الموضوع: قلب الورق
عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 06-11-2001, 01:34 PM
عمر مطر عمر مطر غير متصل
خرج ولم يعد
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2000
المشاركات: 2,620
Post

عودة ثانية...

بصراحة هذه القصيدة من أجمل ما قرأت في الخيمة، ولا أستطيع أصفُ سرّها، ولكن سحرها سلبني فلا أملك الحراك، بما أني راقبت الشاعرة الدكتورة حنان من أول المشوار، فإني أراها الآن الشاعرة التي نضجت وآتت أكلها، وها نحن نستمتع بطيب ثمارها.

لا أكاد أقرأ هذه القصيدة دون أن تستوقفني قافيتها، فهي على أنها قافية مقيدة، إلا أن قلقلة القاف الساكنة، تجعلها بين المقيدة والمطلقة، وتعطيها جمالا مميزا، ولا شك أن الأخت حنان من مدرسة الرمزية، إلا أنها لا تسرف في الغموض، فهي تملك من البراعة ما يجعلك تفهم قصدها بشكل عام من سياق القصيدة، دون الاضطرار إلى الإمعان في البحث عن الرموز، وهي بحق مبدعة في اختيار موضوعاتها، وأساليب طرق الموضوعات، فإن كان الموضوع معروف فأسلوبها جديد، وإن كان الأسلوب معروف فالموضوع جديد.

طبعا أخالف الأستاذ جمال في وجه التشابه بين شعر الدكتورة وبين شعر السلاف، فأنا مثل أستاذنا محمد أعتقد أنهما رأسا مدرستين مختلفتين، كما أني أخالف الأستاذ محمد في درجة الشبه بين السلاف والصقر.

كنت سأكتب ردا على الموضوع الذي تكلم فيه عن هذا الموضوع، ولكني كنت على باب سفر، فكرهت أن أترك الموضوع معلقا، وهو باب للمناقشة كبير.

أما أنا فأرى أن الصقر شاعر فذّ، يذكرني بالقدماء، فلو لم تكن قد عرفت أنه معاصر لظننت أنك تقرأ لشاعر عباسي في غالب الأحيان، وهو يستخدم ألفاظا قوية جزلة، وقد ترد بعض المحسنات في شعره أحيانا، ولكنها تكون منه طبعا -على ما يظهر لي من صناعة فيها-، والصقر متمكنٌ في أساليب الأقدمين، وله باع في صناعة الصور، فقلما تجد له قصيدة إلا وتستوقفك فيها صورة تكاد تكون جديدة بأكملها.

أما السلاف فيتشابه في بعض قصائده مع الصقر في قوة الألفاظ وجزالتها، إلا أنه لا تكاد تخلو له قصيدة من كلمات (دارجة) أو معربة بأسلوبه الخاص الذي اعتدنا عليه، فانظر لاستخدامه كلمات أنكلِسام، عن العم سام (أمريكا)، وغيرها الكثير، وقد حاولت أن أبحث في قصائد السلاف عن آثار صناعة لفظية، أقصد المحسنات اللفظية، فلم أجد، وإن كنت قد وجدته أتاها من حيث لم يعلم في موقفين أو ثلاثة، وأذكر أنني عندما أشرت إليها، انتبه فقال لم أكن أقصدها، أما صور السلاف فهي خليط بين القدماء والمعاصرين، وذلك ناتج عن ثقافته الأدبية الواسعة، التي لا تقتصر على اللغة العربية، وهو بلا شك أكثر شعراء الخيمة ثقافة وتنوعا، وقصائد السلاف في الغزل يحق لنا تطريزها بالذهب، ذلك بعد أن يـبتر آخر بيت أو بيتين، حيث أنه لا يفتأ يذكر الخلافة في آخر بيتين من القصيدة وإن كانت غزلية، فكأنه يشعر بالذنب إن خصّ الغزل بقصيدته دون هموم الأمة.

فالذي يتشابه به الصقر والسلاف هو جزالة الألفاظ، ولكن إن نظرت إلى الموضوعات، وجدتهما -لا أقول على طرفي نقيض وإنما- مختلفين، فالصقر اختص بما اختص به شعراء العصر العباسي الأول، من غزل ومدح (اقرأ له قصيدة المدح إياها إن شئت)، أما السلاف فجلّ كتابته في هموم الأمة، وما خرج عنها كان من درره، كترجماته وتفصيحاته وغزلياته، فمن ينسى قصيدته التي يقول في مطلعها: ضمي إليك شظايا القلب في الورق، وأعتقد أن هذه التي أشار إليها الأستاذ جمال في مقارنته الدكتورة حنان بالسلاف، فهو كان يعني القافية فقط، وليس الأسلوب، فهي قافية مميزة، وإن كنت الدكتورة قد قيدتها، والسلاف أطلقها.

أما الحاوي، فهو ينتمي إلى مدرسة الدكتورة من حيث الرمزية، إلا أنه أكثر غموضا منها، وقصائده محكمة، متقنة، يكاد كل بيت يكون فيها روحا قائمة بنفسها، وهو من أهل الصناعة، ولا بد من الصناعة في مدرسة، إلا أن بعض صوره قد تكون مما لا يدركه إلا الشاعر، أو من عاشره، ولنا وقفة مع قصيدة سماح تكلمنا عنها فأطلنا، ولكنه موهبة حقة، وأنهي بملاحظة قد تكون قيمة في قراءة شعر الحاوي، وهي أنه نحوي متمكن، فلن تجد له تفلتا في قواعده، كما أنك لن تجد له هروبا من النحو بتغيير التركيب أو المعنى كما يفعل بعض الشعراء.

أما الأستاذة الدكتورة حنان، فهي كما قلنا من أتباع الرمزية، ولعلنا نراها على رأس تلك المدرسة قريبا، إلا أن سبب نجاحها في طرحها الموضوعات المختلفة هو اهتمامها بأن تكون القصيدة مفهومة للجميع، ولا تختص بأحد دون أحد، فهي على رمزيتها واضحة، ولها سلاسة في الكتابة تكاد تذهب بعقل القارئ طربا، وقد يكون لبراعة يراعها في النثر أثر على سلاسة شعرها، وليت الوقت يسعفني لكنت ذكرت أمثلة على ذلك.

وقبل أن أختم، أحب أن أذكر ملاحظاتي على صاحب الجلالة الشعرية، الأستاذ الشاعر جمال حمدان، فهو بحق صاحب عرش الشعر في هذه الخيمة، وهو إن كان ذا فضل عليّ، فإن ملاحظاتي محايدة كل المحايدة، فهو الشاعر المتقلب تقلب السلاف، فهو لم يترك ضربا من ضروب الشعر إلا طرقه، بل وأبدعه، وقصائده أكبر شاهد على مقدرته الشعرية، وأشهد له أن أبرع الشعراء هنا بالتصوير والتشبيه، وقد لاحظت ذلك في كلامي معه في المسنجر وعبر الهاتف، فهو -حتى في كلامه العادي- لا يكاد تخلو له جملة من تشبيه، وهذا طبع لا يمكن لنا أن نقلل من قدره، وأحار كثيرا في صوره، فكيف له أن يأتي دائما بالجديد وقد يئس القوم من المحاولة؟ ولكني كذلك آخذ عليه أنه يسلك أحيانا طرقا أنهكها كثرة المرتادين، وهذه تؤخذ على الشاعر، وجمال مكثر، ولا شك أن المكثر لا بد أن يقع في مثل هذا، وهي ملاحظة على السلاف أيضا، فهو يعيد بعض الصور في اثنتين أو ثلاثة من قصائده، ونعود إلى جمال فنقول أنه تفنن في الصور والأخيلة، وهو شديد الاهتمام بمحسناته -المعنوية على الأقل-، فتجده -كما كان الأقدمون- يراعي التوافق بين الألفاظ، ويحاول دائما المقابلة بينها، وله طرائف في الجناس -مثل أبيات المحيا- ولكن السمة الواضحة في شعره هي التشبيه والاستعارة، والذي ألحظه من مرافقة الأستاذ جمال لمدة تربو على السنين الخمسة، هي أن ليس متمكنا كثيرا في النحو، ولذلك فإنه يروغ منه بتغيير التركيب وتقليب الكلمات، وأكاد أجزم أنه لو ملك هذه لما استطعنا مجاراته أبدا.

هؤلاء هم الشعراء الخمسة الذين تطرقت لهم في تعليقك السابق، وإن كنت أرى أن هناك الكثير ممن يستحقون الوقوف عند أساليبهم الشعرية، وليتنا نعثر على ذاك الناقد الذي طالما انتظرناه هنا في خيمتنا.
الرد مع إقتباس