عرض مشاركة مفردة
  #20  
قديم 08-05-2007, 03:24 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الالتباس الفكري والرؤى الأيديولوجية للتنمية :


نستطيع القول أن نهاية القرن العشرين شهدت حيرة وقلقا كبيرين في اعتراف قوى كثيرة بعدم قدرتها على تصنيف ما حصل منذ بداية الثورة الصناعية، فلا الليبراليون ولا الاشتراكيون ولا علماء الاقتصاد المهنيون، يستطيعون تحديد دور الكثير من الفئات والعوامل التي أوصلت العالم لما وصل إليه .. فالحرفيون أسهموا بمساهمات جليلة، وكذلك الجمعيات المتعددة التي كانت تعني بالتطور الاقتصادي والاجتماعي، فلم تدرج جهود هؤلاء (على سبيل المثال لا الحصر) في خطط التنمية ومسار التصاعد في الأداء الاقتصادي العالمي .. ولم تكن تلك الفئات أو الجماعات أو الأفراد تستقي إرشاداتها من المنظرين السياسيين والعقائديين والأكاديميين .. فكانت الوصفات الأدبية التي عجت بها كتب الجامعات و الأحزاب، وصفات بسيطة، نادرا ما يطلع عليها الفاعلون الحقيقيون في الحياة الاقتصادية .. ولذلك رأينا في نهاية القرن العشرين ترنحا في كبيرا في سير المنظرين وإفلاسهم في تفسير ما يحدث، وكان لا بد أن تتساقط مدارس التنظير، فإن بدأت بسقوط المدارس الشيوعية، فلا يعني أن المدرسة الرأسمالية أو الليبرالية أفضل حالا، وإن كانت قد استفادت من سقوط الفكرة الماركسية، لتلتقط أنفاسها، لا بل لتقدم نفسها، على أساس أن منهجها هو الأكثر قبولا، مما عجل في ظهور تلك الفوضى التي يعيشها العالم ..

المثل المُتجاهل لمسارات تصنيع اليابان :

إن ما يعيق التنمية والتطور في أي بلد، هو الانقطاع المتكرر في مسيرتها، نتيجة حرب أو انقلاب أو غيره، وهي قاعدة قد تصلح لكثير من الدول، ولكن النموذج الياباني كسر تلك القاعدة، عندما انقطع أكثر من مرة عن التواصل في النمو، ثم أجبر على إتباع النموذج الغربي بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه لم ينخرط بها الى الحد الذي أُجبر عليه .. فقد ابتكر اليابانيون طرقا تجعل من ثبات خصوصيتهم القومية والسعي من أجل اكتساب الحداثة الصناعية، وتفجير طاقات الأرياف واستنفار الإقطاعية العسكرية، لتسهم في رفد النهوض بالخطة الى الأمام، وتعبئة الحرفيين والعمال والمهندسين للانخراط بهذه الخطة بحماس منقطع النظير ..

كان اليابانيون يفككون أي مستورد، ويدرسونه قطعة قطعة، وكان كل (تروست) أو احتكار صناعي واسع يقوم بتصنيع تلك القطعة الجزئية ويجري اختباراته عليها، لا لتحاكي المستوردة فحسب، بل للتفوق عليها في كثير من الأحيان من حيث الكلفة والسعر المطروح لها عالميا.. لقد وضع اليابانيون في بالهم أن المستهلكين في العالم سينظرون الى السلعة اليابانية على أنها تقليد هابط المستوى للصناعات الغربية، ولم يكن اليابانيون يتوقعون أن العالم سيضع منتوجاتهم بهذه السرعة في مصاف المنتجات الأوروبية والأمريكية. لتعود اليابان لتتزعم كتلة اقتصادية مستترة، أصبح المستهلكون بالعالم ينظرون الى سلعها على أنها تقليد للصناعة اليابانية ( كوريا، الصين، ودول أخرى) .

لم يكن النموذج الياباني يحتل إلا مساحة ضيقة من الأدبيات الاقتصادية في التراث العالمي الحديث .. لقد غازل الغرب النموذج الياباني وحاولوا (وقد نجحوا لحد ما) في كسبه الى جانبهم ككتلة اقتصادية وسياسية عالمية، وذلك من خلال تخويف اليابانيين من الخطر الشيوعي السوفييتي ..

لقد استطاعت بعض الشعوب الفقيرة جدا، أن تتشبث بعربة لقطار الغرب وأن تخرج من فقرها باتباع النموذج الياباني كدول تايوان وكوريا الجنوبية وبعض دول جنوب شرق آسيا ..

الشركات المتعددة الجنسية والأوهام الصناعوية في العالم الثالث:

بعد تليين العلاقات بين المعسكرين الغربي والشرقي، في نهاية الستينات من القرن الماضي، وبعد أن كانت الدول الغربية تكتفي ببيع السلع كمنتَج نهائي، أصبح بإمكان الدول الغربية، أن تبيع المعامل و المشاريع المتكاملة، لدول المجموعة الاشتراكية في البداية، ثم للكثير من دول العالم الثالث، وبالذات تلك الدول التي تملك من المواد الخام التي تدر عليها المزيد من العوائد، خصوصا عندما ترتفع الأسعار (حالة النفط) .. فارتأت الإدارات الغربية أن تستعيد شفط الأموال المتحصلة من زيادة الأسعار، وعلى شكل تزويد المشاريع بالمستلزمات والمدراء وغيرها.

كانت الغايات المبررة لهذا الشكل من التعاون الغربي مع دول العالم الثالث، هي التنمية وتوفير فرص العمل و نقل التقانة*1.. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث على الصعيد الفعلي، فلا بطالة تم حلها في مناطق العالم الثالث، ولا تقانة تم نقلها، فتجد مثلا صناعة العصائر وبعض الصناعات الغذائية في بعض الدول العربية، توظف الأموال العربية، لشراء مركزات عصائر من جنوب إفريقيا أو بعض دول أمريكا الجنوبية، ومصانع تلك المركزات تعود لشركاء العرب الغربيين، ففي حين يقبل العربي بمنصب مدير (شكلي) وبراتب مغر، يأخذه من ماله هو، فيقوم بتسويق بضاعة الشركاء الغربيين، لسوق المنطقة العربية، مقابل ملاليم يربحها بالنهاية، ولا تسهم في تكوين قاعدة اقتصادية حقيقية ..

ولن يحدث تذمر حقيقي من دول العالم الثالث، نتيجة للعوائد السخيفة والأهداف الإستراتيجية غير المتحققة فعلا.. لماذا؟ لأنه ببساطة أن الشركاء المحليين، مستفيدين كأشخاص فاسدين أو فئات فاسدة، في حين يكون مطلوب منهم أن يعترضوا على تلك المشاريع!

هامش:
ــــــــ
أنظر أيضا (حيازة القدرة التكنولوجية ـ دراسة عن المؤسسات الاستشارية ومؤسسات المقاولات العربية) أنطوان زحلان / مركز دراسات الوحدة العربية/ بيروت 1990.. كما يمكن مراجعة ندوة موثقة تحت عنوان : إستراتيجية تطوير العلوم والتقانة في الوطن العربي لنفس المركز عام 1989.
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس