عرض مشاركة مفردة
  #24  
قديم 30-08-2001, 10:41 AM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

9- الاستغناء عن المنطق :

قلت : ( وأما ما جاء في ثالثا حيث أخذت علي أنني حصرت العقل أو التفكير بإدراك الأمور المنطقية فقط مع أن المنطق هو أسلوب من أساليب العقل فإن قولك هذا جميل وقد استفدت منه الكثير وجزاك الله خيرا على هذا التنبيه غير أنني لم أفهم عبارتك أن الإنسان يمكنه الاستغناء عن المنطق وأرجو لو توضح ذلك ولا بأس بالاستعانة ببعض الأمثلة ).

يمكن الاستغناء عن المنطق لأنه أسلوب في التفكير وليس طريقة، لأن الأسلوب هو كيفية غير دائمة، وأما الطريقة فهي كيفية دائمة . والفرق بين الأسلوب المنطقي وبين طريقة التفكير العقلية هو أن المنطق عبارة عن بناء فكر على فكر بحيث ينتهي الى الحس والوصول عن طريق هذا البناء الى نتيجة معينة، وأما طريقة التفكير العقلية فليس فيها أية عملية بناء ، وانما يجري التفكير مباشرة في الواقع الذي نريد أن نصدر الحكم عليه، وذلك بنقل الواقع الى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة نستطيع بواسطتها تفسير الواقع . فبدل اللجوء إلى عملية البناء لأجل الوصول الى إدراك الواقع ، نفكر بالواقع مباشرة ونصدر الحكم عليه بما عندنا من معلومات سابقة عنه. والتفكير المباشر أقرب الى الصواب من التفكير غير المباشر. لأن بناء النتيجة على المقدمات المنطقية يجعل صحة النتيجة متوقفا على صحة هذه المقدمات، وصحتها لا يمكن دائما التأكد منها لقابلية احتوائها على مغالطات. ولأجل توضيح خطورة المنطق وفساده وكيف أننا يمكن أن نستغني عنه أنقل إليك هذا النص :


" ان المنطق وكل ما يتعلق به فيه قابلية الخداع وقابلية التضليل ، وهو اكثر ما يضر في التشريع والسياسة. ذلك أن المنطق تبنى نتائجه على مقدمات ، وكذب هذه المقدمات أو صدقها ليس من السهل إدراكه في جميع الأحوال ، لذلك قد يكون الكذب خفيا ، أو يكون صدقها مبنيا على معلومات خاطئة، فيؤدي ذلك الى نتائج خاطئة . على ان المنطق يمكن الوصول به الى نتائج متناقضة مثل : القرآن كلام الله ، وكلام الله قديم ، فالقرآن قديم. وعكسها القرآن كلام الله في اللغة العربية ، واللغة العربية مخلوقة ، فالقرآن مخلوق. وقد يؤدي الى نتائج مضللة مثل : المسلمون متأخرون ، وكل متأخر منحط، فالمسلمون منحطون . وهكذا تجد أن أخطار المنطق أخطار فظيعة، فقد تؤدي الى الخطأ ، وقد تؤدي الى الضلال ، بل قد تؤدي الى الدمار. والشعوب والأمم التي تعلقت بالمنطق حال المنطق بينها وبين رفعة الحياة. لذلك فإن المنطق وان كان أسلوبا من أسليب الطريقة العقلية ، ولكنه أسلوب عقيم ، بل أسلوب مضر ، وخطره خطر مدمر . ولذلك لا بد من نبذه، بل لا بد من الحذر منه، والحيلولة بينه وبين الناس.

والأسلوب المنطقي وان كان أسلوبا من أساليب الطريقة العقلية ولكنه أسلوب معقد ، وأسلوب فيه قابلية الخداع والتضليل وقد يوصل الى عكس النتائج التي يراد ادراكها . وفوق ذلك فانه – سواء احتاج إلى تعلم علم المنطق أو كان منطقيا فطرة – لا يصل الى النتائج من الاحساس بالوقائع رأسا ، وانما ينتهي بالاحساس بالواقع، ولذلك يكاد يكون طريقة ثالثة في التفكير ، وبما ان التفكير ليس له الا طريقتان اثنتان ليس غير، فإن الأولى تجنب هذا الأسلوب والأسلم للوثوق بصحة النتائج أن نستعمل الطريقة العقلية المباشرة ، لأنها هي التي يضمن فيها صحة النتيجة .

ومهما يكن من أمر فإن الطريقة الطبيعية في التفكير، والطريقة التي يجب أن تكون هي الطريقة الأساسية، إنما هي الطريقة العقلية. وهي طريقة القرآن ، وبالتالي هي طريقة الاسلام . ونظرة عاجلة للقرآن تري أنه سلك الطريقة العقلية ، سواء في إقامة البرهان ، أو في بيان الأحكام. انظر الى القرآن تجده يقول في البرهان { فلينظر الانسان مم خلق } { أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت } { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون } { ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ، إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض } { إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب } { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } إلى غير ذلك من الآيات ، وكلها تأمر باستعمال الحس لنقل الواقع حتى يصل إلى النتيجة الصحيحة . وتجده يقول في الأحكام { حرمت عليكم أمهاتكم } { حرمت عليكم الميتة } { كتب عليكم القتال وهو كره لكم } { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } { وشاورهم في الأمر } { أوفوا بالعقود } { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين } { أحل الله البيع وحرم الربا } { فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك } { حرض المؤمنين على القتال } { انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } إلى غير ذلك من الآيات ، وكلها تعطي أحكاما محسوسة لوقائع محسوسة ، وفهمها ، سواء للحكم أو للواقعة التي جاء بها الحكم ، إنما يأتي بالطريقة العقلية ، أي أن التفكير بها وبتطبيقها إنما يكون بالطريقة العقلية. وبالأسلوب المباشر لا بالأسلوب المنطقي . وما يتوهم فيه بأنه جاء على الأسلوب المنطقي ، من مثل قوله تعالى { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } فإنه جاء كذلك بالأسلوب المباشر ، فلم يأت بمقدمات ، بل جاء بطلب التفكير بنقل الاحساس مباشرة إلى الدماغ ، وليس عن طريق مقدمات مربوط بعضها ببعض .

وعلى ذلك فإن الطريقة العقلية وحدها هي التي يجب أن يسير عليها الناس ، وأن الأسلوب المباشر هو الأسلم للسير عليه . وذلك حتى يكون التفكير صحيحا ، وتكون نتيجة التفكير أقرب إلى الصواب فيما هو ظني ، وقاطعة بشكل جازم فيما هو قطعي . لأن المسألة كلها متعلقة بالتفكير . وهو أغلى ما لدى الانسان ، وأغلى شيء في الحياة ، وتتوقف عليه كيفية السير في الحياة . ولذلك لا بد من الحرص عليه بالحرص على طريقة التفكير . "
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله