السلام عليكما
وانظرا في مسألة (السرقات الأدبية، شعرية ونثرية): (المثل السائر) من ص 2/342 وحتى ص 2/346.
وعنه أخذ القلقشندي في (صبح الأعشى) - وفيه من كنوز اللغة الكثير الكثير، وهو بحق موسوعة علمية لا يستغني عنها عالم ولا طالب علم - في ص2/328 وما بعدها، يقول:
(.....) على أنه ربما وقع للمتأخر معنى سبقه إليه من تقدمه، من غير أن يلم به المتأخر، ولم يسمعه، ولا استبعاد في ذلك كما يستبعد اتفاق اللفظ والمعنى جميعا. قال أبو هلال العسكري: (وهذا أمر قد عرفته من نفسي فلا أمتري فيه، وذلك أني كنت عملت شيئاً في صفة النساء فقلت:
سفرن بدورا وانتقبن أهلة
وظننت أني لم أسبق إلى جميع هذين التشبيهين حتى وجدت ذلك بعينه لبعض البغداديين، فكثر تعجبي وعزمت على ألا أحكم على المتأخر بالسرقة من المتقدم حكما حتما).
إذا تقرر ذلك فسرقة المعنى المجرد عن اللفظ لا تخرج عن اثني عشر ضرباً:
ثم تراه يبدأ بتعدادها فيقول في أولها:
الضرب الأول: أن يؤخذ المعنى ويستخرج منه ما يشبهه، ولا يكون هو إياه، قال في (المثل السائر): (وهذا من أدق السرقات مذهبا، وأحسنها صورة، ولا يأتي إلا قليلا).
فمن ذلك قول المتنبي:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص * فهي الشهادة لي بأني كامل
وهذا المعنى استخرجه المتنبي من قول بعض شعراء (الحماسة) وإن لم يكن صريحا فيه، حيث يقول:
لقد زادني حبا لنفسي أنني * بغيض إلى كل امريء غير طائل
قال في (المثل السائر): (والمعرفة بأن هذا المعنى من ذلك المعنى عسر غامض غير متبين إلا لمن أعرق في ممارسة الشعر وغاص على استخراج المعاني). قال: (وبيان ذلك أن الأول يقول: إن بغض الذي هو غير طائل إياي قد زاد نفسي حبا إليّ. أي قد جملها في عيني وحسنها عندي كون الذي هو غير طائل منقصي. والمتنبي يقول: إن ذم الناقص إياه بفضله كتحسين بغض الذي هو غير طائل نفس ذلك عنده).
وأظهر من ذلك أخذا من هذا الضرب قول البحتري في قصيدة يفخر فيها بقومه:
شيخان قد ثقل السلاح عليهما * وعداهما رأي السميع المبصر
ركبا القنا من بعد ما حملا القنا * في عسكر متحامل في عسكر
أخذه من قول أبي تمام في وصف جمل:
رعته الفيافي بعد ما كان حقبة رعاها * وماء الروض ينهل ساكبه
فأبو تمام ذكر أن الجمل رعى الأرض ثم سار فيها فرعته، أي أهزلته، فكأنها فعلت به مثل ما فعل بها. والبحتري نقله إلى وصف الرجل بعلو السن والهرم، فقال: إنه كان يحمل الرمح في القتال، ثم صار يركب الرمح، أي يتوكأ منه على عصا كما يفعل الشيخ الكبير.
وأوضح من ذلك وأكثر بيانا في الأخذ قول البحتري أيضاً:
أعاتك ما كان الشباب مقربي إليك * فألحى الشيب إذ هو مبعدي
أخذه من قول أبي تمام:
لا أظلم النأي قد كانت خلائقها من قبل * وشك النوى عندي نوى قذفا
الضرب الثاني: أن يؤخذ المعنى فيعكس، قال في (المثل السائر): (وذلك حسن يكاد يخرجه حسنه عن حد السرقة) [إلخ]
ولولا الإطالة لنقلت النص كله.
والسلام
|