عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 19-08-2001, 04:40 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

القياس المنطقي

ورد في تعقيبك : ( أن القياس المنطقي ليس خطأ في جميع الأحوال فهناك نوع من القياس المنطقي صحيح ولا غبار عليه وذلك عندما يكون تحت قاعدة الأولى ( بفتح الهمزة ) ومثال ذلك : الآية الكريمة ( ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما ) فإن الآية منعت من قول أف للوالدين وهذا يدل على منع ما هو أعظم من ذلك بمعنى أننا نستطيع القول : بما أن قول أف للوالدين محرم فمن باب أولى أن يكون الصراخ عليهم محرم وكذلك ضربهم وهذا قياس منطقي ولا يعترض عليه أحد. والقياس في الاستخلاف من هذا الباب أيضا.
على أن ضرورة الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله واضحة عقلا بشكل لا يحتمل أي تشكيك .. فهل يجيز العقل أن تظل الدولة الإسلامية التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وآله دون خليفة ؟ لا أظن أن أحدا لديه أدنى درجات العقل يقول بذلك ).


أما تعقيبي فكما يلي :

أولا- تحريم ضرب الوالدين المفهوم من قوله تعالى : { ولا تقل لهما أف } إنما فهم من الآية بدلالة مفهوم الموافقة. ومفهوم الموافقة يسمى فحوى الخطاب ولحن الخطاب والمراد به معنى الخطاب . ودلالة المفهوم هي : " ما فهم من اللفظ في محل السكوت ، فما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت موافقا لمدلوله في محل النطق هو مفهوم الموافقة، فهي مفهومه من اللفظ ولكن في محل السكوت لا في محل النطق، أي هي المعنى المسكوت عنه اللازم للمعنى المنطوق به، فهي فهم من اللفظ لا قياسا على مدلول اللفظ، ولهذا فهي من الدلالة اللفظية وليست هي من الدلالة القياسية، فيكون مستند الحكم في محل السكوت هو فحوى الدلالة اللفظية لا الدلالة القياسية ".


ثانيا- أما قولك أن الاستدلال بالمنطق ليس كله خطأ، فقولك صحيح لكن ليس على اطلاقه إذ أن القياس المنطقي كله خطأ في التشريع أو في استنباط الأحكام. وذلك لأن القياس المنطقي يقتضي التسوية بين المتماثلات ، وقد ثبت أن الشارع قد فرق بين المتماثلات وجمع في نفس الوقت بين المختلفات، وشرع احكاما لا مجال للعقل فيها. وقد بينت ذلك بالأمثلة إلا أنك لم ترد عليها. مع أن مثالا واحدا فقط يثبت أن الشارع قد فرق بين المتماثلات في الأحكام أو انه قد جمع بين المختلفات يكفي لنقض فكرة القياس المنطقي في التشريع لأن العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما، فلو اعتبر الشارع وجه الشبه أو العلة العقلية علة في الأحكام لكان حكم المتماثلات واحدا ولكان حكم المختلفات مختلفا . فمثلا مع وجود شبه بين الصوم والصلاة من حيث ان كلا منها عبادة إلا ان حكمهما بالنسبة للحائض مختلف، وهذا يعني أن الشارع لم يعتبر وجه الشبه والذي هو العبادة علة في عدم صلاة الحائض. ولو أخذنا بالقياس المنطقي لقلنا بعدم الصوم للحائض، وهذه النتيجة المنطقية تتناقض مع الحكم الشرعي المستنبط من النص. فهذا المثل يكفي وحده لعدم اعتبار القياس المنطقي في استنباط الأحكام الشرعية.

على أننا في نفس مثال الاستخلاف على المدينة يمكن أن نخرج بنتيجة منطقية غير النتيجة التي خرجت بها، ذلك أن جميع التعيينات التي أجراها الرسول صلى الله عليه وسلم للعمال والولاة في أثناء حياته ليست ملزمة للمسلمين بعد موته، فإذا قسنا تعيين الخليفة من بعده على تعيين العمال والولاة قياسا منطقيا فإن النتيجة المنطقية ان تعيين رئيس الدولة الذي أجراه الرسول صلى الله عليه وسلم في أثناء حياته لا يكون ملزما للمسلمين بعد موته.


ثالثا- القياس الشرعي هو الحاق امر بآخر في الحكم الشرعي لاتحاد بينهما في العلة ، أي لاتحادهما في الباعث على الحكم في كل منهما، ومعلوم أنه اذا وجد حكم في الأمر المقيس فلا يعمل بالقياس وانما يؤخذ حكم المقيس من النص. فإذا امتنع القياس مع وجود علة شرعية لوجود حكم في الأمر الذي يراد قياسه فالأولى أن يمتنع القياس المنطقي الخالي من العلة الشرعية، والذي يوجد فيه قابلية المغالطة والتضليل لاستناده الى مجرد وجود شبه بين المقيس والمقيس عليه . وفي المسألة التي نناقشها يوجد نص يدل على حكم تنصيب الخليفة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يصح أن يؤخذ الحكم الشرعي في الامامة قياسا على مسألة اخرى.


رابعا- أما قولك ( على أن ضرورة الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله واضحة عقلا بشكل لا يحتمل أي تشكيك .. فهل يجيز العقل أن تظل الدولة الإسلامية التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وآله دون خليفة ؟ لا أظن أن أحدا لديه أدنى درجات العقل يقول بذلك ) فأرد عليه من وجهين :

الأول : لم أقل أن العقل قد أجاز ذلك أو أنه لم يجز ذلك، وانما قلت هذه المسألة لا دخل للعقل فيها ، الذي يحكم فيها هو الله تعالى وليس العقل .

الثاني : ان عقل الذين يقولون بالتعيين قد اجاز ان تظل الدولة الاسلامية التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون الخليفة الذي عينه الله تعالى طيلة عمر هذه الدولة باستثناء فترة حكم سيدنا عليّ وابنه الحسن رضي الله عنهما والتي استمرت من سنة 35 هجري وحتى أوائل سنة 41 للهجرة أي حوالي خمس سنوات فقط من عمر الدولة الذي استمر لأكثر من 1300 سنة هجرية. وقد أجازت عقولهم أيضا أن الله سبحانه وتعالى يقوم بتغييب الخليفة الثاني عشر منذ سنة 260 للهجرة والى ما شاء الله ليس فقط من رئاسة الدولة التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل من الوجود بين الناس مع أنه حجة الله على خلقه. فإذا كان العقل قد قبل بذلك فإن الأولى أن يقبل بفكرة أن الله سبحانه وتعالى لم يعين الخليفة بل ترك الأمر للمسلمين يختارون من يشاؤون في رئاسة الدولة، وأن الله سبحانه وتعالى لم يجعل الامام حجة وانما حاكما يحكم بما انزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله