عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 14-04-2005, 01:12 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
إفتراضي

إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بذكره وأثنى على الذاكرين ووعدهم أجرًا عظيمًا فأمر بذكره مطلقًا، وبعد الفراغ من العبادات‏.‏‏.‏ قال تعالى‏:‏

‏{‏فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ‏}‏ ‏[‏سورة النساء‏:‏ 103‏]‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا‏}‏ ‏[‏سورة البقرة‏:‏ 200‏]‏‏.‏

وأمر بذكره أثناء أداء مناسك الحج خاصة فقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة‏:‏ 198‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ‏}‏ ‏[‏سورة الحج‏:‏ 28‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة‏:‏ 203‏]‏‏.‏

وشرع إقامة الصلاة لذكره فقال‏:‏ ‏{‏وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي‏}‏‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله‏)‏ ‏[‏رواه مسلم‏]‏‏.‏‏.‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً‏}‏ ‏[‏سورة الأحزاب‏:‏ 41-42‏]‏‏.‏

ولما كان أفضل الذكر‏:‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له – كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏خير الدعاء دعاء عرفة وخير ما قلت أنا والنبيين من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‏)‏ ‏[‏رواه الترمذي‏]‏ ولما كانت هذه الكلمة العظيمة ‏(‏لا إله إلا الله‏)‏ لها هذه المنزلة العالية من بين أنواع الذكر ويتعلق بها أحكام ولها شروط ولها معنى ومقتضى، فليست كلمة تقال باللسان فقط – لمّا كان الأمر كذلك آثرت أن تكون موضوع حديثي راجيًا من الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهلها المستمسكين بها والعارفين لمعناها، العاملين بمقتضاها ظاهرًا وباطنًا‏.‏

مكانة لا إله إلا الله في الحياة‏:‏

إنها كلمة يعلنها المسلمون في أذانهم وإقامتهم وفي خطبهم ومحادثاتهم وهي كلمة قامت بها الأرض والسماوات، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله ورسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه، ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار، فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب وعليها يقع الثواب والعقاب، وعليها نصبت القبلة، وعليها أسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، فهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وعنها يسأل الأولون والآخرون‏.‏‏.‏‏.‏ فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين‏:‏ ‏(‏ماذا كنتم تعبدون، وماذا أجبتم المرسلين‏)‏، وجواب الأولى بتحقيق لا إله إلا الله معرفة وإقرارًا وعملاً‏.‏ وجواب الثانية بتحقيق ‏(‏أن محمدًا رسول الله معرفة وانقيادًا وطاعة‏)‏‏(1)‏‏.‏

هذه الكلمة هي الفارقة بين الكفر والإسلام، وهي كلمة التقوى‏.‏ والعروة الوثقى وهي التي جعلها إبراهيم ‏{‏كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الزخرف‏:‏ 28‏]‏‏.‏ وهي التي شهد الله بها لنفسه وشهدت بها ملائكته وأولوا العلم من خلقه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران‏:‏ 18‏]‏، وانظر مجموعة التوحيد ‏(‏105 ،107‏)‏‏.‏

وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق، ودعوة الحق، وبراءة من الشرك، ولأجلها خلق الخلق كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏سورة الذاريات‏:‏ 56‏]‏‏.‏

ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، كما قال‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏سورة الأنبياء‏:‏ 25‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ‏}‏ ‏[‏سورة النحل‏:‏ 2‏]‏‏.‏

قال ابن عيينة‏:‏ ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله‏.‏ وإن لا إله الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا‏(2)، فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فمله ودمه هدر، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله‏)‏‏[‏ رواه مسلم في الإيمان برقم ‏(‏23‏)‏‏.‏‏]‏ وهي أول ما يطلب من الكفار عندما يدعون إلى الإسلام فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا إلى اليمن قال له‏:‏ ‏(‏إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله‏)‏ الحديث أخرجاه في الصحيحين‏[‏رواه البخاري ‏(‏3/255‏)‏ ومسلم في الإيمان برقم ‏(‏19‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

وبهذا تعلم مكانتها في الدين وأهميتها في الحياة وأنها أول واجب على العباد لأنها الأساس الذي تبنى عليه جميع الأعمال‏.

فضل لا إله إلا الله‏:‏

فلها فضائل عظيمة ولها من الله مكانة، من قالها صادقًا أدخله الله الجنة‏.‏ ومن قالها كاذبًا حقنت دمه وأحرزت ماله في الدنيا وحسابه على الله عز وجل، وهي كلمة وجيزة اللفظ قليلة الحروف خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان – فقد روى ابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏قال موسى يا رب علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به قال يا موسى قل لا إله إلا الله – قال كل عبادك يقولون هذا قال يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله‏)‏‏[‏ رواه الحاكم ‏(‏1/528‏)‏ وابن حبان برقم ‏(‏2324‏)‏ مورد الظمآن‏.‏‏]‏ فالحديث يدل على أن لا إله إلا الله هي أفضل الذكر، وفي حديث عبد الله بن عمر مرفوعًا‏:‏ ‏(‏خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‏)‏ رواه أحمد والترمذي‏[‏الترمذي في الدعوات رقم ‏(‏3579‏)‏‏.‏‏]‏، ومما يدل على ثقلها في الميزان أيضًا ما رواه الترمذي وحسنه، والنسائي والحاكم وقال‏:‏ صحيح على شرط مسلم، عن عبد الله بن عمرو‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يُصَاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مد البصر ثم يقال أتنكر من هذا شيئًا، فيقول لا يا رب، فيقال‏:‏ ألك عذر أو حسنة فيهاب الرجل فيقول لا – فيقال بلى إن لك عندنا حسنات، وإنه لا ظلم عليك فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله‏.‏ وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقول أنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة‏)‏‏[‏ رواه الترمذي رقم ‏(‏2641‏)‏ في الإيمان والحاكم ‏(‏1/506‏)‏ وغيرهما‏.‏‏]‏ ولهذه الكلمة العظيمة فضائل كثيرة ذكر جملة منها الحافظ ابن رجب في رسالته المسماة ‏(‏كلمة الإخلاص‏)‏ واستدل لكل فضيلة ومنها‏:‏ أنها ثمن الجنة، ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة، وهي نجاة من النار‏:‏ وهي توجب المغفرة، وهي أحسن الحسنات، وهي تمحو الذنوب والخطايا وهي تجدد ما درس من الإيمان في القلب وترجح بصحائف الذنوب، وهي تخرق الحجب حتى تصل إلى الله عز وجل وهي الكلمة التي يصدّق الله قائلها وهي أفضل ما قاله النبيون، وهي أفضل الذكر، وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفًا وتعدل عتق الرقاب وتكون حرزًا من الشيطان، وهي أمان من وحشة القبر وهول الحشر، وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم‏.‏ ومن فضائلها أنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، ومن فضائلها أن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لا بد أن يخرجوا منها، هذه عناوين الفضائل التي ذكرها ابن رجب في رسالته واستدل لكل واحد منها‏.‏

شروط لا إله إلا الله‏:‏

فإنها لا تنفع قائلها إلا بسبعة شروط‏:‏

الأول‏:‏ العلم بمعناها نفيًا وإثباتًا‏.‏ فمن تلفظ بها وهو لا يعرف معناها ومقتضاها فإنها لا تنفعه لأنه لم يعتقد ما تدل عليه – كالذي يتكلم بلغة لا يفهمها‏.‏

الثاني‏:‏ اليقين وهو كمال العلم بها المنافي للشك والريب‏.‏

الثالث‏:‏ الإخلاص المنافي للشرك‏.‏ وهو ما تدل عليه لا إله إلا الله‏.‏

الرابع‏:‏ الصدق المانع من النفاق‏.‏ فإنهم يقولونها بألسنتهم غير معتقدين لمدلولها‏.‏

الخامس‏:‏ المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه والسرور بذلك‏.‏ بخلاف ما عليه المنافقون‏.‏

السادس‏:‏ الانقياد بأداء حقوقها وهي الأعمال الواجبة إخلاصًا لله وطلبًا لمرضاته‏.‏ وهذا هو مقتضاها‏.‏

السابع‏:‏ القبول المنافي للرد‏ وذلك بالانقياد لأوامر الله وترك ما نهى عنه‏.‏

وهذه الشروط قد استنبطها العلماء من نصوص الكتاب والسنة التي جاءت بخصوص هذه الكلمة العظيمة وبيان حقوقها وقيودها وأنها ليست مجرد لفظ يقال باللسان‏.

يتتتتبع
__________________