عرض مشاركة مفردة
  #14  
قديم 11-10-2001, 01:08 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

الحرية :

مسألة الحرية في الاسلام أفردت لها مساحة واسعة في موضعك، وكذلك العدالة ، ولأن الحرية وكذلك العدالة مصطلحان يختلف مفهومهما باختلاف وجهة النظر في الحياة كان لا بد من بيان وجود فرق واختلاف كبير بين مدلول الحرية التي جاء بها الاسلام وبين الحريات العامة التي جاء بها الغرب ، وكذلك وجود فرق بين العدالة في المفهوم الاسلامي والعدالة في المفهوم الغربي.

الحرية ضد العبودية، فلا حرية في الاسلام لأي كان سواء كان عبدا أم حرا ، بل الانسان عبد لله تعالى ، وله الشرف الكبير أن يكون عبدا لله ، وقد أثنى الله تعالى على رسوله أعظم ثناء بالعبودية له فقال : { سبحان الذي أسرى بعبده }، فأضاف العبودية له، وكلمة ( لا إله إلا الله ) تعني لا معبود إلا الله ، فلا حرية لأحد بل الكل عبيد لله . والعبودية لله تعالى تعني أن الانسان يجب أن يسير جميع أعماله صغيرها وكبيرها بأوامر الله تعالى ونواهيه. إلا أنه لما كان نظام الرق موجودا حين جاء الاسلام جاء نظام الاعتاق من الرق، فجاء نظام الحرية لعتق العبيد الذين كانوا. فإذا وجد العبيد يطبق نظام الحرية التي جاء بها الاسلام، وإذا لم يوجد عبيد لا يوجد حرية لأحد مطلقا، بمعنى أن الحرية التي جاء بها الاسلام توجد حين يوجد عبيد لاعتاقهم، وحين لا يوجد عبيد لا توجد .
والحريات التي جاءت بها الحضارة الغربية غير الحرية التي جاء بها الاسلام. الحرية التي ينادي بها الغرب هي الحريات العامة وهي أربع حريات: الحرية الشخصية ، حرية الرأي ، حرية التملك، حرية العقيدة . والاسلام لا يوجد فيه حرية شخصية ، ولا حرية رأي ، ولا حرية تملك ، ولا حرية عقيدة. أما أن الاسلام لا يوجد فيه حرية شخصية فذلك لأن المسلم مقيد في مأكله ومشربه وملبسه وفي جميع افعاله بالاسلام أي هو مقيد في كيفية اشباع جميع غرائزه وحاجاته العضوية بالاحكام الشرعية، ولذلك عُرِّفَ الحكم الشرعي بانه خطاب الشارع المتعلق بافعال العباد. والمسلم مأمور بتسيير جميع أفعاله بالأحكام الشرعية، والقاعدة الشرعية هي أن الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي، والأحكام الشرعية خمسة أنواع هي : الواجب أو الفرض، والمندوب، والمكروه، والحرام ، والمباح. فالمباح هو حكم شرعي أيضا، لأن المباح هو ما دل الدليل السمعي على خطاب الشارع بالتخيير فيه بين الفعل والترك. فلا يوجد حرية شخصية للمسلم لأنه لا يستطيع أن يفعل ما يشاء كيفما يشاء وقتما يشاء وإنما كل ذلك عينته الأحكام الشرعية. وأما حرية الرأي فإن المسلم ليس حرا في رأيه، إذ هو مقيد في كل رأي يقوله بما جاء به الاسلام قال تعالى : { وما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد } وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم ). فالعبد محاسب على كل كلمة يتفوه بها. وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا } ، وقال : { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن }. وقد أوجب الاسلام قول كلمة الحق في كل زمان ومكان ، ففي حديث عبادة بن الصامت في بيعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم : ( وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم )، كما أوجب مجابهة الحكام بالرأي ومحاسبتهم على أعمالهم، قال صلى الله عليه وسلم : ( سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله ). وهذا ليس حرية رأي بل هو تقيد بأحكام الشرع، ففي كل الحالات رأي المسلم مقيد بأحكام الشرع سواء في حالات الاباحة أو في حالات الوجوب. واما أن المسلم ليس حرا في عقيدته فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( من بدل دينه فاقتلوه) فالمسلم الذي يرتد يقتل إن لم يتب. وأما حرية التملك فإن الشرع قد قيد التملك باسباب محددة معلومة تعرف باسباب التملك الشرعية، فمثلا لا يحق للمسلم الكسب من الربا او من الاتجار بالمحرمات كالمخدرات او الخمر او لحم الخنزير او الدعارة .

وبناء عليه فالحريات في المفهوم الغربي تتناقض مع الاسلام، لأن الاسلام يقيد المسلم باتباع أوامر الله ونواهيه في كل شأن من شؤون الحياة ، ولا حرية مع وجود القيود، فالمسلم عبد لله تعالى، فهو مقيد بأوامر الله تعالى ونواهيه. وكل ما أسميته حرية في الاسلام باستثناء الحرية التي هي مقابل نظام الرق لا يسمى في الاسلام حرية بل هي أحكام شرعية لا تخرج عن الأحكام الشرعية الخمسة والتي هي الواجب والمندوب والمكروه والحرام والمباح . ووصف الحرية بالواعية أو بالمسؤولة أو بالبارة أو بالصحيحة الملتزمة ، وكذلك القول بالحرية ضمن الضوابط الشرعية يتناقض مع وصف الحرية لأن الحرية تنفي وجود قيود، فإذا وجدت قيود على حرية الانسان انتفت حريته.

وأما قولك ( وقمة الحرية - في التصوّر الإسلامي - قمة العبودية لله، ككفتا ميزان تعلو إحداهما لتهبط الأخرى، كلما قدمت تنازلات في خط العبودية لله كلما تنازلت عن درجة حريتك، وكلما ارتقيت في درجات عبوديتك لله كلما ارتفعت في درجات حريتك ). فيناقض بعضه بعضا ، لأن العلاقة بين الحرية والعبودية لله تعالى بحسب تشبيهك ( ككفتا ميزان تعلو إحداهما لتهبط الأخرى ) يحتم أن تقول : ( كلما قدمت تنازلات في خط العبودية لله كلما ارتفيت بدرجة حريتك، وكلما ارتقيت في درجات عبوديتك لله كلما هبطت في درجات حريتك )، وهذا هو الصحيح ، إذا ارتفعت واحدة هبطت الأخرى ، لأنك إذا تمسكت بعبوديتك لله تعالى ازددت تمسكا بأوامره ونواهيه، بمعنى أن القيود على تصرفاتك تزداد كلما ازددت طاعة لله تعالى وازياد القيود نقصان في درجة الحرية والعكس صحيح. فقولك : ( كلما قدمت تنازلات في خط العبودية لله كلما تنازلت عن درجة حريتك، وكلما ارتقيت في درجات عبوديتك لله كلما ارتفعت في درجات حريتك ) خطأ فوق أنه يتناقض مع التشبيه بكفتي الميزان.


هذا بالنسبة للحرية، أما العدالة فإن مفهوم العدالة في الاسلام يختلف عن مفهومها في الحضارة الغربية، فما يراه الاسلام عدلا ليس هو العدل من منظور الحضارة الغربية، وما تراه الحضارة الغربية عدلا لا يراه الاسلام عدلا، فمثلا الاسلام يعتبر أن تطبيق جميع الأحكام الشرعية يحقق العدل، كقطع يد السارق، وكمنع المرأة من تولي منصب الخلافة، وكاعتبار جميع جسد المرأة عورة باستثناء وجهها وكفيها، واعتبار عورة الرجل ما بين السرة والركبة فقط، وكجعل نصيب المرأة في الميراث نصف نصيب الرجل في حالات ، وكنصيب الرجل في حالات أخرى ، فهذه الأحكام على سبيل المثال لا الحصر تعتبر في منظور الحضارة الغربية ظلما لا عدلا .
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله