عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 01-11-2001, 07:04 PM
بوفاتح بوفاتح غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 46
Post المعادلة الغريبة

- الى أين ، سأل القابض
أدخل يده في معطفه البالي ودفع الدنانير الأخيرة التي بقيت عنده .
- قسنطينة ، فقط
إستغرب صالح لأن ما بقي معه لا يتعدى ثمن تذكرة الذهاب فقط، كل شيء محكم ومنسق إنه ذهاب بدون عودة ، رحلة الى العالم الآخر ، كانت الحافلة غاصة بالمسافرين ، تأمل صالح الركاب ،إنهم عينة من هذه الحياة ، شيوخ ،أطفال ، كهول ، نساء ، هذا مبتسم والآخر عبوس ، قد يوجد من ضمنهم راغب في الإنتحار ، هذا شيء غير مستبعد ، لست أول من يقدم على الإنتحار ، كثيرون رموا بأنفسهم من جسور قسنطينة، من كثرة المشاكل التي تعرض لها توصل الى قناعة مفادها ضرورة الإنتحار ، كان بإمكانه تنفيد مشروعه في
بلدته النائية، ولكن ليس هناك إلا وسائل الإنتحار الكلاسيكية، توجد مباني شاهقة ، مبيدات قاتلة ولكن ليس هذا ما يبحث عنه ، إنه يريد أن يدخل التاريخ ولو مرة واحدة في حياته، قسنطينة هي المكان الأمثل للإنتحار ، الجسور المعلقة أكذوبة صدقها الكثيرون ، إنها جسور للأرواح المعلقة ، لم ينتبه إلا على يد القابض تربت على كتفه .
أخيرا وجد نفسه يتجول في شوارع المدينة الضيقةالتي تصعد أحيانا وتنزل أحيانا أخرى ، هذه أزقة تكاد تبعث فيها الحياة ثمة شوارع يحبذ المرء التريث فيها وأخرى يسعى الى الخروج منها بأسرع وقت ممكن ، تأمل صالح وجوه المارة ، إختلفت ألوانهم وطباعهم ، مشغولون بهذه الحياة ، أيحبونها لهذه الدرجة ، ينتحرون كل دقيقة عندما لا يجدون خبزا ولا سكنا، بل هم منتحروا وادي الرمال بعثت فيهم الحياة من جديد وعادوا ليعيشوا فوق الصخرة الكبيرة ، كل مشكل في هذه الحياة يتبعه إنتحار معنوي والإنتحار الأخير جسدي ، فرح صالح بإكتشافه لهذه المعادلة الغريبة، وما إن تجاوز النفق المظلم حتى شعر بنسمات وادي الرمال تهب عليه محاولة تثبيطه عن مسعاه ، لكن أنى لها ذالك والقرار قد أتخد في بلدته ولم يبقى غير التنفيذ .
هاهو الجسر المعلق فاتحا حباله يرقص نشوانا علي أنغام معزوفة الرياح الجنائزية، عندما وطأت أقدامه الجسر ، أحس برجفة غريبة وخيل إليه بأنه يسمع أصواتا من أعما ق الوادي تناديه ، إنهم المنتحرون السابقون يهللون لأي منتحر جديد.
الأمر جد بسيط سوف أتظاهر بالتسكع فوق الجسر وعندما تحين الفرصة سألقي بنفسي وجسمي في هذه الهوة السحيقة ، إتخد موقعه في منتصف الجسر، على بعد خطوات منه توقفت أم وطفلها لتتبادل الكلام مع إمرأة أخرى ، تأمل صالح الطفل الصغير ،ملامحه كلها براءة وتفاؤل ، نقل بصره للوادي بسرعة لكي يمنع تغلغل أي أمل الى أعماقه ، وفجأة إنتبه الى سيارة تسير بسرعة جنونية ،في حين إنشغلت الأم عن طفلها الذي توجه صوب الطريق وهنا وجد صالح نفسه ينطلق كالسهم لينقذه ووصل إليه في اللحظة الحاسمة ، تلقى سيلا من التشكرات من الأم وبعض المارة ، لم ينبس ببنت شفة وترك الجميع وأسرع بالخروج من الجسر وأدرك بأنه لا يزال هناك أمل والمستقبل مفتوح أمامه ، فالدافع الذي جعله ينقذ الآخرين ، سيحفزه بدون شك على مواجهة صعاب هذه الحياة ، وتأكد بأنه رمى بضعف إرادته في أعماق وادي الرمال .
__________________
ليست العظمة في أن لا تسقط ، ولكن العظمة في أن تسقط وتنهض من جديد.
الرد مع إقتباس