عرض مشاركة مفردة
  #25  
قديم 04-10-2005, 07:35 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

في بلادنا العربية السياسة تشبه السياسة لكنها ليست هي :


العقود أي عقود تتم بين أطراف تتساوى في أوضاعها لحد ما ، و لن يكون عقدا حقيقيا بين طرفين أحدهم قوي جدا ، و الآخر ضعيف جدا . فالدائن الذي يرهن ممتلكات المدين ، اذا أراد أن يعمل معه تسوية ما فان تلك التسوية ستكون بصالح الدائن بالتأكيد .. اتفاقيات أوسلو خير دليل على ذلك ، وما تلاها نتيجة حتمية للقبول بمبدئها ..

نحن لدينا آلاف الملاحظات على النظام الرأسمالي العالمي ، وتلك الملاحظات نستنبطها كمراقبين من جراء أثرها علينا كأمة . لكن الأطراف المتعاقدة هناك متقاربة بقوتها ، فتتناوب على تداول السلطة ، على ضوء ما تكسب من أصوات في لعبة ( الانتخابات ) .. لذا فان العقد فيما بين تلك الأطراف و ضعت نصوصه وتم التصويت عليها لتكون أساسا للاحتكام عند الخلاف . وهذا آت من ثنائية وجه القوة الراهنة ( التي لنا عليها الملاحظات السلبية ) .

لكن تطورت عندهم أسس القوانين التي يحتكموا لها بفعل ، قوة المراقب الذي تنحى وقتيا عن الحكم ، وأصبح معارضا لمن في الحكم ، فيقوم باقتناص أخطاءه وإخبار جمهور الناخبين بها ، لزعزعة بقاء من الحكم لمدة أطول .. فيضطر من في الحكم أن يتنافس بجدلية نافعة لتلك المجتمعات ، مع المعارض و يقدم لهم ما هو أفضل ..

لديهم ملوك ولديهم رؤساء جمهوريات ، لكن هؤلاء لهم دور لا يعدو كونه أكثر من رمز ، أو صمام أمان يوحي باستمرارية النظام و يمارس بعض الأدوار الكرنفالية ، و كلما كانت تلك الصورة أكثر وضوحا ، كلما كانت التجربة البرلمانية أكثر نزاهة ، لحرص الطرفين الأقوياء على مراقبتها ، لحساسية النتائج ، فتصبح النزاهة ذات وظيفة و ضرورة أكثر من أن تكون هدفا و سمة أخلاقية للنظم البرلمانية ، التي لا مكان فيها أصلا للضعفاء ..

أما في بلادنا العربية ، تجد أن الملك ، يحمل لقب و اسم ملك ، لكن له كل شيء فهو من يضع قوانين الانتخابات ( في حالة الدول التي بها انتخابات) .. وهو الذي يختار الوزراء ، وهو الذي يحل البرلمان أو يبقيه ، وهو الذي يرسم السياسة الخارجية ، ولم يحدث في تلك الدول ان تم تصويت داخل مجلس الوزراء .. فكلهم من لون واحد ، و اختيارهم يتم ضمن دوائر المخابرات والديوان الملكي ..

في النظم الجمهورية ، رئيس الجمهورية يقوم بنفس أدوار الملك السابقة ، ولكنه يحبذ اسم رئيس جمهورية عن ملك ، لا أدري لماذا ؟ ولكنها قد تتعلق بماض أيديولوجي ، أو تتعلق بصيغ الخطاب ذي الطابع ( الإسزاري) الذي يضفي على نفسه اللون الوطني ، في حين هو غارق لأذنيه بخطط لإرضاء السيد الإمبريالي ..

هناك برلمانات عربية ، هي تحمل اسم برلمان ، لكنها ( تحويلة إضافية) للتعبير عن صوت النظام الملكي في الممالك ، و الجمهوري ( في الجمهوريات ) و تبقى تعبر عن ذاتها الجماعية بروح ذاتية أفرادها كمجموع يسترضي بقاء قبول النظام لها لتسيير مصالحها الذاتية والفئوية ، ويبقي احتمالية بقاءها في البرلمان مدة إضافية .. وهي بذلك لن تختلف كثيرا عن لعبة الصوت في الدول الإمبريالية ، والتي يمنح الرضا فيها القوى المهيمنة رأسماليا و تتوزع في خندقين ، وليس خندق واحد ..

من هنا نقول أن وجود آخر قوي ، تفتح له قنوات النشاط داخل بلادنا يؤمن سير الحياة السياسية بشكل سريع . و على أصحاب القوة الراهنة الذين بيدهم الحكم أو يطمحوا لاستلام الحكم أن يعتنوا بالآخر ( المعارض) كاعتنائهم بذاتهم الجماعية لتأمين ما يلي :

1 ـ تنمية قدرات أفرادهم من خلال استفزازها لعمل ما يتم انتقاده جماهيريا من خلال رصد عناصر المعارضة لبؤر الفساد ، وممارستها النقد للدولة ..

2 ـ منع تسلل المتطفلين على الخط السياسي ، واستغلاله أسوأ استغلال ، و تجيير مساوئ هذا الاستغلال لطهرية الخط السياسي الحاكم ، الذي سيجد نفسه مضطرا للدفاع عن تلك العناصر الانتهازية المتسللة للحكم ، في غياب معارضة نشطة ، تمارس النشاط بروح وطنية عالية ترفد بها خط الدولة الوطني .

3 ـ تفويت الفرصة على المعارضة الخائبة ، من خلال دفعها لقول ما عندها وجعل الجمهور يقرر كم هي خائبة . و عدم ترك المجال لها لتبرر خروجها من البلاد و تمثيل دور الشهيد ، مما يجعلها تشوش على الوطن بصورة أكبر خطرا.

4 ـ تضييق الخناق على حلقات الفساد ، من خلال جعل الوطن ساحة مفتوحة لكل الشرفاء ، يسهمون في مراقبة كل مفسد .. وهذا يسهل ، دفع أطهر و أنقى العناصر الوطنية للتمكن من احتلال أعلى مناصب الدولة عن جدارة .

5 ـ تعزيز فكرة التحصن الجماهيري لدى الحكم ، بدلا من جعله أسير لفكرة التوازنات و المصالح الدولية الكثيرة والمتربصة بكل بلادنا ..

6 ـ تفويت التدخلات الخارجية ، من خلال ترسيخ مفاهيم تناقل السلطة بين أبناء الشعب بطريقة لا يمكن التكلم حولها ..

ان تلك الأمور السابقة ، لا يمكن التدرج بها و تحقيقها ما لم يتم التحرر الوطني بشكل كامل .. ولكن لا يمكن إغفالها و تجاهلها الى أبعد الحدود .. بل ممكن أن يتم التحدث بها مع فصائل وطنية ، حتى أثناء التحرر أو ترسيخ التحرر ، فهي أدوات فعالة في تحقيق التحرر الوطني ، وترسيخه ، و المضي قدما في تحقيق الدولة القوية التي لا تهاب أي خطر ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس