بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
أخي العزيز خشان
تحية طيّبة و بعد، أنا سعيد بالتّعليق الّذي تفضّلت بكتابته حول قصيدة* لا تعبئي بالنّاس * .و لقد حاولت الاتّصال بموقعك لكنّني لم أفلح ففضّلت أن يكون الحوار بيننامفتوحا .
أخي الكريم ...حول ما أشرت إليه ،أنّ عروض القصيدة لم يأت به العرب من قبل، و إن كان ذلك بتخطيط أم بالصّدفة..أجيبك أخي العزيز: كثيرا ما تلعب الصّدفة دورا في حياتنا ، فنتوصّل إلى أشياء هامّة .وقد كان الأمر دائما كذلك عبر العصور .و لكن ما يأتي بعد الصّدفة ، لا يمكن أن يأتي بدون تخطيط.
لقد كان يدور بذهني دائما أنّ الخليل بن أحمد الفراهيدي ، لو كتب له أن يعيش أكثر ممّا عاش، لسعى إلى ابتكار أوزان أخرى غير الّتي توصّل إليها.و لو كان ما توصّل إليه الخليل غير قابل للتّجاوز،لما ابتكر الأخفش البحر المتدارك.و لقد قرّ في ذهني و أنا أكتب هذه القصيدة، أنّ القوانين الّتي ضبطهاالخليل إنّما هي المبادى العامّة للشّعر العمودي.كما قرّ في ذهني أيضاأنّ ما دفع الكثير من الشّعراء المعاصرين ، إلى العزوف عن الشّعر العموديّ ،أمران :
1* كثرة الممنوعات في قوانين الخليل ،و محدوديّة الأوزان.و بما أنّني تشبّعت قراءة و سماعا بالشّعر العربيّ قديمه و حديثه، آمنت أنّ الشّعر يكون موزونا أو لا يكون لارتباطه بأعظم فنّين ، هما الموسيقى و التّصوير- أعني بالتّصوير، تقل الصّورة الحسّيّة إلى ذهن القارىء و شحنها بالأحاسيس و المدلولات الفكريّة، وكذلك نقل الصّور المعنويّة إلى وجدان القارئ حتّى يتم التّواصل بين الشّاعرين- :الشّاعر بالنّظم ، و الشّاعر بالقراءة أو السّماع.فكلاهما في حاجة إلى الآخر، لبناء المنظومة الشّعريّة إن صحّ التّعبير.هذه الأفكار الّتي خامرتني و ما زالت تخامرني حتّى الآن، جعلتني أزعم أنّه بالإمكان تأسيس أوزان شعريّة جديدة، ودعم المقاييس العروضيّة الخليليّة بمقاييس أخرى تكمّلها ولا تتعارض معها.و قد كدّت أنكبّ على بحث في هذا الاتّجاه لولا مشاغلي المهنيّة و العائليّة.و قد أعاقني عن ذلك شيء من الخوف من خطورة ما سأقدم عليه.إذ أنّ ركوب المخاطر يجلب لصاحبه المتاعب.و هذا ما حدا بي في بعض نصوصي أن أخرج أحيانا عن بعض الحدود الّتي رسمها الخليل.إلاّ أنّ مسألة الإقدام على أوزان جديدة ، ما تزال مجرّد فكرة لم أسع إلى تطبيقها بعد،و إن كنت أومن بأنّها ممكنة ، بل من الواجب الإقدام عليها إذا ما أردنا أن نعيد للشّعر العموديّ اعتباره ومكانته.
أمّا عن البيتين الأخيرين في القصيدة، و الملاحظة الّتي أشرت فيها إلى أنّ الضّرب فيها كان مستفعلن على خلاف الأبيات الأخرى ، فهذا ما لم أخطّط له .ولمّا ورد البيتان على هذه الصّورة ، لم يكن يخطر ببالي بالمرّة أنّني خرجت عن الوزن،لأنّني كنت في سياق موسيقى القصيدة، لا أخطّط للجزئيّات ، ما دمت مرتبطا بالنّتيجة:
لا تعبئي بالنّــاس في إسفافهم
.................قد تتعــب الأرواح بالأبــدان،
فالنّــاس قد ماتت مشــاعرهم
.................باعوا ضمائرهم إلى الشّيطــان.
و لو قدّر لي أن أعيد كتابة هذه القصيدة مرّة أخرى، لما كتبتهما إلاّ على هذا الشّكل و لو خالف ذلك بعض قوانين الخليل.
فلو تأمّلنا معا وزن كلّ من البحر الرّجز و الكامل، لما وجدنا فرقا كبيرا بينهما ،حتّى أنّ الأمر يختلط أحيانا علينا في التّفريق بينهما .و قد يصبح الحكم في ذلك بيت واحد يقرّر مصير القصيدة بأكملها ، هل هي من البحر الكامل أم من الرّجز.و الواقع أنّ الايقاع الموسيقي للبحرين ، هو إيقاع واحد و الاختلاف جزئيّ و بسيط .و لو أنّي لا أختلف معك في أنّ الرّجز هو الرّجز و أنّ الكامل هو الكامل و الحد ما بينهما هو قوانين الخليل.
و لعلّك أخي العزيز ، ستكون أوّل من سيدفعني بجدّيّة إلى اقتحام هذه القضيّة الخطيرة، قضيّة ابتكار أوزان جديدة في الشّعر العربيّ العموديّ.
و في الختام أرجو أرجو أن تتحمّل أفكاري بصدر رحب و لنا لقاءات على هذه الصّفحة ، أو على موقعك إذا تيسّر لي دخوله.
|