عرض مشاركة مفردة
  #40  
قديم 27-05-2003, 11:58 AM
بصمه أمل بصمه أمل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
المشاركات: 5
إفتراضي

إن أفسد شئ للأديان هو غرور أصحابها، وأعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحسبون ان انتمائهم المجرد للدين قد ملكهم مفاتيح السماء ، وجعلهم الوارثين الوحيدين للجنة ، وخزنتها !

هل كبح كل فرد منهم أهوائه؟ هل أمات جشعه ؟ هل جند ملكاته للتسبيح بحمد الله والاهتمام بآلام الناس ؟
لم يفعل شيئا من ذلك ، كل ما يملأ أقطار نفسه أن له بالله علاقة مزعومة ، لا يعرف لها وزن ..
ومن ثم فإن هذا "المحتسب" يتوسل إلى أغراضه الدنيوية بما يتاح له من أسباب ، بغض النظر عن قيمتها الأخلاقية ، وقد كان بنواسرائيل قديما مهرة في ارتياد هذه المسالك المعوجة..
إن صياح الغلاة من المسلمين ألقى في روع الناس أن الإسلام جلاد الإنسان وسجان المرأة وعدو اكتمالهم الإنساني .. فلماذا نفتح لهم الباب حين تعارض هيئتهم الشرع والقرآن والعقل والإنسانية ؟!

يقول الرسول الكريم : (( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه : لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من يتبع عوراتهم يوشك أن يفضحه الله ولو كان في قعر بيته )) ، ثم إن ممارسات هيئة الأمر بالمعروف من تشدد واحتكار للفكر ، حتى إنهم يصرّون على لباس خاص بهم والتمسك بأمور مظهرية للتمايز على خلق الله بأنهم رجال الدين ، فإن كثير من المسلمين ينفرون منهم ، فالعلم لا يورث ، والعلم لا يجر منافع طبقية .

إن أمر الحسبة في الاسلام هو ضبط آداب الشارع من قذف وشتم ومجاهرة بالمعاصي ، وليس التفتيش عن عقائد الناس في قلوبهم ، فلنا الظاهر ، والله يتولى السرائر ، والقاعدة الأصلية في الاسلام أنه ( لا إكراه في الدين ).

إن هيئة مكلفة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كهذه المطبقة بالسعودية تشويه لمفهوم الأمر بالمعروف في القرآن والإسلام ،
هم مجرد مجموعة عبدت ظاهر النصوص القرآنية ، وتركت وعادت جوهرها من تسامح وسعة ..

فلننظر للتشويه القرآني الذي تسبب فيه وجود هيئة للأمر بالمعروف:

حين يقول الله تعالى:
( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) ، ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ..) ، ( يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين) ، (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر) ، ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة .. ) ..

فهو أيضا يقول:

( لا إكراه في الدين ) ، ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة.. ) ، ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا "أفأنت تكره الناس" حتى يكونوا مؤمنين ) ، ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. ) ، ( إنما أنت "نذير" ) ، ( .. وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن اسلموا فقد اهتدوا "وإن تولوا فإنا عليك البلاغ".. ) ، ( وما على الرسول إلا "البلاغ" ) ، ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين .. )

أما مفهوم هيئة الأمر السعودية فقد أخذ الجزء الأول من الآيات وترك الثاني فشوه أعضائها بذلك أحكام الإسلام وجنوا على روحه.. ليس هذا فحسب، هم شوهوا السنة الشريفة أيضا، صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: "من رأى منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان" ..
إلا أن فصل هذا الحديث عن بقية الآيات والأحاديث المعنية بنفس المسألة ، أدى إلى تحول أعضاء الهيئة إلى جواسيس على بقية الناس ، يستولون على مسئولية إقامة العدالة والنظام ، ويجمعون في أيديهم صلاحيات الاتهام والتحقيق وتنفيذ احكام والي نعمتهم ، ويسدون ذرائع وهمية قبلية لا إسلامية..


اعتقد إن خوف كثير من المسلمين من تطبيق الشريعة الإسلامية ، مرده الخوف من الممارسات الخاطئة لبعض الملتزمين التزاما شكليا ، والتي أطلقت على الاسلام ظنا منهم أنها هي الاسلام ، والإسلام منها براء.

إن وظيفة المحتسب يجب أن يقوم بها أهل العلم والاجتهاد ، إذ أن العلماء اتفقوا على أنه لا يجوز لأحد أن يحمل الناس على مذهب معين طالما أنهم يقلدون مذهبا معتبرا من مذاهب السنة ، فالذي لا يعلم الاختلافات بين المذاهب قد يقع في أخطاء ، ضررها أشد من نفعها.!

** فهاهو أحدهم يحتج على امام مسجد بمكة لمجرد أنه "قنت" في صلاة الصبح ، وقام علاوة على ذلك بتبديعه ، ولم يعلم أن ذلك سنة مؤكدة في المذهب الشافعي .!

** وهذا آخر يتعدى بالضرب على رجل لمجرد أنه رفع يديه بالدعاء بعد الصلاة المكتوبة .!

** وهذا ثالث ينهر فتاةً مسلمةً بالحرم المكّي الشريف ، وينعتها بالفجور ، لمجرد أنها لا تضع غطاءاً لوجهها ، بالرغم من أن المذاهب الفقهية الأربعة تجيز للمرأة كشف وجهها وكفيها ، بل ويجمع جميع علماء المسلمين على "وجوب" كشف الوجه للمرأة المُحرمة .!

** وهاذان رجلان يختصمان في احدى ساحات حرم المصطفى صلى الله عليه وسلم, لمجرد أن العابد الثاني كان حليق اللحية .!

** وهؤلاء رجال جهلاء يزيلون يد الرجل حينما يضعها على وسطه حال السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام المواجهة الشريفة - رغم وجود دليل على ذلك وهو في صلاة الجنازة عند تلاوة الصلاة على رسول الله تكون اليدان موضوعتين في صدر المصلي ، وهذا مقرر في جميع المذاهب ، وهذا الأمر لم يرد فيه نص لا بالإيجاب ولا بالرفض ، وانما يفعله الناس احتراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعظيما وتوقيرا له ، لا عبادته كما يزعمون .!

فالداعي حينما يدعو إنما يدعو الله سبحانه وتعالى ، فالعبرة هنا بالنية ، ولا تكون العبادة عبادة الا بالنية ، والدعاء هو العبادة ، والمؤمن يصرف الدعاء الى الله وليس لأحد أن يظن بالمسلمين السوء ، فالله قد نهى عن الظن حين قال عز وجل :
(( إن بعض الظن إثم )) ، فمابالنا بكل الظن ؟! وليس لأحد أن يخالف نصا قطعيا في القرآن على ظن خطر في باله فجأةً ، فالرسول يقول :
(( وإنما لكل امرئ مانوى )).

فسبحان الله كيف قاد الجهل أمثال هؤلاء الى التعدي بالضرب وبالقذف والإيذاء ! فحتى وإن كان ولابد ، فامتثال لقوله تعالى :
(( ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )) .

بل وقع ذلك المحتسب الغوغائي في منكر أعظم ، وهو إثارة الشغب ، وحقن أفراد المجتمع.

ينبغي على الدولة ان كانت مصرة على هذه البدعة السيئة ان تقوم بتعليم من كان منهم من أهل هذة الهيئة ، الخلافات بين المذاهب وبين النصوص والاجتهاد المسموح به وحقوق المسلم والمسلمة ، وإلا فالحاصل هو إنكار للمنكر جالب للمفاسد ..

وهذا مسوغ فقهي كافٍ وحده لإسقاط وظيفة الحسبة من على أفراد المجتمع المسلم.

تحياتي