عرض مشاركة مفردة
  #19  
قديم 11-08-2001, 07:14 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

واما حديث الدار كما يرويه كنز العمال وشرح نهج البلاغة فانه يتلخص فيما يلي:
لما نزلت { وانذر عشيرتك الاقربين } دعا الرسول عليا وكلفه بتحضير الطعام ودعوة آل عبد المطلب ، فقام علي بتنفيذ الاوامر . وبعد ان شبع القوم وارتووا ، وقف الرسول بينهم خاطبا : يا بني عبد المطلب اني والله ما اعلم ان شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، اني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله ان أدعوكم اليه فأيكم يؤازرني على هذا الامر على ان يكون اخي ووصيي وخليفتي فيكم ، احجم القوم عن الدعوة الا عليا وهو احدثهم سنا، فقد أجاب قائلا : انا يا رسول الله اكون وزيرك عليه، اما النبي فقد اعاد القول ولا يزال القوم محجمين، ولا يزال علي معلنا القبول، وعندئذ اخذ النبي برقبة علي وقال للحاضرين : هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا ، والقوم يضحكون من النبي ودعوته وقد قالوا لابي طالب وهم يخرجون من دار النبي : قد أمرك ان تسمع لابنك وتطيع ". هذه خلاصة حديث الدار كما يرويها المحتجون بها .

وقد روى البخاري حادثة يوم نزلت { وانذر عشيرتك الأقربين } بأن الرسول صعد على الصفا ولم يرو اعداد الطعام. وروى احمد بن حنبل في مسنده حديثين، حديثا عن صنع الطعام ولم يذكر فيه انه كان يوم نزلت { وانذر عشيرتك الأقربين } وحديثا ذكر فيه انه صنع الطعام يوم نزلت الآية. ونعرض هذه النصوص اولا ثم نبين ما فيها :
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ولما نزلت { وانذر عشيرتك الأقربين } صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل اذا لم يستطع ان يخرج، ارسل رسولا لينظر ما هو ، فجاء ابو لهب وقريش فقال : ارأيتكم لو أخبرتكم ان خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم اكنتم مصدقي ؟ قالوا نعم ما جربنا عليك الا صدقا ، قال فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب : تبا لك سائر هذا اليوم، ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت { تبت يدا أبي لهب وتب ، ما أغنى عنه ماله وما كسب }. وهذا يدل على ان حادثة صنع الطعام لم تكن يوم نزلت { وانذر عشيرتك الأقربين } لانها لا تلتئم مع ما ورد في نص الحديث.

روى أحمد بن حنبل في مسنده قال : ( حدثنا عفان ، حدثنا ابو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن ابي صادق عن ربيعة بن ناجذ عن علي قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم او دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب العرق، قال فصنع لهم مدا من الطعام فأكلوا حتى شبعوا، قال وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس، ثم دعا بِغُمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس او لم يشرب، فقال : يا بني عبد المطلب، اني بعثت لكم خاصة والى الناس بعامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم فأيكم يبايعني على أن يكون اخي وصاحبي ؟ قال فلم يقم اليه احد ، قال فقمت اليه وكنت اصغر القوم قال : فقال اجلس. قال : ثلاث مرات كل ذلك اقوم اليه فيقول لي اجلس، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي ) انتهى النص . ومنه يتبين انه لا ذكر لحادثة نزول { وانذر عشيرتك الأقربين } وان الرسول عرض عليهم الاسلام ومن يسلم يكن اخا الرسول وصاحبه ولم يقل لعلي شيئا.
واما الرواية الثانية فقد روى احمد بن حنبل في مسنده قال : ( حدثنا اسود بن عامر حدثنا شريك عن الاعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الاسدي عن علي قال : لما نزلت هذه الآية { وانذر عشيرتك الأقربين } قال : جمع النبي صلى الله عليه وسلم اهل بيته ، فاجتمع ثلاثون، فأكلوا وشربوا قال : فقال لهم : من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليلي في اهلي ؟ فقال رجل لم يسمه شريك : يا رسول الله انت كنت بحراً من يقوم بهذا . قال : ثم قال الآخر ، قال : فعرض ذلك على اهل بيته، فقال علي : انا ) انتهى النص . ومنه يتبين ان الرسول طلب من اهله شخصا يضمن دينه ومواعيده وجزاء ذلك يكون معه في الجنة ويكون خليله في اهله، فقال علي أنا . ولا يوجد في هذين النصين كلمة وصيي ، ولا كلمة خليفتي. وهذه النصوص هي التي وردت في الكتب الصحاح ووردت هي نفسها بروايات متعددة بالفاظ متقاربة ومعاني واحدة، ولم يرد فيها جميعها كلمة وصيي ولا كلمة خليفتي، ولم يرو أحد من أصحاب الصحاح جميعهم، ولا من طريق ثقة من الثقات حديثا فيه كلمة وصيي او كلمة خليفتي، لا بالنسبة لعلي ولا بالنسبة لغيره..

اما النص الذي رواه من يحتجون باستخلاف علي واطلقوا عليه اسم حديث الدار، فان هذا النص بهذه الرواية مردود دراية. والحديث يرد دراية من حيث المعنى، ورواية من حيث السند. فاذا رد رواية او رد دراية سقط اعتباره، وسقط الاحتجاج به. اما رده دراية فلعدة امور منها :

اولا- في هذا الحديث يُرى ان الرسول يطلب مؤازرة آل عبد المطلب له في دعوته ويشترط ان يكون لهم الامر من بعده . وهذا باطل من وجهين :
احدهما انه يناقض قول الرسول وفعله في حادثة حين رفض طلب قبيلة ان يكون لها الامر من بعده اذا اسلمت ، وقال " الامر لله يضعه حيث يشاء ". فقد روى روى ابن هشام في كتابه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قال ( قال ابن اسحق وحدثني الزهري انه اتى عامر بن صعصعة، فدعاهم الى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم يقال له بحيرة بن فراس : والله لو اني اخذت هذا الفتى من قريش لاكلت به العرب، ثم قال له : أرأيت ان نحن بايعناك على امرك ثم اظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الامر من بعدك ؟ قال : الامر لله يضعه حيث يشاء. قال : فقال له : أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الامر لغيرنا ، لا حاجة لنا بأمرك، فابوا عليه ) فكيف يقول الرسول " الامر لله يضعه حيث يشاء " اي أمر الخلافة والحكم من بعده، ويقول لبني عبد المطلب " فأيكم يؤازرني على هذا الامر على ان يكون اخي ووصيي وخليفتي فيكم " أليس ذلك تناقضا واضحا ؟ فلا بد ان يكون احد القولين مردود حتما. وبما ان حديث الدار يقال انه كان حين نزلت { وانذر عشيرتك الأقربين } اي في السنة الثالثة للبعثة وحديث " الامر لله يضعه حيث يشاء " قد حصل حين عرض الرسول نفسه على القبائل اي في السنة العاشرة للبعثة اي بعد حديث الدار فيكون حديث الدار هو المردود.

اما الوجه الثاني فهو ان الرسول في هذا الحديث يجعل للكفار شيئا حتى يسلموا ، بل يجعل لهم أعظم الامور وهو الخلافة من بعده على المسلمين جميعا ثمنا لدخولهم في الاسلام ، وهذا يناقض عمل الرسول في دعوته ويناقض احكام الشرع. فالرسول كان يدعو الناس للاسلام لانه الدين الحق، ولم يرو عنه ولا حديث ضعيف ، انه جعل شيئا قل او كثر لكافر مقابل ان يدخل في الاسلام. واما المؤلفة قلوبهم فهم مسلمون يعطون من الزكاة لتتقوى بهم الدولة، وليسوا كفارا يعطون ليدخلوا في الاسلام، ولا يجوز أن يعطى الكفار شيئا مقابل ان يدخلوا في الاسلام.

ثانيا- ان الحديث يذكر ان الرسول قد أولم الوليمة وأعد الطعام للكفار من اجل ان يدعوهم للاسلام، وجمعهم على الطعام ليدخلوا في الاسلام، ولم يصنع الطعام لعلي المسلم، فاذا رفض هؤلاء الاسلام ورفضوا ان يكون لهم الامر من بعده مقابل ان يسلموا ، فلا شأن لعلي في ذلك حتى يتصدى للاجابة لانه ليس مدعوا للاسلام اذ هو مسلم، ولا خطاب موجه له، فلا شأن له في هذا الاجتماع حتى يقول له " هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا " اذ هو ليس محل خطاب ولا محل مفاوضة.

ثالثا- ان الحديث يذكر ان القوم رفضوا الاسلام، وبالرغم من تكرار عرضه عليهم اصروا على الكفر وعلى رفض ان يكون لهم الامر من بعده مقابل دخولهم في الاسلام ، وظلوا كفارا فكيف يقول لهم الرسول مخاطبا اياهم " هذا خليفتي فيكم " ويأمرهم بالسمع والطاعة له ، وهو يعلم انهم كفار قد رفضوا الاسلام ؟ وكيف يكون خليفة فيهم وهم كفار ؟

رابعا- ان الرواية التي يروونها تقول " هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا " فهو خطاب لآل عبد المطلب، اذ صدّر الكلام بقوله يا بني عبد المطلب، فهو خاص بهم، اذ قد جعله خليفة فيهم، اي في آل عبد المطلب لا خليفة للمسلمين، اذ قال " وخليفتي فيكم " فلا يكون حينئذ خليفة للمسلمين كما هو صريح النص . ولا يقال هنا العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، لأن هذه واقعة عين ، وليست سببا. فضلا عن ان اللفظ أيضا خاص وليس بعام " يا بني عبد المطلب " " وخليفتي فيكم " فتلزمه الخصوصية من حيث كون الحادثة واقعة عين لا سببا، ومن حيث عدم عمومية اللفظ.

فهذه الامور الاربعة يكفي واحد منها ان يبرز كذب هذا الحديث وتناقضه، وانه واجب الرد دراية. وبهذا يتبين ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينص على جعل علي خليفة بعده. ومن ذلك كله يتبين ان الاحاديث التي رواها من يحتجون بان الرسول صلى الله عليه وسلم قد عيّن شخصا للخلافة بعده احاديث مردودة لا تصلح للاحتجاج فتسقط. فلم يبق اي دليل على ان الرسول عين احدا ليتولى الخلافة بعده، بل قام الدليل على عكس ذلك ، اي على ان الرسول ترك الامر للمسلمين من حيث الاشخاص يختارون من يريدون ولكنه عين لهم طريقة نصب الخليفة.


واما خطأ القول بان الرسول عين الاشخاص الذين يكونون بعده، فانه ظاهر من عدم دلالة الاحاديث التي قالوا انه عين عليا فيها. ومن يقولون ان الخلافة لهم انما يقولون ذلك لهم لانهم ابناء علي، فاذا سقطت حجيتهم بالنسبة لعلي سقطت بالنسبة لاولاده تبعا لسقوط الحجة بالنسبة له. وفوق ذلك فان الاحاديث التي يروونها باعتبارها دليلا على خلافة ابناء علي بالنص من الله ورسوله، هي الاحاديث المتعلقة بآل البيت ، كلها تتضمن المدح وليس اكثر من ذلك ، ويعتبر حديث الثقلين اي حديث غدير خم نموذجا لها، وقد تبين بوضوح سقوط الاحتجاج به وتتبعه باقي الاحاديث " .
انتهى البحث المنقول.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله