عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 20-01-2007, 02:06 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

هنا حديث صحفي منشور في صحيفة الوطن السعودية
دار بين أحد الصحفيين وأحد أفراد لجنة المناصحة لموقوفي وزارة الداخلية السعودية
وهو رئيس قسم العلوم الاجتماعية بكلية الملك فهد الأمنية الدكتور تركي العطيان


* ما هو دور المحاور النفسي تجاه المعتقل الخطير؟ وما هي أهدافه؟

ـ الحوار أو النقاش الذي يدور في المناصحة لا يختلف في توجيهه أو في حضوره للرجل الخطير أو غير الخطير، ولكل حالة نقابلها وضعها الخاص في الحوار والنصح والإرشاد تخضع للمستوى الثقافي لدى الشخص، ثم المستوى التعليمي، ثم مستوى الذكاء، ثم نوع القضية التي اندرج فيها في هذه العملية، لأن بعضهم عمله يكون عملا ثانويا، وبعضهم يكون عمله أولياً، والبعض الآخر عمل مباشر في جريمة ما، وهدف المناصحة وبالذات دور الاختصاصي النفسي هو عملية نصح وإرشاد لوضع الثوابت والأخذ بالفرد ليعرف مواقع الخطأ والصواب والسلبية والإيجابية في عمله لتبصير حالته النفسية، ونحن نسعى الآن إلى أن نبصر حالته النفسية، وهذا ما يندرج ضمن العلاجات المعرفية، وهو استبصار الإنسان في حالته، ولا يمكن أن نعامل شخصا مستواه العلمي ضعيف أو ثقافته ضعيفة مثل شخص خطير أو شارك في عمل يعتبر بالنسبة للجهات الأمنية خطيرا، وبالطبع جميع الأعمال خطرة، ولكنها تصنف في درجة الخطورة من شخص إلى آخر حسب الحالة النفسية للإنسان، وحسب وضعه النفسي، ونحن نفرق بين شخص يستخدم علاجا نفسيا وآخر لا يستخدمه، ونفرق بين شخص غرر به عن طريق الإيحاء والتشبع بالأفكار الضالة ومدى قوته في هذا العمل، ومدى ارتباطه بالتنظيم وبين شخص متأصل في هذا العمل فكرا وعاطفة وسلوكا.
أما عن دورنا إذا كان الشخص خطيرا، فنحن نجلس معه لا نصنفه هل هو خطير أو غير خطير، حيث نحكم عليه من خلال الواقعة أو الحادثة، ونتعامل معه من خلال تبصيره في حالته، فمنهم من يكون مقاوما للنصح والإرشاد بالأسلوب حيث تقارع حجته بالحجة، فحينما تأتيه وتقول: أنت تعرف خطأك. يقول: أنا عارف ولكني مقتنع، أو يقول إنه كان مقتنعا في مرحلة، أما الآن عدت عن خطئي، ونحن نعرف الشخص الذي يأخذ بمبدأ الأمنيات، ودور الاختصاصي النفسي أن يكشف مثل هذا الأمر بطريقة لطيفة ومحببة عن طريق الأسئلة وجلسائه والجماعة التي انتمى إليها أو عن طريق الخبرة التي نحن نعمل فيها من خلال الأسماء التي تكررت علينا، وهناك مثال بسيط "شخص يسأله المناصح الشرعي ما هي الشبهة التكفيرية التي لديك؟، فيجيبه بأن ليس لديه شبهة تكفيرية "ولكن في سؤال المحاور النفسي كيف قبض عليك؟ وكيف تمت المقاومة؟، من جلست معه؟، ومن الذي دل عليك؟، فمن خلال الجلساء نعرف بعض الأسماء وأنه بالفعل قد يكون لديه نوع من الشبهة الفكرية وليست التكفيرية، والتي يمكن أن ندل من خلال الحوار والنقاش اللجنة كاملة على الخوض فيها والتعديل عنها والسؤال عنها والاستفسار.


* يعني الهدف الأساسي من الحوار التقييم النفسي للموقوفين؟

نعم، أولا حفاظا على نفسه، وألا يكون تحت تأثير علاج نفسي، ولا تحت ضغط نفسي لمعلومات يكون مسؤولا عنها، لأنه يهمنا القناعة الذاتية، وألا يكون أيضا مجبرا على المناصحة، مع أن هذا لا يحدث، ولكن قد يكون تحت ضغط نفسي معين، لأنه لا يفيد النصح والإرشاد والحوار والنقاش، بدون أن يكون لدى الموقوف قناعة لأنه يريد أن يسأل ويغير من سلوكه.


* من خلال تعاملك مع الموقوفين ما هي الحالة النفسية العامة لهم؟، وهل يعانون من حالات اكتئاب أو إحباط أو شرود ذهني؟

تقييم الحالة النفسية كالطبيب الذي يقيم الحالة الجسدية، حيث يجد العلل مختلفة تبدأ من الجرح البسيط إلى السرطان، ونحن نجد بين هذه الفئة الإنسان الذكي جدا، ونجد من لديه غرور، ومن لديه تعال، إضافة إلى من لديه اعتقاد لا يمكن أن يحيد عنه، وهو ما يسمى في علم النفس (أحادي التفكير)، فبعضهم قد يعاني من مرض نفسي، والبعض قد يعاني من اضطرابات نفسية أو سلوكية، وكل منهم يشكو من علة إما نفسية أو فكرية أو سلوكية، والدليل أنهم لو كانوا أصحاء عقلاء لما ورطوا أنفسهم في هذه الأعمال.


* هل ما زالوا على مواقفهم ثابتين؟

هم 3 أصناف صنف معترف بخطئه، وأنه غرر به، وفهم وضعه وحالته، وأنه تورط في هذا العمل بعد دخوله السجن، لأنه بدأ يدخل في المجتمع بعد أن كان معزولا عنه، وكان تسوده أحادية تفكير وسلوك وغسيل مخ تماما، فلما دخل السجن بدأ ينفتح، ويعرف الأمور، وبدأ في الجلوس مع نفسه، وعزل عن جماعة التضليل، وهذا مسلم تماما، ويعترف بالحق، ويريد أن يؤخذ بيده إلى طريق الصواب، فلا نجد منه مقاومة أبدا وهم الأكثرية.
وفئة تكون مترددة إلى حد ما، وتعتقد أنها على صواب، ولكنها مع بداية الجلوس يعود أحدهم إلى الحق تماما، لأن محورنا في النقاش يقوم على أمرين، إما أن تكون على حق فنتبعك، أو نكون على حق فتتبعنا، فنتفق على هذا الأمر، ثم نعود ونسترجع الكتاب والسنة، حتى الاختصاصي النفسي مسلم بشر، يعتقد بالدين، ويأخذ منه ما ينفعنا في الأمور النفسية، وهذه الفئة حجمها أقل من المتوسط.
أما الجزء الثالث وهم قلة نادرة جدا، فيكون متعندا لأجل العناد لأنه من داخله مقتنع أنه على خطأ، ولكن لا يريد أن يبين لجماعته أنه تخاذل أو خذلهم، وبالتالي يصر على العناد مع الجلسة الأولى، وفي الجلسة الثانية يعود إلى وضعه الطبيعي، ويطلب الحق فيعطى كتبا وأدلة وبراهين نفسية وشرعية واجتماعية بدون عنوة أو قسوة، فيعود بسرعة إلى الوضع السليم، وعادة ما يكابرون خلال الجلسة، وسأذكر لك مثالا: "أحدهم قال: أنا لست مقتنعا بما ذكرته للفريق الشرعي، ولكن لأن علي ضغطا نفسيا، لا أريد أن أتزعزع وأرغب في الجلوس معك جلسة نفسية، حتى يخف الضغط النفسي عني، وأعود إلى رشدي"، وكان هذا الموقوف أحد المعاندين، ومع ذلك كان سهلا أن يعود إلى الصواب مستقبلا.


* بماذا تبدؤون الحوار هل بهجوم أو بتواضع وتحبب للمعتقل؟

أولا نحن نستخدم الأساليب العلمية، لأننا نقوم بعملية نصح وإرشاد وتوجيه نفسي شرعي عن طريق الحوار، ولا بد أن يكون الشخص مقتنعا ويرغب في المناصحة، حيث لا يجبر أحد عليها، ولو شعرنا في الجلسة أن هناك ضغطا عليه، لأعدناه من حيث ما أتى، لأننا نرغب في اقتناعه ذاتيا أو نفسيا، ويكون الحوار فرديا وليس جماعيا، لأننا نأخذ الحيطة والحذر، ليتكلم الشخص بحرية تامة، ويبدأ الحوار بشرح أهداف النصح والإرشاد بالحوار معه، ونبين له أهداف اللجنة ودورها وواجباتها، ومهماتها وحقوق المناصحين والمنصوحين، وله الحق في إيقاف المناصحة متى ما أراد، والرد إذا لم يقتنع، وله الحق في المناقشة في أمر اتهم به، ولكنه لم يقترفه، ليبين وجهة نظره، وله الحق أن يتأكد في الجلسة أنه لا يوجد عليه أي ضغط نفسي من أي نوع، مثلاً بألا يمنع من الزيارة أو الهاتف، فبهذه الصورة نبدأ في الطمأنة النفسية، بحيث إنه لا يشعر أنه تحت ضغط نفسي، فيتحدث المناصح له ببطاقته الشخصية ودرجة تعليمه بتواضع تام، لتخفيف أزمته، لأنه لا يعرف ما يواجهه، فنبين أننا سبب غير مباشر من ضمن عدة أسباب ينظر لها في عملية إطلاق السراح إن وجد مبرر ودواع لذلك، إن الذي يهمنا مناصحة الفكر وعودة الإنسان إلى وضعه الطبيعي، ثم نبين له أن له الحق أن يوقف المناصحة متى ما أراد، وأن يناقش في أي فكرة لم يقتنع بها، ونبين له ألا يقوم من الجلسة إلا بعد أن تكون جميع أموره واضحة بالنسبة له، سواء له أو عليه، قبل ذلك نشرح له عبارة "أحدنا على حق فمن يجد الدليل والبرهان من الكتاب والسنة يتبع الآخر".
ومن ضمن الحديث أيضا خطوة رابعة، وهي أن نبين خطوط الوفاق بيننا "ماذا نتفق عليه"، فننطلق من عدم الاتفاق وليس من اتفاق، وعندما نتفق على أمور نؤيدها تماما، ثم نبدأ بالنقاش الذي يبدأ بالشبهة الفكرية إن وجدت شبهة فكرية شرعية (التكفير، والولاء والبراء)، وهو ما يقوم به علماء الدين في الجلسة، ويكون الموقوف بوضع عادي وليس كوضع متهم أثناء التحقيق أو المقاضاة، وإنما تكون الجلسة متواضعة يدور فيها القهوة والشاي والتهليل والترحيب بأسلوب مبسط جدا لتطمينه من الشخص الذي أمامه، ليبدأ النقاش بقناعة تامة، ويطرح الشبه الموجودة لديه، فنرد عليه "هات دليلك ودليل اللجنة الشرعية بالأدلة والثوابت الشرعية".
وجميع من يسمع اللقاء والنصح الشرعي في الجلسة يعود مباشرة، وبعضهم يقول: هناك أحاديث أسمعها لأول مرة، وهناك آيات قرآنية أول مرة أجد تفسيرها، وقيل لي عكس ذلك، حتى إن للموقوف الحق في أن يطلب لجنة مناصحة أخرى إن لم يعجبه الأسلوب، وله الحق في أن يوقفها، وينهض بأسلوب مؤدب ولطيف، ليعود من حيث أتى، وجميع هذه الأمور وضعت لأن هدف المناصحة مقارعة الفكر بالفكر مستندين على القرآن والسنة، والجانب النفسي في هذه العملية ينظر إلى جوانب منها ألا يتعرض للضغط، وألا يتعب في الجلسة من النقاش، ولم يفهم الكلام على ما قيل من أجله، لأن بعضهم يفهم التعابير بطريقة مختلفة.
ودور الاختصاصي النفسي التخفيف من الضغط النفسي على السجين، فلو فرضنا أن زوجة الموقوف خارج المدينة، نسهل مهمة زيارته بتوجيه من ولاة الأمر، وهذا تقوم به الشؤون العامة في المباحث، حيث تسهل مهمة زيارته في أوقات الزيارة المحددة، إضافة إلى مراعاة حالته الصحية، واستخدام الهاتف إذا كان هناك حالة طارئة، وجميع الحقوق الشرعية تؤدى لهذا الشخص لتخفيف الضغط النفسي عليه، وهذا يساعدنا على كسب فكر وعقل الشخص الذي أمامنا، ويدل على أن هناك قناعة ذاتية في عودته عن أفكاره إن وجد أفكار خاطئة.


* كونك أحد المحاورين هل تغير شيء من أولويات حوارك بعد تعاملك معهم؟

بحكم أنني مدرب في البرامج اللغوية العصبية ومدرب معتمد من الأكاديمية البريطانية وبحكم تخصصي علم نفس وباحث لأكثر من 20 سنة وبحكم اطلاعي على أسلوب الحوار والنقاش والنصح والإرشاد الموجود وطرق العلاج النفسي الموجود في علم النفس، من أول يوم تعاملت معهم وحتى الآن وثوابتي لم تتزعزع، لأنني أرى أخاً مسلماً قد أخطأ، وتنفيذا لتوجيهات ولاة الأمر أن هؤلاء أبناؤنا مخطئون يحتاجون إلى نصح وإرشاد وتقويم من السلوك الخاطئ إلى الصحيح المستقيم، هذا توجه الدولة، فعلي أن أفعل هذا الشيء، وأذكر لك موقفا حصل لي مع أحدهم، حيث قمت بمناصحته عن الجهاد في العراق بأسلوب نفسي اجتماعي بسيط جدا وتعريفه بأبعاد خطورة الموقف الذي أقدم عليه من الوجهة النفسية الاجتماعية، لأنه متزوج ولديه أسرة، ولديه خطورات وتأثير إعلامي وإيحاء وتأثر عاطفة... فالتفت قائلا: "أنت الآن أتيت لتتفلسف علي في هذه الجلسة، فلماذا لا تخرج على التلفزيون، وتقول ذلك الكلام"، فبادرته بابتسامة بسيطة وقلت: "دعنا من التلفزيون ودعني أتحاور معك في هذه الجلسة"، وفي آخرها اعتذر مع أني لم أطلب منه ذلك.
وأنا أدرس فصلا يصل عدد الموقوفين فيه إلى 20 طالبا مادة أصول علم النفس فأرى تأثيري القوي عليهم، ولم تتغير ثوابتي أو تتزعزع، وعلى العكس يزيدني ذلك إصرارا على تغيير سلوكهم، لأني بالفعل أرى فيهم من غرر به، ومن يحتاج إلى نصح وإرشاد قوي لتوضيح أخطائه السلوكية السابقة وتأثير سلوكه القادم في تعامله مع نفسه وزوجته وتعامله مع ولاة الأمر وتعامله مع المنكرات إن وجدت.

المصدر
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }