عرض مشاركة مفردة
  #14  
قديم 29-06-2007, 05:35 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

شروط تحقيق الوحدة ..

لم نطل الحديث في فوائد الوحدة، لاعتقادنا أن أعداءها هم من القلة بمكان، ولكن استخفاف الكثير من الناس بإمكانية تحقيقها، هو ما يجعلها خالية من الفوائد، أو أن الحديث بها خال من الفوائد. وإن كنا مررنا على تجارب (كعينات) من الأشكال الوحدوية في العالم، والحقيقة أن كل دول العالم القائمة الآن هي نتاج عمل وحدوي، وأكبر مثال على ما نقول هو أن تنحي سيادة المفهوم الوحدوي لا تضمن بقاء دويلة واحدة دون محاولات تجزئتها وتفكيكها، (لبنان، فلسطين، دارفور) ..

لذا سنتكلم عن شروط تحقيق الوحدة، كوننا قد تجاوزنا تساهل الآخرين في قبول فكرتها ـ حتى ولو على مضض ـ . وسيلاحظ القارئ الكريم الذي سبق له أن اطلع على مادة من هذا النوع، أن هذا الفصل وما يليه، سيكون متأثرا تأثرا كبيرا بما طرحه (د نديم البيطار) في أواخر السبعينات من القرن الماضي في كتابه الموسوم : (من التجزئة الى الوحدة ) ..

لقد وضع الدكتور نديم البيطار ثلاثة شروط لتحقيق الوحدة، ابتدأها بشرط أو عامل مهم هو إقليم القاعدة .. وقد عنى المفكر العربي بذلك القوة الأكثر تأثيرا في عينة من الوقت والتي تملك إرادة التوحيد أو تذويب ما هو خارجها فيها، وهذا الكلام، يصلح أن يُنظر إليه مجازا، ففكرة إقليم القاعدة أو القوة الأكبر، قد تكون تندرج:
1ـ تحت الشكل العشائري، حيث كانت نويات الدول تنشأ إما على ضفاف الأنهر أو في الموانئ ـ على البحار والمحيطات ـ أو على مقربة من المراعي والمياه في المناطق ذات الطبيعة الصحراوية ـ كمنطقتنا ـ وكانت تلك القوة الأكبر بمثابة إقليم قاعدة لرضوخ القبائل الأقل قوة لها والقبول بالتعايش معها ..

2ـ وقد تكون قوة إقليم القاعدة، قوة فكرية عقائدية، تكتسح في فورتها كل ما هو أقل شأنا منها، أو يتطوع من هو أقل شأنا منها لإعلانه بالرضوخ لها تحت باب الولاء والتعاون وغيره، وهو ما حدث في الفتوحات الإسلامية، وما حدث مع الاتحاد السوفييتي إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتلوينه أوروبا الشرقية بلون قد يكون لأبنائها رأي فيه لو كان عن رضا .. وهو ما رأيناه بعد تفكك المنظومة الاشتراكية التي كانت تتلون بلون واحد، استنكرته كل الأطراف بعد التفكك حتى إقليم القاعدة نفسه (روسيا) ..

3ـ وقد يكون إقليم القاعدة مجسدا بشخص واحد يمتلك صفات (كاريزمية) جاذبة، كما كان يحدث مع قيادات المسلمين، فكان يقال: دولة الرشيد، ودولة المنصور، أو كما كان يحدث قبلهم مع الفراعنة أو بعدهم مع (هولاكو وجنكيز خان) .. أو كما حدث في العصر الحديث مع (جورج واشنطن وهتلر و موسوليني ولينين وستالين و ماوسيتونغ وكيم إيل سونغ) .. فقوة رمز البلاد تعطي للشخص أهمية وكأنه هو (إقليم القاعدة) .. ألم تختف دولة (بروسيا) عن الوجود باختفاء رمزها (فريدريك) .. أو لم يعبر الشيوعيون بأشعارهم عن تلك الدالة عندما كانوا يتغنون .. فقد كتب (دجابيف) وكان من أهم شعراء الاتحاد السوفييتي في وصف ستالين بقصيدة أثارت إعجاب حتى أعداء الشيوعيين فقال :

لكنت قارنته بالجبل الأبيض، ولكن للجبل قمة.
لكنت قارنته بأعماق البحر، ولكن للبحر قاع
لكنت قارنته بالقمر الوضاء، ولكن القمر يضيء في نصف الليل
وليس عند الظهيرة
لكنت قارنته بالشمس البراقة، ولكن الشمس ترسل أشعتها عند الظهيرة
وليس عند منتصف الليل ..


وقد بقي هذا النمط من الأشعار سائدا ليس في حياة ستالين بل حتى بعد مماته، وليس في الاتحاد السوفييتي، بل حتى عند شيوعيي العالم أجمع، حتى جاء خورتشوف وسفه من يعبد الشخص ويؤلهه، ونشر أخطاء ستالين التي وضع بنشرها نهاية لتلك الموجة من التأليه، وقد نعود الى ذلك النمط من التعلق بالأشخاص وأهميتهم في دعم فكرة الوحدة في حينه ..

4ـ كما أن انتشار لغة أصحاب السلطة، تشكل عاملا إضافيا لجعل (إقليم القاعدة) يمتد الى ما يحيط بكل الناس الذين تحت إمرة قيادته، فيضطر السكان لتعلم لغة أسيادهم .. وهو شكل من أشكال التوحد والانضواء ..

5ـ العامل الاقتصادي .. فمع تطور الحضارة، لم تعد القبائل تتبادل ما تنتجه مع من يجاورها، بل تجاوزت الأمور ذلك، فأصبح العامل الاقتصادي عاملا مهما يجبر الناس على عدم رفض التوحد لارتباط الوحدة بأسباب معيشتهم .. ولو راقب أحدنا ما يجري اليوم في لبنان أو كردستان العراق، لأدرك أن هناك من لا يريدون قطع الأواصر لا مع العراق بالنسبة للأكراد ولا مع سوريا بالنسبة للبنانيين، فمصالحهم الاقتصادية تقتضي التساهل في نزعة التفاخر القطرية أو (الإثنية) ..

وهذا الشكل من التوجه الوحدوي بهدف (الاقتصاد) ساد معظم مناطق العالم، من جنوب شرق آسيا، الى دول أمريكا اللاتينية، الى أوروبا التي تعززت توجهات توحدها الاقتصادي لتتقدم في طريق توحيد رؤاها السياسية و العسكرية والبرلمانية، حتى غدت كأنها كتلة اقتصادية سياسية عسكرية واحدة، مع الاحتفاظ بالسيادة القطرية في بعض أشكالها التي تضمن بعض الخصوصيات الوطنية..

لكن هل يمكن لإقليم القاعدة أن يقود حركة التوحيد دون اعتراف الآخرين له بالقوة؟

من يتتبع نماذج التوحيد في بلدان العالم، سيجد لا القوة البشرية ولا الاقتصادية ولا الأيديولوجية، هي ما كانت تعطي زخما لإقليم القاعدة أن يقوم بعملية التوحيد.. بل كان لا بد أن يكون مع كل من تلك العوامل منفردة أو مجتمعة، عامل آخر وهو مهم جدا وحاسم، وهو القوة العسكرية، وأهمية هذا العامل تبرز في درء أخطار قوى خارجية لا يروقها موضوع التوحيد، وهذا جرى مع (يوسف بن تاشفين) في توحيده لإمارات الأندلس، حيث كان يجب عليه درء أخطار (القشتاليين ) وهو يقوم بعمليات توحيد الإمارات، كما كان يحدث مع الفارس (صلاح الدين الأيوبي) وهو يسكت ويحيد ويوحد حكم الأتابكة، وهو في نفس الوقت يحارب الصليبين، فقد انتزع كل من القائدين أهلية (إقليم القاعدة) باعتراف الجميع ..

هذا أيضا حصل مع جورج واشنطن، وهو يتخلص من المحتلين البريطانيين، ويخوض حروبا لتوحيد الولايات المتحدة. كما حدث مع ماو تسي تونغ في توحيد الصين .. إذ كان يحارب قوى متعاونة مع المحتلين، وهو في طريقه لتوحيد الصين ..

كيف يمكن تطبيق موضوع إقليم القاعدة على حالتنا العربية؟

يمكننا القول أن تجربة محمد علي في مصر في بداية القرن التاسع عشر، كانت تمثيلا أكيدا لإقليم القاعدة، حيث اعتبر مصر إقليم قاعدة (جغرافي) .. كما اعتبر نفسه (وهو الألباني الأصل) (رمزا لإقليم قاعدة) .. كما أنه بادر الى توضيح خطابه القومي من خلال انتقاده للدور العثماني الذي لم يستطع درء حملة نابليون على مصر، فجاء انتقاده للفساد الذي دب في جسم الإمبراطورية العثمانية، ورغم المكائد التي صنعت له في السودان والجزيرة العربية، والتي تم تكليفه بإخماد الثورات فيها، بوحي من معشر الدائنين للدولة العثمانية، والذين لم يرق لهم وجود مثل هذا النموذج الطموح في تعطيل خططهم باقتسام ممتلكات الدولة العثمانية، فقد نجح محمد علي بواسطة جيوش قادها ابنه ابراهيم في تعطيل من كان يريد تعطيل مشروعه، وكاد مشروعه أن يتحقق لولا التحالف الاستعماري الغربي (من سبع دول غربية استعمارية) الذي أجبره على تفكيك مصانع السلاح والذخيرة، و تقليص جيشه من (540 ألف) مقاتل الى 12 ألف فقط ..

كان نموذج محمد علي قد أوحى لقادة في القرن العشرين من تكرار التجربة، التي حاولت قوى محلية تعطيلها نيابة عن الغرب، ولكن في كل مرة كان الغرب يضطر للتدخل في معالجة الوضع بنفسه، هذا ما حصل مع مصر (جمال عبد الناصر) وما حصل مع عراق (صدام حسين )

بالمقابل فإن القوى المتصدية لقوى التوحيد، لا تملك مقومات تحولها الى إقليم قاعدة، لا من حيث التقنيات ولا الرموز ولا القوة العسكرية .. فكانت تكتفي بتصيد عثرات من يملكون خصائص إقليم القاعدة، بل أن قوى محلية هزيلة تتماطى وتمثل دور العمالقة مستفيدة من ظروف دولية معروفة، وتحل محل قوى إقليم القاعدة ولو الى حين ..
__________________
ابن حوران