عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 17-08-2001, 01:24 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

ورد في تعقيبك : ( وأما الآيات الكريمة { لا تدركه الأبصار } { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } { ليس كمثله شيء } فإنها تـنـزه الله عن إن إمكانية وصفه أو رؤيته عز وجل ولا تنفي وجود ضروريات يحكم بها العقل حتى لو كانت هذه الضروريات متعلقة بالله سبحانه وتعالى...).
وقد أوردت ثلاثة أمثلة على الضروريات العقلية أولها أن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود وأنه قديم وليس بمحدث، وثانيها نفي الجسمية عن الله سبحانه وتعالى، وثالثها نفي ان يصدر ما هو قبيح من الله سبحانه وتعالى.

وأما تعقيبي فعلى النحو الآتي:

أولا- أنت نفسك قلت : ( فإنها تـنـزه الله عن إمكانية وصفه ) ومفهوم قولك هذا ان الآيات تدل على أنه لا يمكن لعقولنا أن تصف الله سبحانه وتعالى بما لم يصف به نفسه.


ثانيا- كلمة الخالق لها مدلول محدد وهو الأزلي واجب الوجود، والأزلي واجب الوجود لا يمكن أن يكون محدودا، لأن المحدود عاجز وناقص ومحتاج. فقيام الدليل العقلي على وجود الخالق معناه قيام الدليل على وجود الأزلي واجب الوجود أو غير المحدود. وهذا كله بحث في وجود الذات الأزلية واجبة الوجود وليس هو بحثا في نفس الذات. وقد أدركنا وجودها بالحس من ادراكنا لوجود المخلوق. بمعنى أن وجود الله أمر محسوس ومدرك عن طريق الحس لأن الأشياء المدركة المحسوسة قد دل احتياجها الى الأزلي ، على وجود الخالق . فالبرهان لم يثبت صفة لله تعالى بانه ازلي واجب الوجود أو أنه غير محدود أو أنه غير عاجز وغير ناقص وغير محتاج بل البرهان أثبت وجود الذات الأزلية واجبة الوجود وهي الله سبحانه وتعالى.


ثالثا- ذات الله سبحانه وتعالى لا تقع تحت الحس، والله سبحانه وتعالى { ليس كمثله شيء } فلا يمكن التفكير في ذات الله تعالى ، ولا يمكن قياسها على الانسان، فلا يصح أن نوجب الفعل الحسن على الله تعالى أو أن ننفي الفعل القبيح عنه سبحانه وتعالى حسب فهم الانسان للحسن وللقبيح. فقد حسن الله سبحانه وتعالى افعالا ينفر منها الانسان ولا تتفق مع ما يراه عقله، قال تعالى { كتب عليكم القتال وهو كره لكم }، وكانت العرب ترى في زواج الرجل من زوجة ابنه بالتبني فعلا قبيحا وتنفر منه نفوسهم، فحسن الله سبحانه وتعالى هذا الفعل، وقد نزل في ذلك قوله تعالى : { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا . وكان أمر الله مفعولا }. وفي نفس الوقت نجد أن الله سبحانه وتعالى قد قبح أفعالا يميل اليها الانسان كالزنا . كما أن هناك صفات يقبحها العقل كالكذب وجاء الشرع فحسنه في أحوال معينة كالحرب واصلاح ذات البين والكذب بين الزوجين، فلم يجعل الله تعالى كل الكذب قبيحا. فإذا كان العقل عاجزا عن الحكم بما يصح وبما لا يصح أن يصدر من الانسان فكيف يمكن له ان يحكم بما يصح وبما لا يصح أن يصدر من الخالق الذي خلق الانسان ؟! وإذا لم يكن للانسان الحق في اصدار الأحكام بالحسن والقبح على أفعاله هو فكيف يعطى الحق في اصدار الأحكام بالحسن والقبح على أفعال خالقه ؟!


رابعا- قال تعالى : { قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا * فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا امرا * قال ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا * قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا * فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا * قال ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا * قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا * فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتخذت عليه اجرا * قال هذا فراق بيني وبينك . سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا } { وما فعلته عن أمري . ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا }.

فهذه الآيات الكريمة تبين ان هناك أفعالا قبيح ان يفعلها الانسان لكنها بالنسبة لخالق الانسان فعلها حسن وليس بقبيح، فنفس الفعل يكون قبيحا بالنسبة للانسان وحسنا بالنسبة لله سبحانه وتعالى.
وأيضا هذه الآيات تبين بشكل واضح أن عقل الانسان عاجز عن الاحاطة بحكمة الله سبحانه وتعالى من الفعل أو بالعلة التي لأجلها فعل الفعل، لأن الحكمة أو العلة في علم الله تعالى ، وعلمه لا يقع تحت حس الانسان، فإذا لم يرد نص بالحكمة أو بالعلة لا يمكن أن ندركها، وكل قول بالحكمة أو بالعلة من غير النص هو مجرد فرض نظري. فلا يصح أن يتصور العقل حكمة أو علة ثم بناء على ذلك نوجب على الله سبحانه وتعالى أن يفعل فعلا أو أن ننفي عنه فعل هذا الفعل.


خامسا- لو ترك للانسان أن يوجب الفعل الحسن على الله تعالى وان ينفي عنه الفعل القبيح لاختلف الحكم على الله سبحانه وتعالى باختلاف الأشخاص والازمان. فالمشاهد المحسوس ان الانسان يحكم على أشياء أنها حسنة اليوم ثم يحكم عليها غدا أنها قبيحة ، ويحكم على أشياء انها قبيحة أمس ويحكم عليها نفسها اليوم أنها حسنة ، وبذلك يختلف الحكم على الشيء الواحد ولا يكون حكما ثابتا ، فيحصل الخطأ . وهذا يعني أن يكون الفعل في زمن واجبا على الله تعالى وفي زمن آخر واجب النفي عنه، ويكون حسنا بالنسبة لأشخاص وقبيحا بالنسبة لغيرهم ، وهذا كله مما لا يصح قطعا.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله