''القبول في الكليات الطبية السعودية : ما أشبه اليوم بالبارحة!''
أيار 8, 2001
د. محمد جعفر آل حسن ''القبول في الكليات الطبية السعودية : ما أشبه اليوم بالبارحة!''
يتأفف الناس من روائح المجاري عندما تطفو إلى السطح، وهاهم يتأففون من الرائحة المزكمة للأنوف عندما ظهرت نتائج قبول الطالبات والطلاب في الكليات الطبية بجامعة الملك سعود، فرائحة الواسطة والمحسوبية والمناطقية أمرضت العديد من الأصحاء الذين يعتمد عليهم الوطن للتقدم وأمرضت كذلك أولياء الأمور الذين طالما حلموا بأن يروا أبنائهم في المواقع التي تناسبهم ليس اعتماداً على الواسطة ولكن اعتماداً على قدراتهم ودرجاتهم. إن هؤلاء الأصحاء بذلوا الغالي والنفيس وسهروا الليالي الطوال حتى يجنوا ثمار تعبهم ليس بالنوم، ولكن بالعمل الجاد في خدمة الوطن، ولكن كيف يتم ذلك والروائح الممرضة والتي نخرت في أعلى جامعاتنا سبقتهم وأمرضتهم. وحتى مع انتشار هذه الروائح الممرضة والمنتشرة واستمرارها عاماً بعد عام، وشكوى الأهالي، لم يستجب المسؤولون بل دفنوا رؤوسهم في التراب، والبعض سافر خلال هذه الفترة الحرجة في الجامعة، حتى لا يسمعوا شكوى أهالي المرضى.
لقد كتبت عن القبول في الكليات الطبية في الجامعات السعودية قبل أكثر من عام، وكتبت مرةً أخرى بعنوان "من يضمن مقعداً لإبني في الجامعة" في صحيفة الاقتصادية بتاريخ 19 يونيو لعام 2000 وكيف أن جامعة الملك فيصل وجامعة الملك سعود تقبل طلاب وطالبات بمعدلات منخفضة وترفض معدلات أعلى بحجة الرسوب في المقابلة الشخصية والتي هي أبعد ما تكون من أن تحدد مستوى قدرات الطالب أو الطالبة.
بعدها وصلتني العديد من الرسائل الإلكترونية شاكرةً تارةً على إثارة هذا الموضوع الذي حرق قلوب العديد من الطلاب والطالبات وأولياء الأمور، وتارةً تحكي قصص تدمي القلوب بسبب مأساويتها حتى قاربت على البكاء، وأنا متأكد بأن كاتبيها بكوا فعلاً.
لقد توقع أولياء الأمور بأن القبول في الكليات الطبية سيختلف هذا العام، أي سيكون منصفاً ولن يعتمد على الامتحان والمقابلة الشخصية، ولن تكون هناك واسطة أو محسوبية، ولن يكون القبول استناداً على اسم العائلة ومكان الميلاد، لقد تفاءل الناس واعتقدوا بأن هذا العام سيكون عام العدالة في القبول.
أما أنا فلم يخطر في بالي أي شيء من ذلك، بل كانت قناعتي بأن المسؤولين في الجامعات وعلى عادتهم لا يرون، لا يسمعون، ولا يتكلمون، ولكن يعملون ما يريدون. فالواسطة وصلت إلى مرحلة متقدمة أدت إلى رفض طالبات معدلاتهن 99.9% والسبب هو المقابلة الشخصية والتي تعني تكريس لواقع سيء رغم أنوف المعارضين، منهم.
إن نتائج القبول في جامعة الملك سعود لهذا العام، كسابقها، لم تتغير، بل أصبحت أكثر وقاحة في عرضها لأسماء المقبولات من جميع أنحاء المملكة، ولنتريث وأحكي لكم الحكاية. إن القبول في الجامعات السعودية لا يفرق بين المناطق، فالقبول للجميع، والفيصل هو الدرجات والدرجات فقط، ولهذا حدثت ضجة في الصحف قبل مدة قصيرة في القصيم لقبول طالبات في كليات البنات بمعدلات أقل للقاطنات في القصيم وطلب معدل أعلى للطالبات من غير القصيم.
ولهذا دلالته، فنحن في وطن واحد والجامعات للجميع، وليست لمنطقة بعينها، وإذا ما أراد شخص أن يتحدث عن قبول لطلبة أو طالبات في مدينة ما، فما عليه إلاّ أن يطلب منهم الجد للحصول الدرجات التي تؤهلهم للحصول على المقاعد في الكليات المرغوبة. أما أن يتم فتح مقاعد أكثر لمنطقة دون غيرها، مع أن التأهيل أعلى لطلاب أو طالبات منطقة أخرى، فهذا ليس عدلاً، إلاّ إذا كانت هذه المقاعد اشتراها أو أن الجامعة بناها بنفسه له ولأولاده، لكن الجامعات السعودية بنتها الدولة حفظها الله والعاملين فيها تقوم الدولة بدفع رواتبهم وهم في خدمة الناس والوطن، ولم تفرق يوماً بين مواطن وآخر استناداً إلى مكان ميلاده أو اسم العائلة، وهذا ما جعلنا نتحرك للأمام وبسرعة أتاحت للوطن فرصة ليسترد الجميل من أبناءه البررة.
لكن جامعة الملك سعود تخالف ذلك صراحة، وانظر الجدول لترى كيف تم توزيع الطالبات هذا العام، وهو لا يختلف كثيراً عن قبول الطلاب أيضاً، فقد رفضت كلية الطب بجامعة الملك سعود طالباً بمعدل 99.6% لأنه رسب في المقابلة الشخصية، وللعلم هذا الطالب حقق مستوى الرابع على المنطقة الشرقية بالمملكة:
منطقة القطيف والأحساء المناطق الأخرى المجموع الكلي عدد المرشحات للمقابلة الشخصية 230 مرشحة 38% 366 مرشحة 62% 596 طالبة مجموع المقبولات 66/230 28% 345/366 94% 411 طالبة
كما يشير الجدول إلى أنه من 230 طالبة اجتزن الامتحان وترشحن للمقابلة الشخصية نجحت فقط 66 طالبة (28% فقط)، مقارنةً بالطالبات الأخريات من مناطق المملكة فقد نجحت 345 طالبة من أصل 366 (94%)، وبسهولة نعرف لماذا رسبن الطالبات إذا ما قرأنا بعض الأسئلة الطبية العميقة والتي تدل على أن من يضع هذه الأسئلة هم من الأساتذة الأفاضل في الكليات الطبية، مثل: ماذا تفعلين لو ضاع جوالك، وهل تتهمين إحدى صديقاتك بأنها سرقته، ولو سقطت على الأرض ماذا تفعلين. الأغرب من ذلك أنه تم سؤال إحدى الطالبات عن قدرتها في صنع الشاي، وأجابت نعم، وبالفعل كان هناك سؤال تحريري، أي أن طلبوا من الطالبة أن تصنع شاياً وقامت الطالبة بذلك ونجحت في صنع الشاي ونجحت في اجتياز المقابلة الشخصية. أنا لست ضد أن يقوم الطالب أو الطالبة بصنع الشاي لأستاذه أو أستاذتها، بل على العكس من ذلك، ولكن هل هذا هو السؤال المناسب الذي عليه يتم تحديد قدرة الطالبة على تميزها لدخول كلية الطب؟ إذاً لا غرابة في أن ترسب طالبات الشرقية في هذا الامتحان العويص، فأكثرهن بدون جوال، ويسقطن على الأرض كثيراً بسبب عباءاتهن التي ترفل في الأرض، فلا يعرفن الإجابة على هذه الأسئلة المعقدة والتي لا يستطيع الإجابة عليها إلاّ طالبات غير الشرقية، وربما لم تعلمهن أمهاتهن كيفية عمل إبريق الشاي لكثرة انشغالهن بالمذاكرة، ولاعتقادهن بأن مهنة الطبيب هي تخفيف آلام المرضى لا صناعة الشاي لهم، إلا بوصفة طبية! إن كل ما أطلبه هو العدالة ولست ممن يريد إثارة فتنة ولكن الفتنة هو أن نرى هذه السخافات صراحةً كل عام ولا نحرك ساكناً.
إنه من المخزي جداً أن تقوم جامعة مثل جامعة الملك سعود والتي شهرتها وصلت الآفاق وعلى كل لسان، وحتى وقت قريب كان يشار لجامعة الملك سعود بالبنان لتميزها وتميز المتخرجين منها، أن تقوم بفرز الطالبات استناداً لاسم العائلة ومكان الميلاد ولا شك في أن وراء هذه الأعمال من له طموحات شخصية يريد أن يصل إليها على حساب المجتمع، والأسئلة هنا كثيرة وأعيدها مرةً أخرى:
2) اذا لا يتم إرجاع نتائج الطلاب والطالبات المتقدمين للكليات الطبية لأصحابها؟
2) لماذا لا يتم الاعتماد على نتائج الامتحانات التحريرية فقط؟ (طبعاً مع إرجاع النتائج للطلاب والطالبات، فأنا شخصياً أشك في نزاهة التصحيح).
3) لماذا المقابلة الشخصية لطالبات حصلن على 98، 99، و 100% في الثانوية العامة، وهل سنطلب في السنوات القادمة درجات أعلى من 100%، مثل 110% إضافةً إلى الواسطة؟
4) ولماذا هذه الأسئلة السخيفة والنتنة في آن وهل هناك أسلوب علمي وراءها.
5) لماذا لا يتم رفض طالبات وطلاب الشرقية ابتداءً ولنكن صريحين معهم بأن جامعة الملك سعود ترفض قبولهم لأن الجامعة فقط لأصحاب الواسطات والمنتفعين ومن فقد الحس الوطني ومن يرى أن المواطنين طبقات وليسوا متساوون أمام الله والقانون، كل حسب عمله.
هناك المزيد من الأسئلة التي يجب أن يجيب عليها المسؤولون في جامعة الملك سعود، وبالذات مسؤولي القبول والتسجيل والذين هم أدرى بما ذكرت هنا , وكيف أن أحد المسؤولين في القبول والتسجيل بجامعة الملك سعود يتحدث إلى والد إحدى الطالبات والتي معدلها يفوق 99% بأن يشك في مستوى الطالبات لأن العديد من بنات الشرقية بمعدلات عالية في نتائج الثانوية العامة ويشك في أن حصولهن على المعدل العالي بسبب الغش في الامتحانات، أي أنه يشكك في وزارة المعارف مباشرةً والنظام التعليمي التحت جامعي ككل. ولقد زرت صفحة القبول للطالبات وطلبت معلومات عن أعداد الطالبات المقبولات والمناطق التي ينتمون إليها ولم يصلني الجواب إلى الآن، والحق يقال بأن مسئولي القبول والتسجيل هذا العام أذكى من سابقيهم، فهم لم يكتبوا المنطقة التي تنتمي إليها الطالبة ولا معدل الثانوية للطالبة ظناً منهم بأننا لن نتعرف عليهم، ولكن كان ذلك واضحاً وضوح الشمس، وعندما قرأت الأسماء وعملت حساباتي خنقتني العبرة وكيف لا وأنا أرى أبناء هذا الوطن المخلصين المتفوقين يتم رفضهم لأسباب غير أخلاقية والكثير من هؤلاء من المتوسطي الحال، ولربما من الفقراء، ولا يستطيعون دفع كلفة دراسة أبناءهم وبناتهم في الخارج، وحتى لو تمكنوا مادياً، فأكثرهم يرفض أن يترك أبناءه في هذا العمر في بلاد الغربة، ولأجل الوطن اجتهدوا ولأجل الوطن كافحوا، ولأجل الوطن عانوا، وهاهم يعانون، أفلا نجد من يجفف دموعهم ويعيدهم إلى مواقعهم الحقيقية التي نالوها بالصدق والعزيمة والإصرار، نالوها بالعمل الجاد والسهر، نالوها أملاً في رد جميل هذا الوطن الذي في أعناقهم، ونالوها رغبة في رفع راية الوطن عالية خفاقة ليرى الآخرون كيف أن أبناء الوطن البررة قادرين على الرقي والتقدم.
إن طلابنا وطالباتنا بهذه المستويات العالية لو كانوا في أي بلد آخر من بلاد الغرب، هل نتوقع أن يتم رفضهم في كليات الطب أو غيرها وحتى مع كونهم أجانب؟
أشك في ذلك كثيراً، وأعتقد بأن هذه الدول ستقدم لهم منحاً وستقوم بعرض أكثر الخدمات لهم حتى لا يهاجروا إلى بلد آخر، وأعتقد بأن هذه الدول ستوفر لهم من الإمكانيات المادية الكثير حتى يتفرغوا للدراسة وكنوع من الحافز لهم للجد. إن هذه الدول تفكر على المدى الطويل، وترى أن الاستثمار في العقول يعني التقدم لهذه الدول، ولهذا تستقطب كفاءات العالم الثالث بالحوافز المادية والمعنوية باستمرار، ومازال العالم الثالث يفقد كفاءاته باستمرار. وهذا أقرب مثال كيف أننا لا نهتم بالطاقات البشرية لدينا، وبدل أن يكونوا في المقدمة مرفوعي الرأس نفتخر بهم ويفتخر الوطن بهم وبأمثالهم، نرى أكبر جامعة في المملكة تترك الباب مشرعا لأصحاب المصالح والهوى ليدخلوها ويقفلوه في وجه من أتى للعلم والمعرفة، أتى للعمل، أتى وأمامه هدف وهو خدمة الوطن، اللهم حقق أهدافهم ويسر أمورهم، فهذه البلاد وقادتها أدامهم الله وحفظهم أبوابهم مشرعة لكل مواطن ليبث همه ويشكو حاله، فحرصوا دوماً على إقامة شرع الله والعدل بين الناس، ومن هنا نتوجه لقيادة هذا الوطن الغالي بأن يحققوا في هذا الموضوع الجلل ومعاقبة من يريد شق وحدة الوطن عن طريق التفرقة بين الشعب الواحد، اللهم آمين.
د. محمد جعفر آل حسن
جامعة الملك سعود
|