عرض مشاركة مفردة
  #15  
قديم 21-07-2007, 03:57 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

هل بالقوة العسكرية أم بالرغبة السياسية يتم التوحد؟

إذا سلمنا بأثر إقليم القاعدة، في عملية التوحد، وهي مسألة يكتنفها بعض الغموض وقد نخضعها في مرحلة متقدمة لنقد يشذب مفهومها، أو على الأقل نبين فيه زعمنا بعدم اكتمالها، فإن مسألة تسهيل مهمة الداعين للوحدة منطلقين من إقليم القاعدة، ستمر عبر طريقين، هما : طريق القوة العسكرية، والثاني طريق القبول والتوافق السياسي السلمي، بطلب من دولتين أو أكثر في قبول التوحد والاندماج بشكل إرادي وطوعي ..وإن هذا التعميم نفسه ليس بتلك الأهمية، حيث لم تثبت وحدة بلاد بالقوة العسكرية وحدها، ولم يكن هناك نماذج كثيرة لإرادة التوحد السياسي الصرف بقبول كل شرائح الدولة المطروح عليها فكرة التوحد، فسيبقى هناك من الرافضين لسبب اقتصادي أو عِرقي أو ديني أو غيره ..

لم تشهد دول الشرق النموذج السياسي في طلب التوحد إطلاقا(إذا استثنيا تجربة وحدة اليمن حديثا) .. وكذلك فإن أوروبا لم تشهد مثل هذا النموذج، إلا في حالتين هما هولندا وسويسرا .. ولكن التجربتان الأسترالية والكندية تعتبران نموذجان على عملية التوحد السياسي ..

نماذج التوحد العسكري المتبوع بالتوحد السياسي:

كانت نواة ذلك التوحد موغلة بالقدم، تقوم بها قبائل بدوية تهاجم المزارعين في أقاليم معينة وتبيدهم عن بكرة أبيهم، كما حدث في غزو القبائل المنحدرة من شمال بحر قزوين الى بلاد (فارس الحالية) وإحلال شعب مكان شعب، أو إذابته نهائيا. ثم تطورت فكرة الغزو للقبائل البدوية في الإبقاء على شعوب الأقاليم المحتَلَة، مع إخضاعهم بالقوة والقسر، واستثمار جهدهم في الزراعة والصناعة واقتسام إنتاجهم بين الغزاة، مع إبقاء القليل من ذلك الإنتاج للسكان الأصليين. ولكن الأمور أخذت شكلا مختلفا في القرون الوسطى ..

النماذج القديمة في التوحد

الحالة السومرية :

كانت المدن العراقية القديمة تتبارز في إظهار الشكل الحضاري المتقدم على مثيلاتها، فاستغل سرجون قوة مدينته باعتبارها (إقليم قاعدة) وأخضع المدن العراقية أولا، ثم أنشأ أول إمبراطورية بالتاريخ امتدت حتى بسطت نفوذها على كل غرب آسيا .. حتى أطلق على نفسه ملك (جهات العالم الأربع) .. لكن تلك الإمبراطورية انهارت بعد قرن من الزمان، حيث لم تستطع القوة العسكرية وحدها أن تصنع أمة موحدة .. كما انهارت بعدها محاولات سلالة (أور) الثانية.

الحالة المصرية :

تتكرر الحالة السومرية في مصر، عندما وحد الملك الإمبراطور (مينيس) كل مصر، بعد أن انطلق من مصر العليا من مدينة (نيس) باعتبارها (إقليم قاعدة) وعرشه كان المحور الرئيس الذي اعتمد عليه في بناء مشروع الوحدة المصرية. ولكن المصريون وجدوا رفاهيتهم في وحدتهم، فمهما تقلب على مصر من حكام، سواء محليين أو غزاة، فإن الشعب المصري دافع عن وحدة البلاد، وانصهرت العروق الداخلية وتعايشت الديانات فيه، باعتبار أن وحدة البلاد، هي مسئولية شعبية أكبر من كونها مسئولية سياسية ترتبط بمحور رئيسي هو العرش أو شكل الحكم. وهذا الاعتقاد انتقل للغزاة أو الطامعين في مصر، فتعاملوا معها كوحدة واحدة ..

حالات أخرى عديدة :

كانت هناك حالات هي عبارة عن سيادة قبيلة ترغم قبائل أخرى، على الخضوع والاندماج بها، لا تفتأ تلك القبائل الخاضعة أن تنسى ماضيها، وتتعايش مع الحالة الجديدة التي تشبع قرارة نفسها وتحسسها بقوة وانتماء هو أكثر أهمية من إعادة التفكير بخصوصياتها القبلية الأخرى .. تلك الحالات وجدت بالقبائل المغولية والتركية ، وحتى العربية في العصور الإسلامية في آسيا، والسلافية في شرق أوروبا، وقبائل إفريقيا. وقد تكون إمبراطوريات تلك القبائل التي أصبحت بفعل سيادتها لفترات طويلة على مساحات شاسعة من البلاد، أمما لها شخصيتها الحضارية والدينية والثقافية، قد انهارت وزال سلطانها أو ضعف، لكن خصائصها كأمة وأحلام أبناءها، لا زالت قائمة، وتحتل مساحة مؤثرة في صياغة خطاباتها الأيديولوجية ..

أما في العصور الحديثة :

الحالة البريطانية :

سيطرت بريطانيا مثلا، على (ويلز) سنة 1282 عسكريا، ولكن القوانين والإرادة السياسية لم تتوحد إلا عام 1485.. فلم يحقق الاحتلال العسكري الوحدة والاندماج إلا بعد مرور قرنين من الزمان .. ثم تطورت فكرة الإخضاع باعتبار أن بريطانيا هي إقليم القاعدة والعرش الملكي فيها هو المحور الأساسي الذي كان ينتبه في مصاهرة الأقاليم بتزويج بنات الملك من أمراء تلك الأقاليم أو زواج أبناء الملك أو الملكة من بنات أمراء تلك الأقاليم، فكان العمل العسكري مقدمة لم تثبت أواصر الوحدة، إلا في إتباع طرق مساعدة أخرى، مع التوجه الاستعماري فيما بعد الذي أسهم في وحدة القوى الاقتصادية والسياسية في ترسيخ أركان تلك الوحدة. وإن كانت (ايرلندا) لغاية الآن تساور أبناءها أفكار انفصالية جدية ..

الحالة الأمريكية :

لو تم سؤال أي مواطن من مواطني (الولايات المتحدة الأمريكية) قبل عام 1865 عن وطنه لأجاب : إنه كارولينا، أو فرجينيا أو تكساس، ولن يجيب أي منهم أنه من الولايات المتحدة الأمريكية.. إن الشعور بالقومية الأمريكية صنعته حالة الوحدة، وليس العكس، أي أنه لم تصنع المشاعر القومية الوحدة. لكن كيف تم ذلك؟ فلقد كانت أجزاء الولايات المتحدة الأمريكية مستعمرات، منفصلة تماما عن بعضها، وكل واحدة كانت تعتبر عالما صغيرا معزولا عن غيره، ولقد كتب أحد الزائرين الأوروبيين آنذاك يصف الحالة التي كانت بين تلك الأجزاء من الولايات المتحدة (الحالية) يقول : { إن الماء والنار لا تختلفان كما تختلف المستعمرات الموجودة في شمال أمريكا فليس هناك من شيء يستطيع أن يزيد من درجة الحسد والمنافسة القائمة بينها} .

وفي المناقشات التي كانت تتم حول الدستور الأمريكي قبل تبنيه عام 1787 كانت الفروق الإقليمية عنصرا مهما. وكان الكثير من المراقبين يعتقدون أنه لا يمكن لوحدة حقيقية أن تتحقق أبدا في تلك البلاد*1

قبل الثورة الأمريكية لم يكن هناك ولاء لأمريكا، بل كانت الولاءات للمنطقة (الولاية) وما يحمل أبناؤها من آمال وأحلام للتخلص من المستعمر الإنجليزي، فقد قاد النصر في تلك الثورة الى شعور بالوحدة، ولكنه غير مرسخ في نفوس السكان، فأخذت الصراعات تتكرر بين السكان وبالذات أولئك في الولايات الجنوبية ضد الأغنياء، ولم يمنع الدستور الموحد وتشكيل الأحزاب التي تضم كل أبناء الولايات في منع المحاولات العديدة للانفصال .. فقد كانت الوحدة الأمريكية تحتاج المزيد من الوقت للتعود عليها.. وقد كانت الحرب الأهلية عام 1860 عاملا قويا في تشكيل الدولة الفيدرالية الاتحادية التي راعت في تفاصيل بنود صلاحيات الحكام الفرعيين ما كان يجعل الأمريكان يناصبون العداء للوحدة.. ومنذ ذلك اليوم فإن تقاليد الدولة التي اعتمدت احترام الدستور أحيانا وتنصيب عدو خارجي يجعل الأمريكان يفضلون الوحدة، كما أن الإحساس في إشباع التفاخر بالانتماء الى الولايات المتحدة سواء من حيث بروزها كقوة عسكرية أو اقتصادية قد دعم هو الآخر روح التمسك بالوحدة ..

هوامش
ـــ
القوانين الأساسية لتجارب التاريخ الوحدوية/ نديم البيطار/ مركز دراسات الوحدة العربية/ بيروت/ ط1/ صفحة 63/ وضع هامشا أخذه عن :
Carl Joachim Friedrich/Trends of Federalism, in Theory and Practice/ New York/1960 p 54
__________________
ابن حوران