول آخر:
نشرت إليّ غدائرا من شعرها
............. حذر الكواشح والعدو الموبق
فكأنني وكأنها وكأنه
............ صبحان باتا تحت ليل مطبق
شبه الشاعر نفسه وشبه صاحبته بصبحين، وشبه شعر صاحبته الأسود بليل مطبق الظلام.
وكقول المرقش:
النشر مسك والوجوه دنا.... نيرٌ وأطراف الأكف عنم
[العنم: شجر له ثمر أحمر يشبه بالبنان]
شبه الرائحة بالمسك، والوجوه بالدنانير، وأطراف الأكف بالعنم.
وكقول ابن الرومي:
كأن تلك الدموع قطر ندى
............. يقطر من نرجس على ورد
شبه الدموع بقطر الندى، والعيون بالنرجس، والخدود بالورود.
ومنهم من شبه أربعة بأربعة كقول امرئ القيس:
له أيطلا ظبي وساقا نعامة
................. وإرخاء سرحان وتقريب تتفلِ
شبه خاصرتي الفرس بخاصرتي الظبي، وشبه ساقيه بساقي النعامة، وشبه إرخاءه، أي مدّ عنقه في استرسال عند السير بإرخاء السرحان أي الذئب، وليس
دابة بأحسن إرخاء منه، وشبه تقريبه، أي جمع يديه ووثبه عند الجري بتقريب التتفل، وأي ولد الثعلب، والمعنى يوحي بأنه أراد الثعلب بعينه مشبها به.
وكقول المتنبي:
بدت قمرا ومالت خوط بان
..................... وفاحت عنبرا ورنت غزالا
شبه المتغزل فيها بالقمر حسنا، وشبه تمايلها وتثنيها في مشيتها بغصن البان، وشبه طيب رائحتها بالعنبر، وشبه سواد مقلتيها عندما ترنو وتنظر بمقلتي
الغزال.
ومثله قول الشاعر:
سفرن بدورا وانتقبن أهلة
...................... ومِسنَ غصونا والتفتن جآذرا
[وهذا أجمل هذه المجموعة في نظري]
ومنهم من شبه خمسة أشياء بخمسة أشياء، كقول أبي الفرج الوأواء الدمشقي:
قالت وقد فتكت فينا لواحظها
....................... كم ذا أما لقتيل اللحظ من قــَوَدِ [القود: القصاص]
وأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت
................... وردا وعضت على العناب بالبردِ
إنسانة لو بدت للشمس ما طلعت
....................... من بعد رؤيتها يوما على أحدِ
كأنما بين غابات الجفون لها
...................... أسدُ الحمام مقيمات على رصدِ
[هم يحسدوني على موتي فوا أسفي
................ حتى على الموت لا أخلو من الحسدِ]
ففي البيت الثاني شبه دموع هذه الإنسانة باللؤلؤ، وعينيها بالنرجس، وخديها بالورد، والأنامل المخضوبة بالعناب، وثناياها بالبرَد.
يقول أبو هلال العسكري: "ولا أعرف لهذا البيت ثانيا في أشعارهم"، ومعنى هذا أن أقصى ما وصل إليه الشعراء هو تشبيه خمسة بخمسة في بيت واحد، وأن
هذا النوع نادر في الشعر العربي.
انتهى
|