عرض مشاركة مفردة
  #12  
قديم 04-06-2007, 04:41 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

التوجه للوحدة يتناسب طرديا مع الرقي

لو تجرأ أحد المدعوين لحضور لقاء مع رئيس دولة أو مسئول كبير فيها، وخرج عن صمته، وقال بعض ما يجول في خاطره، وما كان قد سكت عنه ـ هو ـ وما كان قد سكت الآخرون عنه مدة طويلة، لانتابه شعور فوري بُعيد كلامه، بالتمني من أنه لو لم يقل ما قاله، لأن وقع كلامه على من يجلس في المنصة كان من الرداءة بمكان، كما أن رجاله المنتشرون في المكان قد تحفزوا لإسكات مواقع من ينغص هدوء سيدهم..

لقد تبخرت آمال المتكلم في أن جموع الجالسين أو الواقفين الذين ظنهم أنهم سيؤازرونه، سيقومون بتلك المؤازرة وضم أصواتهم الى صوته.. كيف لا؟ وهو كان يعتقد أنه يتكلم باسم الجماهير الكادحة!.. لا بل أن آماله تحولت الى أن لا يقوم أحد من تلك الجماهير الكادحة بضربه بعد رمقته عيونهم بغضب ممزوج بنفاق قسري، وسيقف أحد هؤلاء ويهتف بأعلى صوته ( يعيش القائد ..) ولن يتخلف أحد من الحضور بترديد الهتاف، حتى صاحبنا المخذول ..

هذا جانب من الرغبة الدفينة في مشاعر الناس بالتوحد ..

لو مات رجل ثري ترك لأولاده مساحات شاسعة من الأرض الزراعية، التي تزرع بالقمح والمحاصيل الحقلية والبساتين، وترك لهم أعدادا من المواشي، فإنهم ما أن يواروه التراب، حتى يبادروا باقتسام التركة، لينعموا بحرية التصرف بحصصهم وفق أهواء كل منهم، دون حساب، ودون رقيب. وهذا جانب من الرغبة الدفينة في عدم التوحد..

ألم يكن بإمكان هؤلاء الورثة أن يقتسموا ما تنتج أراضيهم ومواشيهم، تحت إدارة موحدة لأملاكهم التي ورثوها، ويوفروا على أنفسهم تشتيت الجهد، وتشويه الأرض والتركة، ويحس كل منهم بارتقاء مسئوليته لأنه جزء من مجموع؟ .. فقد تجعل الأرض المقسمة مسافة عرض الأرض قليلة، فيضطر صاحبها أن يحرثها باتجاه واحد، قد يصبح تكرار الحرث فيه مجرى للمياه فتعريها فتقل خصوبة الأرض، خصوصا إذا كانت من الأراضي المنحدرة..

إن السلوك الأخير، سلوك بدائي يبتعد عن الرقي، ولا يتقدم كثيرا عما كان عليه الإنسان الأول عندما يسكن في الكهوف، أو أنه يكاد يكون مطابقا لما كان عليه مجتمع الرعاة عندما يكتشفون غديرا من الماء، لا يسرهم أن يكون هناك شركاء لهم فيه..

هذا يجعلنا غير مندهشين عندما لا نجد أيا من الكتاب خلال قرن ونصف، لا يتكلمون عن فوائد الوحدة، بل تتركز أعمالهم على معوقات الوحدة، وشكل تلك الوحدة، فمنهم من يريدها عربية ومنهم من يريدها إسلامية، لكنهم يتفقون على استحسان أي عمل وحدوي يقترب مما يرنو إليه كاتب الخطاب ..

سلاح النقد .. أم نقد السلاح ؟

بإمكان أي رجل من دول العالم الثالث ـ وهو متكئ على جنبه ـ أن يخرج ورقة وقلم ويكتب سلسلة يصل عدد مفرداتها الى ألف من الانتقادات لأكبر وأرقى دول العالم.. وهذا يحدث في بلادنا، فلا نترك دولة عظمى أو غير عظمى أو وزيرا أو كاتبا أو أديبا أو لاعب كرة قدم، دون أن نضعه تحت باب النقد الشديد الذي يصل الى الاستهزاء والتحقير، وهي ظاهرة يعتقد من يمارسها، بأنه يتفوق على من ينتقده، حتى لو كان الناقد قد تجاوز عمره السبعين عاما، وأصيب في ساقيه، فلم يعد يقتدر على النهوض، لكنه لا يتورع من السخرية من مهاجم أضاع فرصة إحراز هدف في مباراة كرة قدم ..

أين العيب؟ هل العيب فيمن يُنتقد(بضم الياء) أم العيب فيمن يَنتقد (بفتح الياء) أي في الناقد أم المنقود؟ أم في سلاح النقد نفسه؟ أي في الموازين التي نستخدمها في المفاضلة بين صورتين؟ .. وقضية المفاضلة تلك تتمثل جليا في موضوع الوحدة.. فمن يوحد من؟ ومن أجل ماذا؟ وكيف؟ أي ما هي الوسيلة التي ستسخدم في التوحيد؟ ومن يحمل لواء التوحيد؟ هل هم ملوك وأمراء ورؤساء الجمهوريات للدول القائمة؟ أم هل هم أفراد وإن علا وزنهم وزادت ثقافتهم يقبعون في مناطق متفرقة داخل الوطن أو خارجه، يكتبون بلغة قد لا يطلع عليها إلا من هم مثلهم من القابعين في مناطق أخرى؟ عشرات بل مئات الأسئلة التي لو أثيرت لوجد الكتاب برنامجا لهم يغطي بقايا أعمارهم.. وما أن ينتهوا من كتابة ما جال في خواطرهم، حتى تتغير الظروف بحيث تصبح وصفاتهم التي كتبوها، لا تصلح للظرف الذي أنهوا كتابتهم فيه؟ هذا على افتراض أن المعنيين من الناس قد اطلعوا على ما كتب هؤلاء..

إن السلاح الذي نقصده هنا، هو حصيلة المعرفة التي كونت تلك المفاهيم المؤدية لكتابة مناهج تفكيرية في قضية الوحدة.. وهناك من المفكرين من يحبذ استخدام مصطلح (العقلية) التي أنتجت تلك الصيغ من المناهج ..

إن المعرفة الراهنة لأي كاتب أو مفكر عربي أو إسلامي، هي نتيجة تراكم ثقافة تنتمي للماضي في معظمها ـ ولا عيب في ذلك ـ وتتخذ موقفا غير متصالح مع ما هو حاضر، سواء كان الحاضر محليا (عربيا) أم عالميا لا يكن الود لنا ويتربص بوجودنا تربصا عدوانيا، فتتكون المناهج الذهنية لدى الكُتَاب بشكل انتقائي، تنتقي من الماضي ما تود استخدامه من معلومات، وتسكت عن القسم الأكبر، الذي لو تم تسليط الضوء عليه بتروي دون أن نجلد ذاتنا لكانت النتيجة أكثر فائدة، حيث سنتتبع مكامن الخطأ ونوازع الانفصال منذ بداياتها الأولى..

ليس هذا فحسب، بل يتناسى الكُتاب، وعن قصد، الواقع الراهن، بما فيه من مناهج تعليمية قطرية، وما فيه من قوى محلية لها مصلحة في بقاء الحالة القطرية المذعورة من التوحد غير الواضح، وعدم وضوحه ـ وحده ـ يجعل منه شبحا يخيف القوى الحاكمة ـ الراهنة ـ من السعي نحوه ..

ويتناسى الكُتاب، المشاكل الكامنة في الإثنيات من قوميات متعايشة مع العرب ومن طوائف وديانات تتعايش مع المسلمين. لا بل يذهب الكاتب في كثير من الأحيان الى التزلف والتملق لرؤية قديمة تستصغر تلك الإثنيات وتتعالى عليها، على غير وجه حق ..

كما يتناسى الكاتب الوضع الدولي والمصالح العظمى التي تفضل الحالة القطرية الراهنة لضمان انسياب خيرات المنطقة دون إزعاج..

إن التوفيق بوضع الحلول لكل تلك المحاور الهامة، هو ما يجعل من سلاح النقد وسيلة حديثة ملائمة للتوجه نحو الوحدة بهمم عالية يشترك فيها الحاكم الحالي الممثل للقوى الراهنة المستفيدة من الحالة القطرية وتلتف حوله الجماهير التي تقدم لها المناهج الوحدوية إجابات واضحة وحاسمة وقاطعة لما تنشده تلك الجماهير ..
__________________
ابن حوران