إشتقت لحديث ذاك الشيخ الفاني والحق يقال أنى اشتقت حقا لرؤية من معه من
الغواني فحثثت إليه المسير ولم يردني عنه برد ولا هجير ووصلت إليه بالسلامة
تاركا ورائي الندامة،فاستقبلنى بالحفاوة والترحاب قائلا (صمصام) يا أعـــز
الأحباب تفضل عل الرحب والسعة واستكن إلى الهدوء والدعة قبل أن نخـــوض فى
فى المعمعة وكانت ليلة ليلاءأخذت فيها مما أشاءورويت قلبي الظامىء بالمـاء
وسأخبركم من قصتي ما لا يلزم ودعوا من أخبارها ما يلزم
ومن بعد لهو طويل والليل قد أزمع الرحيل خلوت به فى المجلس وقلت له إجلس
وحدثنا عن شيخنا السلاف ذو اللمة المعطاف فوجم وخاف وقد أصابه الكدر وقال:
أي هذا الغثيث ما لنا ومال هذا الحديث أم تراك تريد إفساد ليلتنا الجميلة
ونسائمها العليلة فأقسمت عليه بالكلام وحرمت عليه بكل ما هو حرام وإلا سوف
يلحقه الملام فقال: حسنا سأخبرك بحديثه ثم جلس واتكأقائلا:
قد أتتنا الأخبار من أصحابنا الأخيار أصحاب الطبلة والطار أن هذا الشيخ
السلاف كان يجول بين القرى والهجر ولم يسلم منه بدو ولا حضر يدعو إلى الدين
القويم والصراط المستقيم وما انفك يدعو لهجر الفساد بين الحاضر والباد
حتى اشتكى منه الجماد وضج منه الخلق والعباد ومع ذلك لم يكل ولم يمل
وهو يدعو لفكره الموسوم بشعره المكلوم عن زمان مضى واندثر ولم يبق له فى
الدنى أي أثر يسعى بالإرجاف ويرجو ولا يخاف إن قيل له زجر وعيافة قال هذه
سخافة وحديث الباطل نحن نعافه وهمنا أن تعود الخلافة والثوم لا ينبت الجوافة
فهل ترى فى حديثه لطافة؟ وإن قيل له عربدة وكاس أجابنا وقال أنتم فتية
أنجاس تصبحون على منكر وتمسون على منكر وقد أنكر عليكم من أنكر، فبالله
عليك هل هذا قول عاقل من ينكر الأنس ويسعى للمعاقل فيقول لصاحب اللهو أنت
سافل جاهل متغافل، فياله من جاف غليظ والقلب قد أمتلأ منه حقدا وغيظ
وقد أخبرونا أنه فى تلك الليلة المطيرة والغنم قد سيقت إلى الحظيرة
دعوه إلى حفلة ووليمة تحييها الراقصة سليمة ومعها من النساء كل بغي ولئيمة
وضيفة الشرف الفاتنة سوزان سالبة عقل كل إنسان وسفيرة الفن والشيطان
فأبى واستكبر ورفع سوطه علينا وتجبر وهو يقول :قد أعذر إليكم من أنذر
أخبرنى بربك هل يملك مثل هذا إحساس أو أهل للطرب والإيناس ،وما أظنه إلا
ذو قلب بليد ومشاعر كأنها جليد أليست له همة أم تراه يعادي أهل القمة
فالناس فى واد وهو فى واد يأمل في ما لا يراد.
وحين وصل الحديث بنا إلى هذا المنعطف قام الشيخ ومن الشراب اغترف
ثم افترش الأرض ونام فكأنه إحدى الأنعام.
أما أنا فقد تركت خيمته فى هدوء والظهر من حمل
الذنوب ينوء متوجها نحو الديار مواصلا الليل بالنهار مترنما بقصيدة عصماء لشيخنا السلاف
حفظتها من زمن عن طريق شيوخ الخيمة
أكملت مسيرى وأنا أقول:
(القصيدة من قصائد السلاف )
رفقاً بقلبكَ إن هوى أو طارا
……..…فبأي قلبٍ في الهوى تتمارى
كم عانقته من الأماني عذبةٌ
……...…..غرّاءُ ترسلُ دفقها تيّـارا
تسمو به ترتادُ أجوازَ الفضا
……..….يعلو سحابا في السما موّارا
وعلى امتداد البيد كم لفّت به
………...أرجاءَها تطوي تُظّنُّ قطارا
ما ظنَّ إلأ الخيرَ في مقدورها
…...……..ما ظنَّ يوماً طبعها غدّارا
أو ظنَّ ثغراً فاقَ أزهار الربى
…….…حسنَ ابتسامٍ قد غدا مكشارا
أو أنّ حبّاتِ الندى في لحظةٍ
………...من دونِ إنذارٍ ستصبح نارا
كيفَ النسائمُ في الربيعِ عليلةً
…….…..تشتدّ في عصفٍ لها إعصارا
ما هذه الدنيا وفاءٌ طبعُها
…..……إن أنعمت عادت لتطلبَ ثارا
فكأنها أفعى تغير جلْدها
………...من بعد يُسْرٍ تحشد الإعسارا
الناسُ أبناءُ الحياةِ وأمهم
………..….توصيهمُ لا تتقوا الجبّارا
قل لي بربكَ كيفَ يصبح من رأى
………...….أحلامه في لمحتين دمارا
قد ضاقَ رحبُ الأفقِ عن أحلامه
………...واليأسُ أطبقَ حولهنَّ حصارا
ما كان إلا أن يحوقل صابرا
…………حمداً له ما شاءَ ربّكَ صارا
أو بعد ما قاسى يلامُ إذا قسا
…..لم يعرف الوجدَ من لم يصطل النارا
إنسَ الوفا من ذا الزمانِ وأهلهِ
……....….واخشَ الجآذِرَ مخلباً ودثارا
فكأنما للؤمِ أجرٌ سابغٌ
…… ….فترى الانامَ لنيلهِ تتبارى
"والظلمُ من شيم النفوسِ فإن ترى
………......ذا عفَّةٍ" فتلمّسِ الأعذارا
واصبر فما الأيام دامت لامرئٍ
…………...والدهرُ يبقى دائماً دوّارا
سبحانَ ربك لا مرد لحكمه
……….…فطر الطباعَ وقدّر الأقدارا
_____________________
__________________
-----------------------------
الأصدقاء أوطانٌ صغيرة
-----------------------------
إن عـُـلـّب المـجـدُ في صفـراءَ قـد بليتْ
غــــداً ســـنلبسـهُ ثـوباً مـن الذهـــــــــبِ
إنّـي لأنـظـر للأيـّام أرقـــــــــــــــــــبـهــــا
فألمحُ اليســْــر يأتي من لظى الكــــــرَبِ
( الصـمــــــصـام )
|