حدثنا اخونا الصمصام عن ابن غيث عمر عن ابن حمدان جمال أنه في زمن الحاكم بأمر من نصبه على رقاب العباد , قرر شيخنا السلاف أن يسيح في الأرض بقصد تقصي أحوال الشعر والأدب , فخرج من المعرة قاصدا مضارب التنوخيين فمر في طريقه على خلق كثير كانوا مجتمعين حول شاعر يسمى عمر المطر .
نزل الشيخ عن دابته ظنا منه بانه واجد ضالته , فلما دنا من شاعر القوم ابن غيث وجده يقول :
تقول بانها تمشي ببطء
......... وخالتها تسير كما تشاء
وألحظ خلف ذاك التل طيرا
....... وسيفي لم يزل فيه مضاء
يعاتبني الخليُّ على غرام
........ ويرشحُ من بقايا الظل ماء
زرعت الهمس في مقل الليالي
....... كتابوت به رقدَ المساء
خليليَّ لنا في كل يوم
........ فكيف النار يطفؤها غثاء؟.
لهم ذكرى كأن اليوم القى
......... تباريحا وما قُبلَ الرجاء
فاخذ شيخنا السلاف يصفق بيمينه على شماله حسرة وندما واخذ بزمام دابته ويمم وجهته صوب جبل تراءى له عن بعيد , فإذا برجل أمّي يكني بيتيم الشعر يصيح بالشيخ مناشدا إياه ان يساعده في كتابة رسالة لحبيبته التي فارقها منذ عام طلبا للرزق .
إمتثل الشيخ السلاف لطلب اليتيم وأخرج رقعة ودواة وكتب باسم الله
أما بعد .
فقال اليتيم للشيخ السلاف . سيدي سأملي عليك وأنت تكتب ما ساقول .!
فأوما الشيخ برأسه بالقبول فقال اليتيم :
أودعتُ في طي الرسالة مهجةًً حرّى فإن لمست يداكِ حروفَها فلتحذري يا من لها في القلب الف رسالة ورسالة تجري به مجرى الدّمِ . إني فداك حبيبتي في سطرها خطت يدي, وفمي يردد بعض ما أملت عليه هواجسي. فإذا قرات رسالتي وسمعت همسا جاء يركب صهوة للريح فامتثلي إليه وأعطه ردا لعل السعد ياتي في الغد . وختامها دومي لمن يرجو لقائك واسلمي .
توقيع : يتيم الشعر
أعطى الشيخ سلاف الرقعةَ ليتيم الشعر وظهر على محياه الغيظ والحنق وأمسك مرة أخرى بزمام دابته فتذكر أبيات ابن غيث عمر فاخذ يشطرها فقال :
تقول بانها تمشي ببطء
...... ونعجتها تسير لها ثغاء
فواحدة تسير على هواها
......... وخالتها تسير كما تشاء
وألحظ خلف ذاك التل طيرا
........ يداعب حاجبين به هواء
وأمعائي تصيح بلا طعام
....... وسيفي لم يزل فيه مضاء
يعاتبني الخليُّ على غرام
........ ويرشحُ من بقايا الظل ماء
زرعتُ الهمس في مقل الليالي
....... كتابوت به رقدَ المساء
خليلي لنا في كل يوم
........ فكيف النار يطفؤها غثاء
لهم ذكرى كأن اليوم القى
......... تباريحا وما قبل الرجاء
وأضاف الصمصام :
وما ان فرغ شيخنا السلاف من تشطير قصيدة ابن غيثٍ العصماء * حتى جاء رجل قميء معتليا صهوة حصان أدغمٍ ببريد مرسل من ديوان والينا المعظم . هتف الرجل بأعلى صوته .. من منكم يدعى السلاف ؟ فأجاب السلاف هأنذا عبد مولانا !!! .. فناوله الرسالة وقرأها السلاف وقام للتو يملي رده على مسامع الأشهاد:
((( لبيك سيدي هأنذا قادم بعد أن خلُصت للتوِّ من إتمام فروض الولاء والطاعة لولي نعمتنا , فكما تعلمون سيدي بأن رضاء والينا علينا هي منته التي تترى وهي بلا مراءٍ أرفع شأنا من أن تُردّ أوتُجزى , فله ما بأيدينا وما في خدورنا وما أخذ منا وما أعطى . فإن ولدت عنزتنا توأمين فذلك ببركة ما له علينا من ندى يدين , وإن كُسفَ البدرُ استعضنا بسناه عما جرى به الدهر من ظلمة وما أصابنا من نصبٍ وأين , فهو ميقات إحرامنا وقبلة أنظارنا , فمن راحتيه نلتقط الحصى لرمي الجمرات , ومن بعد باب قصره المنيف لا يعتد بأي باب كميقات , وعلينا أن نقر بأننا قد تعلمنا من إشراقة طلعته البهية تعداد السنين وما جلبته علينا من كمدٍ وحسرات .
وأن ما يتركه لنا مما فاض عما تقتضيه بذخ موائده هبة لنا ومكرمات .
فلا تصدق سيدي ما يروجه المغرضون من أن الشمس قد خُسفت. ولا تُلقِ سمعا سيدي لهرطقة واشٍ سريرته نمّت عن سواد حظنا في ما أعلنت وما أخفت , واعلم سيدي – دام عرشك - أنه لو جاز لنا القسم بغير إسم الأحد الصمد الذي برأك وسواك , لاقسمنا تقربا وتزلفا باسمك مقنعين أنفسنا بأننا ما قد علمنا لنا ربا من أحد سِواك .
هأنذا سيدي أضرب لكم أكبادا يؤزها الشوق للقياكم , وأطوي بكل همة ثغورا وفدافدا بلسان رطب لا ينفك يلهج بالدعاء بطول بقاكم . فإن أظلكم سيدي الشهر المحرم , وانقضت من أيامه تعداد خمستين , فاعلم انه اليوم العاشر , فلا تشغل بالك سيدي بتبيان القرائن وقراءة التهم المنسوبة لسيدنا الحسين.
هأنذا قادم سيدي وفي يدي غصن قات من تطوان وأوراق شيح ويقطين لتداري ما يجب ستره من سوءات. فإن أتاكم – فديتكم - أنين حرائر من تبقى من نسل عدنان. وإن سيق الليث للمذود وساسه بوم وغربان !
فلنصهل سيدي في مرآب أو اسطبل طالما تحول المضمار لحانة.
ولنزأر سيدي على عتبات كل محراب طالما اعتلاه ابو رغال ورجاله .
ولنلعن سيدي فوق رؤوس الأشهاد من لعنته أقواله وأفعاله.
فإن متُّ ... فوا أسفاه إن لم أُعطَ فرصة التكفير عن خطيئتي إن لطّخ دمي نطعَ أو سروال صاحب الجهالة .
هأنذا قادم سيدي.
لاسرج القنديل مما تبقى في جذع الزيتونة من زيت أو بما تجود به الرقاب .
وسأرهن درع وسيف أبي ذر لمن سيدفع مقابل أن نحتفظ بحفنة من تراب .
فإن حالت دون ذلك مشيئة من وضع الكتاب وقدر الأسباب,
فعزائي سيدي أنني سأحيا وسأموت كأبي ذر وحيداغريبا . فلا سلمت هامة مولانا ولا ارتفعت رايةٌ لاحزاب. ! )))
مع تحيات
جمال حمدان
**************************
* هذه الابيات للتندر فقط لأبرر حنق شيخنا السلاف

وتبقى العهدة على محدثنا الصمصام .
[ 08-11-2001: المشاركة عدلت بواسطة: جمال حمدان ]