الموضوع: جسد بلا روح
عرض مشاركة مفردة
  #87  
قديم 21-06-2004, 02:10 PM
أطياف الأمل أطياف الأمل غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
الإقامة: على نفحات الأمل
المشاركات: 3,246
إفتراضي

في المدرسه..

من المفترض أن يبدأ دوامي في المدرسه الساعه السابعه.. ولكني منذ الساعه الرابعة والنصف صحوت من نومي.. وهل نمت؟؟ في الثواني القليلة التي نمت فيها كنت لا أحلم سوى بمدرستي.. وبلقائي بالمعلمات هناك..بالطالبات.. ماذا سيحدث؟ كيف سيقابلوني؟ كيف هي المدرسه؟
نظرت لوجهي في المرآة.. هل هكا سأقابل بيئتي الجديده؟؟ هل بوجه شاحب كهذا سأقابل طالباتي وزميلاتي المعلمات؟؟ لا! لابد من التصرف العاجل والسريع..
غسلت وجهي.. ووضعت فيه بعض المساحيق.. لم أضع كثيرا.. فقط القليل لأحسن من مظهر الأشباح الذي كنت أرتديه..
ارتديت أجمل ما عندي واستعديت للخروج..
في الساعه السادسه كنت مستعده للذهاب.. رآني سعود الذي كان للتو قد أفاق من نومه..
- روز.. إلى أين في هذا الوقت؟
بابتسامه عريضة على شفتي قلت: إلى العمل.. سأذهب إلى المدرسه..
اتسعت عيناه وقال: هل جننت؟؟
باستغراب قلت له: لا لماذا؟ما بك؟
- روز الساعه السادسه.. ومدرستك لا تبعد عن بيتنا سوى خمس دقائق.. هل ستذهبين من الآن؟؟
- وهل تريد أن يقولوا عني أني من يومي الأول متأخره؟؟
- لن يقولوا ذلك بل سيقولون أنك غبيه!!
- سعود لا تقل هذا..سأذهب الآن يعني الآن!!
- أنت عنيده ولا فائدة من الحديث معك.. اذهبي ..
- حسنا يا سعود مع السلامه..
ضحك سعود علي وقال ضاحكا: إلى اللقاء أيتها العنيده..
رغم أن المسافة قصيرة إلى المدرسه إلى أني أحسستها طويلة جدا جدا.. كنت فرحه مغتبطه.. أود لو يطوى الطريق فأصل بسرعه.. إلى المكان الذي تمنيت التواجد فيه.. أخذت أتخيل كل شيء وفي هذا الوقت القصير.. تخيلت المدرسه.. كيف هي من الداخل.. تخيلت المدرسات فيها.. كيف سيستقبلنني؟ أجل سيأتون إلي.. يسلمون علي ويأخذوني معهم ليعرفوني على المدرسه.. والطالبات؟ سألقى لهم القبول بإذن الله.. والمديره..سمعت أنها سيدة محترمه.. ذات قلب رحوم وشخصية متميزه.. بالتأكيد سأحبها.. ولكن هم.. جميع من في هذا الصرح.. هل سيحبونني؟؟
وصلت المدرسه فأخذت دقات قلبي تتعالى وتتصاعد.. أصبحت تدق على رتم واحد.. رتم قوي صاخب يكاد يسمع الأصم.. إلهي إني خائفه.. لا يا روز لا تخافي.. أجل يجب أن لا أخاف..بالطبع سأحبهم.. والأهم.. أنهم سيحبونني..
دخلت المدرسه.. وأتخذت وصية أمي هدى عند دخولنا لمكان جديد.. " لا تنسوا أن تدخلوا برجلكم اليمنى وتسموا باسم الرحمن فهو الحافظ "
ابتسمت..قدمت رجلي اليمنى ودخلت.. فسميت باسم الله..
- بسم الله الرحمن الرحيم..
يداي ترتجفان..قدماي أيضا.. وكأني بصدد الدخول لإختبار أو ماشابه.. فعلا..أنا في اختبار كسب محبة الجميع.. قد أنجح في الإختبار.. وقد أرسب.. أرسب؟؟ هززت رأسي وكأني أطرد هذه الفكره من رأسي.. لا يمكن أن أرسب.. يجب أن أنجح وبأعلى تقدير.. بإذن الله سأفعل..
مشيت قليلا باحثة عن حجرة المديرة.. كان مبنى جميلا كبيرا.. بصراحه يضيع من لا يعرفه جيدا..لذا وقفت بمكاني وأخذت أبحث بعيني يمنة ويسرى..علّي أجدها.. أرى نظرات الطالبات الفاحصه.. ويلي من تلك النظرات.. ذكرتني بأيام الدراسه.. كيف كنا نمعن النظر في المدرسه الجديده وننتقد كل مافيها..
خانتني جرأتي فلم أجرؤ أن أسأل أي من الطالبات عن موقع حجرة المديره..لا أدري أحسست برهبة لجمت لساني فلم اعرف ماذا أفعل..
تلك تمر فتنظر إلي بإزدراء.. وأخرى نظراتها مبهمه لا تدل على شيء.. وأما تلك فتراني وكأنها لا تراني.. لكن الأخرى هذه تنظر إلي باحترام رد لي قليلا من معنوياتي.. وجلست على هذه الحال أرقب المكان وأنتظر مساعدة أحد دون أن أطلبها حتى أقتربت مني طالبه عادية الجمال.. طويلة.. شعرها البني الطويل مربوط على هيئة ذيل حصان خلفها.. بيضاء مشربة بالحمرة.. يبدو عليها الأدب والتهذيب.. بدأتني بالتحيه: السلام عليكم..
- وعليك السلام ورحمة الله وبركاته..
- هل تحتاجين لمساعده؟؟ يبدو أنك معلمة جديدة هنا أليس كذلك؟؟
ابتسمت قائله: أجل أنا كذلك..
- حقا؟؟ وماذا تدرسين؟؟ أي مادة؟؟؟
- اللغه العربيه..
بذهول قالت: حقا؟؟
- أجل ولم لا؟؟
- لا أدري ولكني لم أعتقد أنه قد يتخصص بهذا التخصص غير المدرسات المخيفات..
ضحكت وقلت: إذا أنا كسرت القاعده؟؟
هزت رأسها بايجاب باسمه ثم قالت: كيف أخدمك يا أستاذه؟؟
- أرشديني لحجرة المديرة من فضلك
- بأمرك تفضلي معي..
- أشكرك..
سارت الفتاة أمامي وتبعتها أنا بنظرات متفحصة.. كانت تعرفني على أركان المدرسه وتخبرني ولكني كنت أحاول أن أكتشف كل شيء بنفسي..ولكأني طفل صغير عنيد يحب معرفة كل شي..وبنفسه..
أوصلتني لغرفة المديرة ثم استأذنت للذهاب لتحلق بالطابور الصباحي.. ضحكت بخفية فلقد تذكرت ما كنا نفعله وزميلاتي وقت الطابور الصباحي.. طرقت الباب ودخلت بعد أن أذنت لي المديرة (أم تركي) بالدخول..
فعلا كانت أم تركي كما وصفوها لي.. ذات شخصية متميزة جدا يظهر ذلك لمن يراها ولو للوهلة الأولى.. فلقد استقبلتني استقبالا جميلا..ثم أخذتني من يدي واتجهنا إلى غرفة المدرسات..وهناك.. بدأ اليوم..
دخلت أنا ومعي أم تركي وكانت الغرفة في لجة شديدة..تلك تتكلم والأخرى تضحك وتلك تضع المساحيق على وجهها أم تلك هناك فيبدو أنها لم تنم البارحه لذلك قررت أن تنام هنا في المدرسه.. ظلت الغرفة في صخب حتى انتبهوا من فيها لوجودنا.. خيم الصمت على الغرفة بعد الإزعاج.. أخذ الجميع ينظرون إلي.. ثم التفتوا لأم تركي محيين مستفسرين في الوقت ذاته.. بادلتهم التحية وكان في عينها سخطا عليهم لما رأته فيهم من اهمال وعدم انضباط ومظهر لا يناسب مظهر معلمات..
ألقت المديرة عليهم التحيه: السلام عليكم يا معلمات..
ردوا التحية فرادا كل لوحدها حتى تلك النائمة هناك صحت بعد أن وخزتها صديقتها وأخبرتها أن المديرة في الغرفة..
قالت أم تركي وهي تقدمني قليلا إلى الأمام: أعرفكم على زميلتكم الجديدة.. روز سلطان.. معلمة اللغة العربية الجديدة..
نظرت بنظرة خاطفة إلى وجوههم عندما ذكر اسمي وابتسمت بوجل.. إلهي خفت منهم..أحس بأني صغيرة جدا بينهم.. رغم أني في الثانية والعشرين من عمري!!
استطردت المديرة قائلة: تفضلي يا استاذه روز خذي مكتب الأستاذه نوره فلقد انتقلت إلى مدرسة أخرى منذ اسبوعين الآن..
- أشكرك يا أم تركي..
- إن احتجتي أي شيء أنا وأخواتك المدرسات هنا حاضرين لمساعدتك..
- لك كل الشكر..
- هيا استعدي لحضور الطابور الصباحي ومن ثم حصتك الأولى لهذا العام..
لم أجب بل اكتفيت أن ابتسمت لها فالتفتت على المدرسات وقالت:إلى الطابور الصباحي لو سمحتن!
ثم خرجت من الغرفة.. وما أن خرجت حتى تعالت ضحكات المعلمات.. ليس جميعهن..بل بعضهن.. بعضهن ممن كانوا أشبه بحزب معا.. يجلسون معا ويضحكون معا ولا لأحد سلطة عليهم.. هذا ما أخبرتني به من كانت بقربي.. وكان يبدو عليها وبشدة أنها مغلوب على أمرها بينهم..
نظرت إلي أحداهن وقالت بعجرفة: أنت!
قلت لها بتعجب: أنا؟
- أجل أنت.. ما اسمك؟
- اسمي روز!
ضحكت بسخرية وقالت: روز؟؟ هل أنت جاده؟
قلت بتحد: أجل ولم لا؟ ألا يعجبك؟
- بصراحة! أحس أنه لا يليق بك.. لا أقصد الإساءة ولكن الإسم غربي أكثر.. ولا يليق بفتاة شرقية سوداوية العينين والشعر!
لم أجبها بل اكتفت بالصمت فاستطردت أخرى قائلة: وهل أنت حقا معلمة لغة عربيه؟؟
أجبت : أجل أنا كذلك.. وهل لا يليق بي هو الآخر؟
- أجل لا يليق بك.. أنت مادة التدبير المنزلي أو الخياطة أليق بك!
- ولكني متخرجة من قسم اللغة العربية وأنا معلمة لغة عربية!
ضحكن بسخرية ثم قالت أحداهن: لا تثيري أعصابك يا صغيرتي.. فالأيام كثيرة وطويلة أمامك بإمكانك أن تثوري في أي منها.. وفري عصبيتك للأيام القادمه..
ثم قالت أخرى: وهل أنت متزوجه يا أستاذه روز؟؟
ولفظت الأخيره بسخرية كبيره..
قلت بعصبية: لا لست متزوجه.. هل لديك أسئلة أخرى؟
- أجل أين تسكنين؟
ردت بعصبية: وما دخلك أنت أين أسكن؟؟ وما بالكم أنتن؟؟ ما الذي فعلته لكن؟؟ أنا دخلت هنا مثلي مثلكن..مدرسة للمرحلة المتوسطه!! درست وتعبت حتى حصلت على شهادتي ولعلمكن بامتياز مع مرتبة الشرف! ولا يحق لأي منكن أن تقلل من قدري أو تحط من مكانتي أمام أي أحد.. لم أفعل لكن أي شيء فما بالكن؟؟
وبينما أنا أشعل نار غضبي في وجوههن تدخلت معلمة يبدو أنها كانت تستمع للحديث من أوله وقالت: عيب عليكن! هذه معلمة جديدة وزميلة لنا هنا فكيف تعاملونها بهذه الطريقة؟ وأي استقبال هذا؟
التفتت إلي مصافحة وقالت: مها عبدالرحمن.. معلمة المادة الإنجليزية للصف الثالث متوسط وأحيانا يحكم علي القدر فأدرس الصف الأول متوسط..
ثغرت فاهي وقلت: مهــا؟؟
ابتسمت باستغراب شديد وقالت: أجل مها..لماذا؟
قلت باندفاع: مها عبدالرحمن! أنت مها؟ لا أصدق
- اجل أنا مها لماذا؟ ما بك؟
- مها ألا تذكرينني؟؟
- بصراحه أعذريني يا عزيزتي..ولكن هل علي ذلك؟؟
- أنا روز! روز سلطان..
وضعت يدها على فمها وصاحت: روز؟ لا أصدق.. روز صديقتي أيام الدراسه منذ الصف الأول؟
هززت رأسي بإيماءة خفيفة وعيني امتلأت بالدموع.. ضمتني بقوة وقالت: لا أصدق روز؟؟ لا أصدق لا أصدق..
- أرأيت كيف الدنيا عجيبه؟؟
- أجل والله يا صديقتي... فرقتنا في المرحلة الجامعيه.. وعادت فجمعتنا في عمل في مدرسة واحده!! يا سبحان الله..
- سبحان الله يا مها.. كم أنا فرحه.. صحيح رغم استقبالي السيء.. إلا أني نسيت كل شيء منذ أن رأيتك الآن..
- اعذريهم يا روز فهم هكذا.. إن رأوا من تعجبهم يفعلون هذا لا تهتمي.. ولكن أخبريني.. هل تجولت في المدرسه؟
- أجل أخذتني أم تركي في جوله في المدرسة..
- اها إذن استعدي لحصتك الأولى.. وكلت بتدريس أي صف؟؟
- أتوقع الصف الثالث متوسط!
- أعانك الله.. هم متعجرفون بشكل كبير.. لقد درستهم عندما كانوا في الصف الأول متوسط والآن..ولم يتأقلموا معي حتى الآن!
- حقا؟ لا إن شاء الله لا يحدث هذا معي..
- إن شاء الله..
وبعد حواري مع مها ظللت أفكر.. هل سيحصل معي مع الطالبات كما حصل مع مها؟؟ لا بإذنه تعالى لن يحدث هذا.. لا إن شاء الله..
وفي الساعة السابعه..دق الجرس معلنا عن بدء الحصة الأولى.. وعندما نظرت إلى الجدول الذي سلمتني إياه المديره لم أجد لدي حصة أولى.. فحصتي الأولى تبدأ في الساعه السابعه و خمس وأربعون دقيقة.. انتظرت مرور هذه الخمس وأربعون دقيقة على نار.. لم أصدق متى انقضت.. وعندما دق الجرس اعلانا ببدء الحصة الثانية..نهضت بسرعة حامله كتاب قواعد اللغة العربية واتجهت إلى الصف المقرر علي تدريسه..


يتبع...
__________________


أحـــــــ هو حيــــــــــاتــــــي ــــمـــــــــــــد


الرد مع إقتباس