هلوسات المهاجر
لم أزل بلا طعام منذ أيام، لست بصائمٍ، بل أفتقر للطعام فحسب. دخلت حجرة نومي المعتادة حيث ترقد زوجتي فوجدت رجلاً ينام قرير العين بجانبها، دنوت من النائم وتفحصت وجهه قبل الإقدام على فعل ما لا تحمد عقباه فعرفت بملامحه صورتي، تراجعت خطوة للوراء وحاولت فتح الباب لكي أخرج من الغرفة، أمسكت بقبضة الباب فلم أستطع فتحه، تقدمت نحو الباب بكل ثقلي فتبين أن وزني قد انعدم وعبرت من خلال الباب المغلق، لم يعقني النفاذ من خلال الجدار، حاولت إطلاق صرخة فلم اسمع صوتي، تجولت بكل حجرات المنزل دون أن أفتح أو أُغلق باباً. لم تنبه حركتي في الدار زوجتي الراقدة قربي، لم يلحظ أحد وجودي على الإطلاق. صعدت إلى سطح منزلنا من خلال السقف، هناك التقيت بكل أجدادي، وأشخاص آخرين بينهم من أعرفه أو لا أعرفه، اجتمعت بشخصيات معروفة غادرت الحياة من أمد طويل، رجعت بالتاريخ خلفاً وعرفت ما لم أكن أعرف حقاً… سافرت عبر الزمن وغصت في المستقبل ورأيت ما سيحدث من أحداث صغار وكبار. فوجدت التاريخ زوراً والتنبؤ بهتاناً.
ربما فقدت ما بقي فيّ من ذاكرة، حاولت استرجاع ما بذهني المقتول من عظام الأمور فتعترضني صغارها ثم اعزف منشغلاً بترتيب ما لم يرتب. وأؤجل إلى غير أجل ما لا يؤجل.
رقدت في عصر التاريخ، غططت في نوم عميق حتى شممت رائحة لحدي، سمعت صوت فيضان الدم الهادر في وتيني، سمعت الصوت الذي لا ريب فيه، أيقنت بقرب الساعة… ما الذي جرى لعقارب الساعة…؟ كحمار معاند على طرف جسر متصدع من كثرة العبور، إنها تتوقف… كأني بها تتراجع عن الدوران… يتوقف الزمن… إذن نحن في البرزخ، حيث يتوقف الملائكة عن تسجيل العقاب والثواب، لن تلد الحبالى ولن يموت الأحياء. تلك هي إرادة كونية لا طاقة للبشر حيالها، وليس بمقدور شيخ قبيلتي إصدار أوامره بتحريك عقارب الساعة، لن يقدر أحد بعد اليوم على تزوير كتب التاريخ… لقد توقفت صناعة التاريخ. يوم يتساوى فيه المالك بالمملوك، الثري بالصعلوك.
ماذا سيفعل عظام قومي بأعواد المشانق المنصوبة لنا في الساحات..! يرفض الناس الموت، ترفض السيوف اجتثاث الأعناق، مهنة السياف والجلاد ستلغى ، لم تعد هناك قرابين وأضاح بشرية، لكن من سيصدر الأحكام بالحبس، النفي، الإعدام …! من سيقطع الأعناق وكيف توزع الأرزاق؟ من سيقود السيارات الفخمة، من يؤم الحانات؟ من يصدر جوازات السفر، من يمنح أو يمنع تأشيرات السفر؟ من يصنف المواطنين في فئات؟ من يمنحنا الحياة… أ أنت الذي سيقوم بكل هذا..؟! شكراً لك يا الله؟
أضغاث أحلام، لقد استيقظت من حلمي هذا مرعوباً وقرأت على اللوحة الجدارية التي كتب عليها: "لئن شكرتم لأزيدنكم…". شكراً لك يا الله الذي لا يحمد على مكروه سواه..!.
|