عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 04-04-2003, 09:25 AM
محمد الشنقيطي محمد الشنقيطي غير متصل
شاعر
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2002
المشاركات: 289
إفتراضي

*

الأخت العنود النبطية
الحالة العربية تكاد تكون ميئوس منها إلا إذا تداركنا الله بجيل عقلاني جديد!
إن الموضوع طويل عريض و يحتاج إلى مجلدات و عدد كبير من الخبراء المختصين في آلية الفكر و مؤسِّساتِـهِ ثم إعادة صياغة هذا الفكر و أسسه من جديد.
العلة ليست فينا نحن
وليست في الحكام
العلة في هذا العقل في رؤوسنا و رؤوسهم. إنها علة مشتركة و نحن و هم ضحية هذا العقل و هذا التفكير المؤسس لأفعالنا و ردود فعلنا و تصوراتنا.
هذا و سوف أورد لك بعض النقاط السريعة لكي تعرفي بعض الخطوط العريضة لهذا الفكر المعوق ( بفتح و كسر الواو المضعفة معا ). و بما أن الفكر العربي المعاصر خرج من التجربة الناصرية و اليسارية إلى البعثية ثم استقر به الأمر إلى اعتماد الأطروحة الإسلاموية و القطرية كآلية لتحقيق النهضة أو الكفاح المسلح فجدير بنا أن ننظر إلى أسباب فشل الأطروحات اليسارية و الناصرية و البعثية ثم نحاول استكناه ما إذا كان الطرح الإسلاموي سوف يكتب له النجاح. أنا لن أذهب هنا إلى تحليل المسار و المعوقات التي تعايشت معها تلك الأطروحات إذ من السهل أن يتصدى لي أي ( خيموي ٍ أو زائر للخيمة ) هنا بإحدى نظريات المؤامرة لنعلق عليها جميعا أسباب فشلنا ثم ننخرط بعد ذلك في شيء من البكاء الجماعي و جلد الغير.
إذا بدلا من الدخول في متاهات التحليل دعينا نتأمل فقط هذه الحقائق التي سوف أبدؤها من الناحية التاريخية من لحظة انتقال محمد صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى. و يلزم هنا و قبل ذلك أن أوضح أن فشلنا الكبير هو في وضع آلية عادلة مقبولة من الجميع في أمر تداول السلطة كما سترين. كما يلزم التنويه إلى أن أمر الحكم و تداول السلطة هو من الأمور التي تركها الشارع للناس في عموم القول " و أمرمكم شورى بينكم "

• قبل أن يدفن محمد صلى الله عليه وسلم نشأ الخلاف بين المهاجرين و الأنصار في أمر السلطة و الحكم و بعد شئ من الخصومة الشديدة بين الطرفين في سقيفة بني ساعدة أستقر الأمر على عرض من المهاجرين للأنصار بأن: " منا الأمراء و منكم الوزراء" و آلت البيعة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه من المهاجرين من قريش. و من الجدير بالملاحظة أن المهاجرين استبدوا بعد ذلك بالسلطة و لم يتم تعيين وزير واحد من الأنصار.
• بمجرد استلام أبي بكر الصديق الحكم ثارت عليه قبائل عربية فيما هو معروف بحروب الردة و التي هي في حقيقتها نزاع بين ربيعة و مضر في أمر النبوة و ما يترتب عليها من أمر السلطة و الحكم. فقد أرادت ربيعة أن يكون لها نبي مثلما لمضر نبي. و كانت النتيجة أن ادعى كل من مسيلمة (من بني حنيفة ) و سجاح ( من بني تميم ) النبوة. و هكذا تقدمت ربيعة بمشروع نبي و نبية ردا على مشروع مضر. و لقد حسمت حروب الردة ببقاء السلطة و الحكم في قريش من مضر. و اقترح عمر على أبي بكر رضي الله عنهما أن يشغل العرب بتوجيههم للفتوح.
• كانت الرياسة في قريش في الجاهلية تقاسما أحيانا و نزاعا أحيانا بين فخذي بني هاشم و بني عبد شمس. و لقد كان كل من أبي بكر و عمر رضي الله عنهما من فخذين آخرين من قريش و لعلهما بذلك أجلا الصراع المحتوم في قريش ذاتها.
• كان الصراع شديدا في أمر تعيين الخليفة الثالث و لقد بدأ النزاع المحتوم و المؤجل بين بني هاشم و بني عبد شمس بعد تعيين الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه و هو من بني أمية. و أدى النزاع إلى اغتيال الخليفة عثمان رضي الله عنه. ( لا حظي سلمك الله أن عمر قتل و عثمان قتل أيضا و سوف يقتل بعدهما على كرم الله وجهه و سف يستشري القتل بعد ذلك! و سوف يكون لي تعليق في هذا الأمر لاحقا إن شاء الله.
• بويع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بالخلافة و بدأت الفتنة الكبرى بخروج بعض من قريش و أنصارهم على البيعة بقيادة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها و من هنا بدأت الفرق و النحل و تشعبت أوجه الصراع. و بالرغم من أن عليا انتصر في موقعة الجمل فان النزاع استمر بحجة الأخذ بدم عثمان ( قميص عثمان الشهير ) كوجه من أوجه الصراع بين الأمويين و الهاشميين في أمر الحكم ( ولم تكن قريش تريد لبني هاشم الإستئثار بالنبوة و السلطة معا)! و لقد كان للداهيتين معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص دور حاسم في أن يستأثر الأمويون بالحكم. و لكن الصراع أستمر. و أستمر الهاشميون في المطالبة بالحكم يتزعمهم الحسن و الحسن إبنا فاطمة الزهراء رضي الله عنهم أجمعين. ثم حدثت الكارثة المأساوية في كربلاء بقتل الحسين رضي الله عنه و التي لا تزال ذيولها تخيم على عدم إمكانية لم شمل المسلمين في الإنقسام الكبير بين السنة و الشيعة ناهيك عن دور الخوارج في تشعب الصراع و التخلي عن الإمام علي بن أبي طالب. و حسم الأمر مؤقتا لصالح الأمويين بتنازل الإمام الحسن بن أبي طالب رضي الله عن المطالبة بالحكم حقنا للدماء.
• أستمر الأمر لبني أمية قرنا من الزمن و نيفا في ظل صراع دائم و مطالبة العلويين بالحكم. لا حظي أن دائرة المطالبة أنحصرت في العلويين على نزاع بين العلويين أنفسهم. و أستمرت الدعوة العلوية إلى أن شاءت الإرادة الإلهية أن تتزامن رئاسة أحد أبناء عبد الله بن عباس رئاسة حزب الدعوة العلوية مع لحظة سقوط الحكم الأموي. و سقطت الدولة الأموية و انتقلت الخلافة إلى بغداد و لكنها لم تنتقل إلى الفرع العلوي الهاشمي و إنما انتقلت إلى الفرع العباسي منه!
• و استمرت الدعوة العلوية أثناء الحكم العباسي. و لكن الأمر الحاسم هنا كان ابتداء النزاع العربي الفارسي. و بدون الدخول في الشروح و التفاصيل أنوه إلى دور كبير للفرس في مناصرة الدعوة العلوية ثم مساندة و تأسيس الخلافة العباسية. و بالطبع أصبح للفرس نفوذ على الخلافة انتهت بأن كان للبرامكة نفوذ يكاد يعلو على نفوذ الخليفة. استبد عليهم الخليفة هارون الرشيد و قضى على نفوذ البرامكة. و قد ضعف نفوذ الفرس المباشر على الخليفة ولكنه لم يقض عليه. و كان لا بد لهذا الصراع أن يحسم.
• حدث هذا الحسم الكبير بين العرب و الفرس في الصراع بين الأمين ( و أمه عربية) و أخيه المأمون ( و أمه فارسية ) و انتهى الأمر في صراع السلطة بأن قتل المأمون أخاه الأمين و كان من نتائج ذلك أن رجحت الكفة الفارسية و تضعضع النفوذ العربي و تلاشى.
• تنبه الخليفة المعتصم إلى خطورة نفوذ الفرس عليه فاستقوى بأخواله الأتراك لمجابهة النفوذ الفارسي على قصر الخلافة. استطاع الأتراك تحييد نفوذ الفرس. و لكن نتج عن ذلك أن تحول النفوذ كليا إلى الأتراك و استبدوا بالخلافة و أنشئوا منصب سلطان من الأتراك بيده مقاليدالحكم الحقيقي و كانوا يقتلون و يسحلون و يقلعون عين الخليفة و يقومون بتعيين غيره. استمر الأمر كذلك إلى سقوط بغداد بيد المغول و انتهاء الخلافة العباسية. و كما تعرفين فقد انتقلت الخلافة نفسها بعد ذلك كليا من يد العرب ( حتى الرمزية منها ) إلى يد الأتراك في الأناضول و الآستانة. و انتهت هذه الخلافة كليا على يد كمال أتاتورك بأيد استعمارية و صهيونية بعد الحرب العالمية الأولى.

ملاحظات:
• في تاريخ الخلافة الراشدة قتل ثلاثة خلفاء هم عمر و عثمان و على رضي الله عنهم أجمعين و أنا أعتقد و الله أعلم أن سبب عدم قتل أبي بكر رضي الله عنه أيضا هو أن الله سبق و أن أعطاه حصانة ربانية من القتل في قوله تعالى " ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا". إن من نزل في حقه قوله تعالى " إن الله معنا " جدير بألا يقتل! و هذا في اعتقادي من الإعجاز القرآني.
• أن ما ورد من ذكر في قتل للحكام و المطالبين بالحكم هو أمر يسير إذا ما قورن بعدد محاولات الاغتيال التي لم يكتب لها النجاح.
• إن الإغتيال كان و لا يزال جزءً لا يتجزأ من فكر متواجد بيننا دائما و يكفي ذكر فرقة الحشاشين و رئيسهم الحسن بن صباح و قلعة الموت في توضيح ذلك. حتى أن فكرة الاغتيال المؤسسي المبرمج ارتبط بهذه الفرقة لدرجة أن كلمة " assassination" الإنجليزية و التي تعني الإغتيال و التي دخلت بقية قواميس العالم ترجع إلى كلمة " الحشاشين " في أصلها منذ القرون الوسطى!
• العقل العربي لا يجنح إلى مجابهة الفكر بالفكر و لكنه يجنح إلى قطع رأس حامل الفكرة معتقدا أنه بذلك يقتل الفكرة ذاتها. و الحقيقة أننا عندما نقطع رأس حامل الفكرة تنبت نفس الأفكار في عدد مضاعف من الرؤوس! و هكذا تستمر الفكرة و يستمر القتل. أكبر دليل على ذلك محاولة قريش قتل الفكرة الإسلامية بقتل حامل الفكرة! كما أنتشرت أفكار التطرف و التكفير في العصر الحديث باضطهاد و قتل حاملي الفكرة بدلا من قتل أفكارهم بالحوار النير المبين. و لقد تنبه على كرم الله وجهه إلى ضرورة و أسس الحوار مع التطرف عندما وجه عبد الله بن عباس رضي الله عنه في قضية الحوار مع الخوارج إذا قال له:
" لا تجادلهم بالقرآن فأنه حمال أوجه! أنت تقول و هم يقولون! و لكن جادلهم بالسنة". و خلاصة توجيه الإمام على رضي الله عنه للمتمعن فيه هو أن الحوار إنما يكون على الثوابت التي لا مجال للأخذ و الرد فيها و الحوار في ما عدا ذلك إنما هو من قبيل النفخ في قربة مخروقة!

* العقل العربي كسول و لا يحب تحليل المعاني و الأفكار و لذلك لا يجهد نفسه في تمحيص الفكرة و إنما يستغني عن ذلك بالسؤال " من قال ذلك؟" فان كان القائل يناسب هواه تصبح الفكرة جميلة وإذا كان القائل لا يناسب هواه تصبح الفكرة قبيحة. فالفكرة إذا في العقل العربي لا تنفك عن ماهية قائل الفكرة و تسمتد معناها من شخصية قائلها أيا كانت و مهما تكن! بدلا من أن يتمعن الفكرة ذاتها! و لقد حاول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إالغاء هذا التوجه بقوله المشهور : " يعرف العلم بالرجال و لا يعرف الرجال بالعلم ". و رغم أن تراثنا يقول: " خذوا الحكمة من أفواه المجانين " فإننا نرفضها حتى و لو كانت من أفواه العقلاء إلا إذا جاءت وفق هوانا من أفواه ٍ نهواها!

الخاتمة
الأخت العنود النبطية
إن أمر الإجابة على سؤالك يحتاج إلى مجلدات و مجلدات. و ما أوردت سالفا هو جزء صغير جدا من الصورة الكبيرة و التفاصيل الكاملة.
كل تلك التفصيل و الصور تعود أسبابها إلى بناء الفكر العربي و أسس عمله. و الحقيقة أن كل ذلك يعود إلى أمر مهم في ثقافتنا المؤسسة لعملية تفكيرنا.
إن هذه الحقيقة المؤسسة لكل ما ذكرت و ما لم أذكر هي ببساطة في مقولتنا المؤسسة لفكرنا:

" أنا و أخوية على ابن عمي و أنا و ابن عمي على الغريب"
و الحقيقة الكبيرة خلف هذه المقولة البسيطة تعكس العملية الفكرية الي تجري خلف الكواليس داخل أذهاننا و هي:

" أنا على أخوية و أنا و أخوية على ابن عمي و أنا و ابن عمي على الغريب"
إنها عقلية تكفل إستمرار الصراع الدائم على السلطة ما دام هناك عربيان على الأقل! أحدهما حاكم و الآخر محكوم!

و لذلك ترين الآن في العراق أن المعارضة أصبحت صدامية و بمجرد انسحاب الغزاة فسوف ترتد المعارضة على صدام كما سيبدا صدام في التفكير عن ضحيته القادمة من فرقة أبناء عمومته المؤسسة لحكمه من أسرة " آل المجيد"

أما بالنسبة لإمكان نجاح الطرح الإسلاموي فإنني أعتقد انه سيفشل تماما كما فشل الطرح النهضوي و الناصري و اليساري و البعثي و القطري ذلك أن الأمر لا يعتمد على الطرح و مؤسِّساته الفكرية بقدر ما يعتمد على حامل و منفذ الفكرة. سوف يفشل الطرح الإسلاموي ليس بسبب قصور في المفاهيم الإسلامية و لكن بسبب معوقات أسس التفكير و التفعيل في العقلية العربية.

لا أملك أطروحات بديلة و لكنني فقط أفكر بصوت عال.

للعنود النبطية و للمخيمين هنا تحياتي

***
__________________
*
يعيرني أني لقوميَ أنتمي
فقلت لهُ: إني بذاك فخورُ
سلاسل أنساب ٍ لنا عربية ٌ
و قومٌ كريمٌ كلهمْ و جسورُ
و ( أنتَ ) إذا صحَّ انتسابك للذرىَ
فلا شكَّ فرعٌ يابسٌ و صغيرُ!
*
الرد مع إقتباس