الغموض والتناقض ؟!
مفهومك الذي تطرحه عن الديموقراطية مفهوم غامض ومتناقض. وبغض النظر عن أن مرد هذا الغموض والتناقض هو الجهل بالديموقراطية وبالاسلام أم أن مرده محاولة تسويق الديموقراطية تحت اسم الاسلام فإن هذا الغموض والتناقض من شأنه أن يبعد أذهان المسلمين عن فهم حقيقة الاسلام، ومن شأنه أن يضللهم عن حقيقة الديموقراطية، مما يبعدهم عن الموقف الشرعي الذي يجب أن يتخذوه منها.
في بداية موضوعك قلت :
( قد لا يعلم البعض ممن انفتن بالحضارة الغربية وما تتمتع به من مظاهر العدالة والحرية والديمقراطية بان الدين الاسلامي هو أساس هذه المظاهر التي يتأنقون بها ونراهم للأسف يعتقدون بأنهم هم الذين قاموا بتأسيسها ) .
فأنت هنا تتدعي أن هذه الديموقراطية والحريات الموجودة في الحضارة الغربية أساسها هو الاسلام، يعني تريد أن تقول للمسلمين هنا أن الديموقراطية وكذلك العدالة والحريات التي تتمتع بها الحضارة الغربية موجودة في الاسلام، بل تدعي أن الاسلام هو أول من أسسها. فأنت هنا تتحدث عن الديموقراطية وعن الحريات وعن العدالة الموجودة في الغرب لا عن شيء آخر، وهذا الذي تتحدث عنه تقول أن الاسلام هو الذي أسسه. فأنت هنا تزين للمسلمين ديموقراطية الغرب وحرياته والعدالة الموجدة فيه على اعتبار أن الاسلام هو مؤسسها. وهذا التزيين دعاية واضحة للديموقراطية وللحريات العامة ولما أسميته بالعدالة مما هو موجود في الحضارة الغربية.
ولكنك بعد أن تدخل الأخ ميثلوني في النقاش معترضا على ما ادعيت غيرت رأيك فقلت أنك لا تقصد الديموقراطية بمعناها الغربي، وهذا نص ما ورد في ردك:
( اخي مثلوني في الشات
عندما تكلمت عن مفهوم الديمقراطية في الاسلام لم اقصد الديمقراطية بمعناها الغربي سواء كان الرأسمالي اوغيره ولكني قصدت الفكرة التي يكونها الناس عن الديمقراطية بما فيها من المشاركة الشعبية او حكم الشعب الذي انكرت وجوده في الفكر السياسي الاسلامي لمجرد انك ظننت انه نتاج فكر غربي .فكل فكر يتميز بديمقراطية معينة تختلف عن الافكارالسياسية الاخرى ولكني اردت ان اثبت ان للفكر السياسي الاسلامي فكرة تتميز عن غيره وهي المساواة بالذات .
فالفقير المعدم الذي ذكرته انت يستطيع ان يصل لنظام الحكم في الاسلام وهذا يدل ان للفكر السياسي الاسلامي صيغة مميزة عن غيره من الافكار الاخرى التي لانريد مقارنتها به حتى ولو جمعنا بينهم بمسمى واحد ).
فأنت هنا تقول ( لم اقصد الديمقراطية بمعناها الغربي سواء كان الرأسمالي اوغيره ) وهذا يعني أنك تقر بأن للديموقراطية معنى غربي يتناقض مع الاسلام وأنت لم تقصده، فصار للديموقراطية معنيان أحدهما غربي لم تقصده والآخر إسلامي وهو الذي قصدته، ومعنى ذلك أن الديموقراطية التي تتمتع بها الحضارة الغربية ليس أساسها الاسلام ولا صلة للاسلام بها. وهذا يتناقض مع ما قلته في مقدمة موضوعك.
وحتى تؤكد على أن المعنى الذي قصدته للديموقراطية ليس هو المعنى الغربي قمت بحصر مفهوم المشاركة الشعبية وكذلك مفهوم حكم الشعب بانتخاب الحاكم فقط، أي أخرجت موضوع إعطاء الشعب حق التشريع الذي هو واحد من مفاهيم الديموقراطية الغربية، بل انك جعلت الاسلام متميزا عن غيره في مسألة انتخاب الحاكم حيث تتحقق في الاسلام المساواة مما هو ليس موجودا في الديموقراطية الغربية، فأنت هنا تقول أن الاسلام يختلف عن الديموقراطية حتى في مسألة انتخاب الحاكم، وليس فقط لكونها تعطي الشعب حق التشريع أو لكونها تجعل السيادة للشعب بدلا من الخالق عز وجلّ . فكيف تكون هذه الديموقراطية والعدالة والحريات التي تنادي بها الحضارة الغربية أساسها الاسلام ؟!
وإذا كان مصطلح الديموقراطية مصطلح غربي ، وهو كلفظ لم تجده في الاسلام، لا شبيها له ولا بديلا عنه، وإذا كان معنى هذا المصطلح كما هو عند الغرب يتناقض مع ما هو موجود في الاسلام فلماذا تروج لهذا المصطلح ، ولماذا تصر على استعماله للتعبير عن معنى غير معناه الحقيقي ؟!
على أن تناقضك مع نفسك لم يقف عند هذا الحد بل أنك قلت بعد ذلك ما يتناقض مع ما قلته في ردك على الأخ ميثلوني ، ذلك أنك في ردك على تعقيبي بتاريخ 2\9\2001 تراجعت عن حصر مفهوم المشاركة الشعبية بانتخاب الحاكم إلى القول بجواز أخذ تشريعات من عند الغرب ، فقد قلت ما نصه :
( نحن المسلمون لدينا عدة ثقافات وهي . ان ناخذ مما نستفيد منه من الغرب ونترك ماعداه وهذا مانريده) .
وقلت أيضا :
( لقد نسيت نقطة احببت الرجوع اليها
وهي انك ذكرت ان الاسلام منحصر بالتشريعات الالهية ولاوجود فيه للمشاركة الشعبية , ولكني ذكرت في الموضوع ان الاسلام حدد اثوابت الاساسية وترك الباب مفتوحا لتطور الافكار . فحاليا توجد تشريعات او انظمة بالاصح نتيجة قوانين وضعية كنظام العمل والعمال ) .
فأنت هنا تتدعي أن الاسلام ترك الباب مفتوحا لتطور الأفكار، فيجوز لنا أن نأخذ تشريعات من هذا الغرب كالتشريع المتعلق بالعمل والعمال. فصارت المسألة بالنسبة لمفهومك عن المشاركة الشعبية هي انتخاب الحاكم والتشريع أيضا.
كل ذلك دلَّ على أن الفهم الذي تطرحه سواء عن الديموقراطية أو عن الاسلام فهم مضطرب متناقض بغض النظر عن السبب.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
|